بقلم: مريم شهاب
بمناسبة حلول شهر رمضان الفضيل، الذي أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، نقدم التهنئة للجميع.
غير أن البعض من أهلنا وأحبائنا، هنا في ديربورن، حولوا أول رمضان إلى نوم بالنهار، ووسطه إلى مسلسلات وطهي الطيبات، وآخره إلى موائد عامرة ومعسلات، فماذا تبقى من دلالة الشهر المبارك؟؟
في كل رمضان، أحاول أن أقول كلمة طيبة. فأنا ضالتي الحكمة فيما أكتب وما أقول، ورمضان هو موطن الحكمة الإلهية العظيمة، وصميم التجربة الإنسانية عندما تشارك الآخرين جوعهم وآلامهم، وما أكثرها هذه السنة مع موجة الحمى التكفيرية التي تجتاح الشرق.
علمونا ونحن صغار أن الجوع كافر. وأنا من جيلٍ عانى من الحرمان والجوع. لا أنكر ذلك، وهذا ما يجعلني أشعر بالأسف والحزن الشديدين لكميات الطعام التي تهدر في البيوت والحفلات والمناسبات خلال الشهر الكريم. فمن لا يعرف أن الجوع كافر، عليه أن يفهم أن الله -عز وجل- منّ علينا ورزقنا نعماً عظيمة لا نعرف قيمتها إلا عندما نفقدها.
ما نلمسه هنا في بلاد الوفرة والإستهلاك وعند معظم الصائمين، حالة الصيام نهاراً، تقابلها مساءً حفلة كبيرة يعد لها كل «المفجوعين» لإلتهام أكبر قدر ممكن من الطعام طوال ساعات الليل حتى الإمساك.
والبعض يتصرف في رمضان كما لو أنه قادم من مجاعة أو مثل متسابق خرج للتو من برنامج «الخاسر الأكبر» ويحاول تعويض ما فقده.
في الواقع، إن الربح في الصوم، والخسارة كل الخسارة عند إلتهام كل هذه الأطعمة، على الأقل صحياً.
أذكر جيداً من دراستي الثانوية قصة «الكوميديا الإلهية» للكاتب والفيلسوف دانتي الذي صور فيها العذاب درجات، وأن كل شخص سيتعذب بقدر ذنوبه، وكان من أخبث وأحقر الذنوب من وجهة نظره «النهم»، والنهم هو أن يأكل الفرد كل شيء وأي شيء أمامه بأسلوب فظ ومقزز، من دون مراعاة آداب الطعام. ويصف دانتي عقاب هؤلاء بأنهم سيتعذبون بالأكل.
هناك بعض الناس لا يفقهون أي آداب للطعام، ويأكلون بنهم وبأسلوب منفر، ولا يعيرون أي إهتمام لأي شخص أمامهم، هوايتهم ومتعتهم الوحيدة هي الأكل، يتزاورون ولا يتنزهون إلا للأكل فقط، لا يبالون بأمراض كثرة الطعام وعادات الأكل السيئة وخصوصاً بعد الإفطار في شهر الصيام.
سبق للحكماء العرب والمسلمين أن أكدوا أن المعدة هي بيت الداء، «وأن صوموا تصحوا»، ولكن على من تعزف مزاميرك يا داوود؟؟
قد مارست الكثير من الشعوب الصوم قبل الإسلام وبعده، إختلفت طرقهم وطقوسهم فيه.
في الهند مثلاً هناك فئة تصوم نهائياً ولا تتناول غير الماء وسبق لأحدهم أن صام على ذلك المنوال أربعين يوماً متواصلة، ومازال يتمتع بصحة جيدة.
حبي لخوض التجارب الجديدة، دفعني لممارسة هذا الطقس واستطعت الصمود ثلاثة أيام فقط، ولولا لطف الله لكنتم اليوم تترحمون عليّ.
في السابق وفي رمضان، كان هناك الكثير من المحسنين الذين يقصدون بأنفسهم بيوت الفقراء والعائلات المتعففة فيقدمون لهم الدواء والطعام والحلويات والثياب ويجولون على أصحاب الحاجات ويعطونهم مما أنعم الله عليهم، لكن اليوم زكاة الصيام تعطى مثل الصدقة.
أما موائد الإفطار الرمضانية فكانت بسيطة وفيها بركة، والناس كانوا يأكلون بصورة معتدلة. أما اليوم فيفطر الناس حتى التخمة ويأكلون ما لذ وطاب دون شكر الله حتى.
Leave a Reply