في مسرحية المللك لير، لشكسبير، كانت الشتيمة المفضلة للكونت كينت، هي: “أنت يا لاعب كرة القدم الحقير”!
ثم انتقلت لعبة كرة القدم إلى أميركا الجنوبية عن طريق البحاّرة الإنكليز، فقام “الحقراء” و”الرعاع” و”الغوغائيون” بإعلاء شأنها، حتى غدت اللعبة الشعبية رقم واحد في العالم. وأصبحت كرة القدم سفيرة الشعوب والثقافات إلى الآخرين. ليس الراقصين بل لاعبو الطابة من أذاع شهرة رقصات التانغو والسامبا.. في الكوكب الأرضي.
يصف الروائي البرازيلي باولو كويلهو لعبة كرة القدم بأنها “مملكة الوفاء البشري التي تمارس في الهواء الطلق”. ليس هذا الأمر صحيحاً دائماً بالطبع، ولكنه حدث ذات مرة على نحو مثير للإعجاب، عندما هدد هتلر، النازي الألماني، أعضاء فريق “دينامو كييف” بالموت إن هم هزموا الفريق الألماني: “اربحوا وسوف تموتون” قال لهم متوعداً. نزل اللاعبون الأوكرانيون وقد عقدوا العزم على الخسارة أملاً بالنجاة من بطش الحاكم الموتور. و أبلوا بلاء حسناً في البداية باللعب بتلك الطريقة الرديئة التي تضمن النجاة، ولكن في لحظة ما، مس شيطان اللعب اللاعبين وانطلقوا يلعبون بتلك الروح القتالية المدهشة. لقد أرادوا الانتصار لشرفهم، فحققوا ذلك، وكانت النتيجة أن تم إعدامهم بثياب اللعب.
/
عندما.. يكف اللعب عن كونه مسألة لهو وتقطيع للوقت وعطالة عن العمل، ويصبح مسألة شرف!
/
ديكتاتور آخر، هو الفاشيستي موسوليني، أرسل الفريق الإيطالي إلى مونديال 1938، قائلا لهم: “الفوز أو الموت”. فاز اللاعبون الإيطاليون باللقب، وتم تكريمهم بالثياب العسكرية، ولكن الفاشتسية انهزمت!
ألم يكن عدي صدام حسين يحكم المنتخب الكروي العراقي بالقبضة العسكرية، أيضا؟ ألم يكن يعاقب اللاعبين على طريقة العسكر، بالحلاقة على الصفر، أو بوضعهم في السجن؟!
وماذا فعل النظام المصري مؤخراً على خلفية المنافسة بين مصر والجزائر للتأهل إلى كأس العالم؟ كادت الأمور تتدهور إلى إشعال فتيل الحرب بين الدولتين الشقيقتين، من أجل تلميع صورة مبارك النجل الذي يطمح إلى الحلول في مكان مبارك الأب. ليس مباركاً بأي حال ذلك الاستغلال الرخيص لشغف “الجماهير” بالطابة وهوس الناس بها..
/
الكرة دائماً في ملعب الحكومات..
/
ولكن هل يمكن للاعبي كرة القدم أن ينتصروا على السياسيين الانتهازيين والعسكريين الباطشين؟ والجواب، ويا للمفاجأة: إي نعم.. يمكن. لقد حاربت كرة القدم اللاتينية العنصرية رغم ممثلي السلطة وأصحاب القرار السياسي، ففي العام 1921 أصدر الرئيس البرازيلي مرسوما رئاسياً يدعى “مرسوم البياض” يقضي بعدم إرسال اللاعبين السمر والملونين إلى بطولة كأس أميركا التي أقيمت في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيريس، وكانت النتيجة أن خسرت البرازيل اثنتين من المباريات الثلاث التي خاضتها. وبعد تلك الحادثة تبدلت الأمور، فقد أدرك الجميع أن الزنوج والخلاسيين والسمر هم أفضل اللاعبين في تاريخ البرازيل: فريدينرش، داغيا، ديدي، غارينشيا، روماريو، رونالدو، رونالدينيو.
/
لا تنسوا الجوهرة السوداء بيلله!
/
واليوم، انظروا إلى الفرق الأوروبية وعدّوا اللاعبين الملونين. الديوك الفرنسيون في مونديال 2010 لم يكونوا بيضاً ولا شقراً. كانوا زنوجاً، وكان ثمة ديوك عرب من أصل جزائري على مقاعد الاحتياط. وليست مصادفة أن لا يتأهل المنتخب الفرنسي إلى الدور ربع النهائي، فالمسألة العنصرية صارت مشكلة واضحة المعالم في الثقافة والمجتمع الفرنسيين.
الأسوأ من الاستغلال السياسي لكرة القدم هو جشع الرأسمال والشركات التجارية، التي حولت هذه اللعبة الجميلة إلى بازار كبير لبيع كل شيء. ومرة أخرى وحسب رأي ادواردو غاليانو، صاحب الكتاب الرائع: كرة القدم بين الشمس والظل، فإن استغلال هذه اللعبة هو بمثابة التشهير بها، وهو استغلال جعل البطولات الرياضية “قداساً مدفوع الأجر”، فجمال هذه اللعبة الذي صنعه فقراء العالم وأبناء الطبقات الشعبية والمهاجرون، ها هو يسرق من جديد، بمشاركة مؤسسات الاعلان ومحطات التلفزة وغيرهم، ولكن ثمة من لا ينتبه إلا إلى اللعب الجميل، ولا يهمه إلا المواهب اللامعة.
/
ماذا نعرف عن الأرجنتين.. غير مارادونا؟
Leave a Reply