تبشر المعركة الرئاسية الاميركية بكسر المزيد من الخطوط الحمر «الاخلاقية» كلما اقتربنا من الموعد الحاسم في الرابع من نوفمبر القادم.
فبعدما رسى كل من المرشحين الجمهوري والديموقراطي على شريك في هذه المعركة، اتخذت الحملتان خطاً تصاعدياً اخذ يتجاوز «المحرمات» الكلامية في محاولا محمومة لكسب النقاط وسط معركة تشير استطلاعات الرأي الى تنافس لصيق فيها بين كل من باراك اوباما وجون ماكين.
شريكة ماكين الحسناء الشابة، وصيفة ملكة الجمال السابقة وحاكمة آلاسكا سارة بالين لم تتأخر في محاولة اثبات انها «اخت الرجال» عندما سألت حشوداً خاطبتها قبل نحو اسبوعين: ما الفارق بين «ام الهوكي» (المرأة القوية) وكلب الحراسة الشرس «بيت بول»؟
وأجابت بالين دون تردد: «احمر الشفاه».
ارادت بالين ان تلون انوثتها الطاغية بمسحة من القوة والقول ان زينتها تخفي تصميماً على النهوض بأعباء المنصب اذا قدر لها الفوز الى جانب المرشح الجمهوري الذي فضلها على «نخبة» رجال الحزب الجمهوري مخالفاً كل التوقعات.
معادلة «الانوثة تساوي القوة» التي ساقتها حاكمة آلاسكا المتمرسة في الرماية والصيادة المحترفة في صقيع الولاية الواقعة على اطراف الدنيا، ونصيرة حق اقتناء السلاح سارعت الى استباق اي استهتار ديموقراطي بمقدراتها القيادية بناء على صغر سنها (44 سنة) وطمأنة الخائفين من حزبها الجمهوري اولاً ومن جمهور الناخبين الاميركيين تالياً انها ستكون قادرة على قيادة البلاد والحزب اذا تعرض شريكها الطاعن في السن جون ماكين لاي مكروه قد يعيق قيامه بأعباء المنصب.
ساره بالين لا تنتمي الى السلالات الحاكمة في واشنطن التي تستنسخ القيادات من صفوفها جيلاً بعد جيل، وهي في ذلك، شأنها شأن المرشح الديموقراطي للرئاسة باراك اوباما، القادم الى «عالم واشنطن» من الضواحي البائسة لشيكاغو، والذي حمله العمل التطوعي الاجتماعي في اوساط الفقراء، ومقدراته الخطابية الى العاصمة الأميركية قبل سنوات قليلة، ليكون اول افريقي اميركي ينتخب الى مجلس الشيوخ.
التصويب الاول على مقولة ساره بأن احمر الشفاه هو الفارق الوحيد بين «المرأة الحديدية» وكلب الحراسة جاء على لسان باراك اوباما الذي اعتبر بأن وضع احمر الشفاه على الخنزير مراراً وتكراراً لا يغير من حقيقة «ان الخنزير يبقى خنزيراً». وباراك اوباما المعروف عنه ادبه في التخاطب السياسي وقع في فخ هذا التشبيه ولو عن غير عمد، اذ انبرت اوساط حملته الانتخابية فؤراً الى نفي الاساءة الى بالين عندما ساق مثله غير الموفق والذي سبقه الى استخدامه كثر من الساسة الاميركيين ومنهم خصمه جون ماكين ابان الحملة الانتخابية التمهيدية في الحزب الجمهوري ضد الرئيس الحالي جورج دبليو بوش في العام 2000.
على ان هذا التشبيه من قبل اوباما قد يترك اثاراً سلبية على حملته الانتخابية وخاصة في صفوف الناخبات الاميركيات اللائي اعتبرن ان هذه «الاساءة» تنسحب عليهن، ومنهن جزء كبير شعرن بالاحباط اصلاً من عدم تأهل السناتور هيلاري كلينتون عن الحزب الديموقراطي اولاً، وعدم اختيار اوباما لها كنائبة رئيس تالياً.
اختيار جون ماكين سارة بالين نائبة له جاء خلافاً لرغبة شبه عامة في صفوف قيادات الحزب الجمهوري التي بقيت حتى اللحظة الاخيرة تفضل احد المرشحين في الانتخابات التمهيدية ميت رومني او توم ريدرج، في حين ظل ماكين يفضل عليهما السناتور المستقل، والديموقراطي السابق ذا الهوى الجمهوري جوزيف ليبرمان.
وطالما ان ليبراليةليبرمان المتمادية وقفت عائقاً بوجه تسميته فقد شاء ماكين ان ينتقي شريكة تمثل الرمز الاقوى للمحافظة وهي المرأة التي رفضت اجهاض حملها الاخير رغم ثبوت ان الجنين الذي يرقد في احشائها يحمل علامات مرض التشوه الخلقي المعروف باسم «داون سيندروم» (المنغولي بالتعبير الشعبي) وذلك لثقافتها المناهضة بشدة للاجهاض.
ميزة المحافظة التي تمتلكها سارة بالين اريد لها ان ان تعوض عن نقص مزعوم لدى ماكين على هذه الصعيد، يعيبه عليه عتاة الجمهوريين من اقصى اليمين حيث يجري تصنيفه في يسارهم
ميزة اخرى ساهمت في اختيار بالين وهي اعتناقها لعقيدة التخلي عن استيراد الطاقة من بلدان ذات انظمة غير ديموقراطية، ودعوتها الى استغلال الثروة النفطية الاميركية وحفر آبار جديدة، خصوصاً في ولاية آلاسكا التي تحكمها والتي يعمل زوجها في قطاعها النفطي كـ«عامل عادي».
ثمة امران جديدان طرأا على المعارك الرئاسية الاميركية لم تعهدهما من قبل وهما: العنصر «الملون» والعنصر النسائي وبصرف النظر عن حظوظ اوباما بالفوز في هذه المعركة فإن وصوله الى نيل ترشيح الحزب الديموقراطي والزخم الشعبي والمؤسساتي الذي رافقه سيجعل من الصعب اقصاء هذا العامل عن اي معركة رئاسية قادمة. اما المرأة فقد اصبحت جزءاً من هذه المعادلة منذ المعركة الشرسة التي خاضتها هيلاري كلينتون لنيل ترشيح حزبها دون ان توفق. وبعدما اقدم المرشح الجمهوري جون ماكين على اختيار ساره بالين في خطوة فاجأت الساحة السياسية والحزبية الاميركية، إلا انها لم تخرج عن السياق الطبيعي للديموقراطية الاميركية التي تخلفت عن مثيلاتها الاوروبيات في ايصال نساء الى قيادة دفة البلاد.
لم تعد سوى مسألة وقت قبل ان يستمع الاميركيون الى رئيس ذي بشرة ملونة او رئيسة تضع احمر الشفاه!
Leave a Reply