كاراكاس – يلقي الفنزويليون على رئيسهم التحية الأخيرة. مئات الألوف احتشدوا في ميدان الثورة بالقرب من الأكاديمية العسكرية حيث يُسجّى جثمان «قائدهم» و«أبيهم» و«مثالهم» وصفات مجيدة أخرى أحبوا أن يطلقوها عليه. هؤلاء لم يصدقوا أنه رحل، فبدوا مقتنعين خلال ساعات الاحتشاد الطويل من أجل الوداع الأخير أن المسجّى أمامهم هو «الجثمان فقط، لكن القائد خالد».
الخبر وقع كالصاعقة على الملايين من محبي «الكومندانتي» حين أعلن نائب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في كلمة من خلال التلفزيون إن الرئيس هوغو تشافيز توفي بعد معركة مع السرطان استمرت طوال العامين الأخيرين من سنوات حكمه الـ14 التي قضاها على رأس الدولة الفنزويلية التي شهدت في عهده تحولات جذرية. وقال مادورو «تلقينا الخبر الأكثر مأساوية وحزنا الذي يمكن أن نعلنه للشعب… اليوم الخامس من آذار توفي قائدنا الرئيس هوغو تشافيز فرياس». وبرحيله فقد الشعب الفنزويلي، كما فقدت شعوب العالم الثالث، قائداً مناضلاً صلباً، هو الرئيس هوغو تشافيز، الذي توفي عقب معركة شرسة ضد مرض السرطان، بعدما خاض، من موقعه اليساري، أشرس المعارك ضد الولايات المتحدة وحلفائها في الداخل والخارج، سواء على المستوى الاقليمي، حيث قاد أميركا اللاتينية إلى مرحلة التكامل والتحرر من خلال مشروع «البديل البوليفاري» و«اشتراكية القرن الحادي والعشرين»، او على المستوى الدولي، حيث سجلت له مواقف مشرّفة في محطات عدة، وأبرزها قطع العلاقات السياسية والاقتصادية مع العدو الإسرائيلي رداً على جرائمه في لبنان وفلسطين، وهو ما لم يجرؤ عليه يومها أي رئيس أو ملك أو أمير عربي.
وسبق الإعلان عن وفاة تشافيز، اجتماع عقدته القيادة السياسية والعسكرية بعد تدهور صحة الرئيس الراحل بشكل حادّ، إثر إصابته بـ«التهاب جدّي وحاد» أدى إلى «تدهور عمل جهازه التنفسي»، حسبما أعلنت الحكومة الفنزويلية.
وأجرى نائب الرئيس مادورو، الذي اختاره تشافيز ليخلفه في الحكم، مشاورات مع وزراء ومسؤولين عسكريين عديدين ونحو 20 حاكماً من الحزب الحاكم، بحسب تلفزيون «في تي في»، الذي أوضح ان الهدف من الاجتماع هو «تحديد السياسات المتعلقة بمختلف المشاريع لتنمية بلادنا والشعب الفنزويلي بأجمعه».
وغداة الإعلان عن وفاة تشافيز، أمر مادورو بنشر قوات الجيش والشرطة في البلاد من اجل «ضمان السلام»، مشدداً على أن «كل القوات الوطنية المسلحة البوليفارية والشرطة الوطنية البوليفارية تنتشر في هذا الوقت لمواكبة وحماية شعبنا وضمان السلام في البلاد».
وتلا ذلك ظهور عدد من كبار القادة العسكريين على شاشة التلفزيون، معلنين ولاءهم لمادورو، مؤكدين أن الجيش يعد باحترام الدستور ورغبة تشافيز.
وكان مادورو قد اتهم قبل ساعات من وفاة تشافيز «أعداء فنزويلا التاريخيين» بالوقوف وراء إصابة الرئيس الراحل بالسرطان، وهو اتهام رفضته الولايات المتحدة، على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية باتريل فانتريل، الذي اعتبر أن «القول بان الولايات المتحدة ضالعة بشكل ما بما يُسمّى مرض الرئيس تشافيز هو امر عبثي ونحن نرفض بشدة هذا الاتهام».
وأكدت وزارة الدفاع الأميركية، في وقت سابق، أن أحد المسؤولين العسكريين الأميركيين طرد من فنزويلا وهو الآن في طريقه الى الولايات المتحدة. واتهمت السلطات الفنزويلية ديفيد ديلمونيكو بـ«محاولة الاتصال بعسكريين ناشطين في فنزويلا، أولا من أجل الاستعلام عن وضع القوات المسلحة (ولاحقاً) ليعرض عليهم مشاريع تزعزع استقرار البلد».
وقد أعلنت فنزويلا الحداد لمدة أسبوع على رئيسها الراحل الذي يشيع الجمعة (مع صدور هذا العدد) بحضور العديد من رؤساء دول العالم. وكان جثمان تشافيز نُقل، الأربعاء الماضي، من المستشفى العسكري حيث توفي إلى الأكاديمية العسكرية، بمواكبة جنود من حرس الشرف الرئاسي، بعدما جال الموكب سبع ساعات في شوارع العاصمة. وتشكل صف انتظار طويل امتد كيلومترات عدة أمام الأكاديمية، واضطر بعضهم للانتظار أكثر من تسع ساعات لإلقاء نظرة الوداع على «القائد». وقرب النعش كان يقف المقربون من الرئيس الراحل، نائبه نيكولاس مادورو ورئيس الجمعية الوطنية ديوسدادو كابيو ووالدة الرئيس إيلينا فرياس مع أشقائه الأربعة.
وقد قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن بلاده معنية بإقامة علاقات مستقبلية بناءة مع فنزويلا في المستقبل. وكان تشافيز منتقدا شرسا لسياسات الولايات المتحدة التي كانت بدورها تنتقد سياساته بسبب تحالفاته مع زعماء يساريين في أميركا اللاتينية، وعلاقاته بدول مثل كوبا وإيران وسوريا.
وقبل ساعات من إذاعة خبر وفاة تشافيز، ألمح مادورو إلى ضلوع واشنطن في مؤامرة مفترضة تمثلت في حقن تشافيز بمادة مسببة للسرطان, وهو ما نفته واشنطن.
وعزّت الرئاسة الفرنسية من جهتها الفنزويليين، وقالت إن تشافيز ترك أثرا عميقا في بلاده، وهو ما أشار إليه أيضا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
وفي منطقة أميركا اللاتينية، قالت رئيسة البرازيل ديلما روسيف إن وفاة تشافيز خسارة لا تعوض، ووصفته بأنه صديق للشعب البرازيلي وأميركي لاتيني عظيم. وفي البرازيل أيضاً، قال الرئيس السابق لولا داسيلفا إن تشافيز كان يناضل من أجل عالم أكثر عدالة.
كما عبر الرئيس البوليفي إيفو موراليس عن صدمته لوفاة صديقه، وقال إنه سيتوجه إلى فنزويلا.
بدوره، أبدى رئيس كولومبيا خوان مانويل سانتوس أسفه العميق، مذكّرا بالوساطة التي قام بها تشافيز بين الحكومة الكولومبية وجبهة «فارك» اليسارية الكولومبية المتمردة. وفي الإكوادور التي يرأسها رافائيل كوريّا -وهو يساري قوي حليف لتشافيز- أبدت الحكومة حزنها لوفاة الرئيس الفنزويلي، ووصفته بالقائد التاريخي.
وقالت نيكاراغوا التي أشرف رئيسها دانيال أورتيغا على حفل لتأبين تشافيز، إن أمثال الرئيس الفنزويلي الراحل لا يموتون, بينما أشاد رئيس تشيلي سيباستيان بينيرا بجهود تشافيز لتوحيد أميركا اللاتينية. وفي كوبا -وهي حليف آخر لفنزويلا- قطع التلفزيون الرسمي برامجه العادية، وأعلن الحداد حيث بث صورا لتشافيز وردود الأفعال على وفاته، فيما توجه الرئيس راوول كاسترو الى فنزويلا للمشاركة في تشييع الزعيم الراحل الذي كان يعد نفسه عربياً ناصرياً بالدم.
Leave a Reply