مريم شهاب
حلَّ شهر رمضان علينا، وانقضى سريعاً. لكن هذا العام كان له طعمٌ آخر وحضور أكثر هدوءاً مما قبله. فلا حفلات إفطار ولا تنافس ولا تباه بتقديم أصناف الطعام والحلويات الفاخرة، ولا ظلم للآخرين بدفعهم إلى اقتراف الذنب نفسه في حلبة رد العزائم أمام جمهور يهوى النميمة والكلام والفلسفة عن البخل والكرم في الضيافة.
مرّ رمضان بخير بلا مشاكل بين الأصدقاء والأقارب، ولا نساء يندبن قلة التقدير والدعم من أفراد العائلة المقربين، الذين يأكلون ويغادرون دون كلمة امتنان أو شكر.
رمضان هذه السنة، منح الإنسان المسلم لحظة استراحة في زحمة الحياة، لينبش ما في صدره وقلبه وهو الذي بات ماهراً في إخفاء حقيقة مشاعره عن الآخرين.
إنه رمضان في زمن التباعد الإجتماعي والعزل في البيوت بسبب أزمة كورونا التي باغتت الإنسان بصفعة على وجهه وقالت له: توقف، توقف وتأمل، هل تعيش الحياة كما ينبغي؟ انظر إلى أيامك كيف تمضيها! سنوات تمرّ في حب المال واللهاث وراء المناصب والمديح والنفاق. نسينا أن الحياة بسيطة، نسينا أن ننظر بحب وحنان إلى آبائنا وأزواجنا وأولادنا، أو نبتسم بوجه صديق، أو نقرأ كتاباً، أو نركع ركعتين لشكر الله، أو نتصدّق سراً أو نعود مريضاً أو نصل الرحم.
أهملت أيها الإنسان التعاطف مع جارك. إتّسمت باللامبالاة وعدم التأثر بما آل إليه حال أخيك بحجة هموم الدنيا ومشاكلها، فلا تكون اللقاءات والمناسبات المختلفة إلّا مجاملات باردة خالية من الصدق والحرارة الإحساس.
مثل الكثيرين، وأنا منهم، كان شهر رمضان بالنسبة لي هذه السنة تكفيراً عن الرمضانات السابقة. أحسست فعلاً ببركة الشهر الفضيل، أحسست بروحانيته، شعرت أنني أقرب إلى الله. زادني حضوره خشوعاً وخضوعاً لربٍّ رحمن رحيم.
كنت دوماً أطلب من الله العفو والمغفرة للتقصير في العبادات والواجبات، مهرولة لأداء العمل والتسوّق والطبخ… وما أدراك ما الطبخ وتحضيره خلال رمضان إرضاءً للزوج والأبناء وزوجاتهم والضيوف وفي حفلات الإفطار التي لا تنتهي.
كنت أشعر أن شهر رمضان ينطوي على واجبات اجتماعية ثقيلة، لذلك كنت أصوم بعد انتهائه شهراً، تكفيراً عن التقصير واللهاث وراء إرضاء الآخرين. كنت دوماً أسأل الله أن يسامحني ويشملني بدفء عفوه، بسبب الشعور بالذنب الذي كان يلازمني طوال الشهر الكريم.
الحجر المنزلي هذه السنة، وكسر يدي، منحاني طاقة لصوم رمضان كما يجب أن يكون، دون تفكير بأصناف الأكل وموائد الإفطار. تولّى زوجي مهام المطبخ، وتفرغت أنا للعبادة والصلاة وقراءة الكتب الكثيرة المؤجلة.
استطعت ختم القرآن بتمعّن مع التفسير للشيخ الجليل محمد جواد مغنيّة. استمعت لمحاضرات دينيّة عزّزت في روحي الإيمان بالخالق العظيم، وملأت الصلاة نفسي بالصفاء شكراً لله وحمداً له، سائلة رب العالمين الشفاء للمرضى والعزاء لمن فقد عزيزاً، وللأحبة جميعاً الرحمة والمغفرة.
Leave a Reply