علي حرب – «صدى الوطن»
تحسين الخدمات البلدية وتطوير نوعية الحياة فـي الأحياء السكنية يدفعان مزيداً من العرب الأميركيين لشراء واستئجار المنازل فـي ديترويت لاسيما فـي المناطق المحاذية لمدينتي ديربورن وديبرورن هايتس حيث تتركز الجالية العربية.
وتمثل نهضة ديترويت فرصة حقيقية لسكان الضواحي الراغبين فـي الإفادة والاستفادة من الجهود المبذولة على جميع الصعد للعودة بمدينة السيارات الى مجدها الغابر بعد خروجها من الإفلاس.
لكن رغم الأسعار المتدنية التي تجذب اهتمام الراغبين فـي الاستفادة من الارتفاع المتوقع لسوق العقارات فـي المدينة، يبقى هناك العديد من التحديات الماثلة أمام هؤلاء وفـي مقدمتها المخاوف الأمنية وآفة المباني والمنازل المدمرة وصولاً الى المستوى التعليمي المتدني لمدارس المدينة، حسب إفادات السكان والمسؤولين.
أحياء غرب ديترويت المجاورة للديربورنين مثل أحياء وورنديل والـ«أفـيايشن ساب» أصبحت مقصداً مفضلاً للأميركيين العرب الذين يبحثون عن مسكن جديد أو عن استثمار عقاري.
ربيع حيدر، وهو مستثمر عقاري يملك ١٦ منزلاً فـي الجانب الغربي من ديترويت، يقول إن الأحياء السكنية فـي هذه المنطقة قد قطعت شوطاً كبيراً فـي الإنماء على مدى العامين الماضيين، من تزفـيت الطرقات وتركيب شبكات إنارة جديدة وغيرها من الخدمات الآخذة فـي التطور بالمدينة.
يؤكد حيدر ان عدداً كبيراً من العرب الأميركيين وسائر المهاجرين يرغبون بالانتقال الى هذه الأحياء التي تزخر بالتنوع الإثني بسبب انخفاض الأسعار والإيجارات الرخيصة الى جانب تحسن الأوضاع المعيشية ما جعل هذه «الأحياء تحمل وعوداً كبيرة للكثيرين» حسب حيدر. وأضاف «المدينة بحاجة إلى أشخاص لا يخافون، ديترويت هي مدينة جميلة وتتحلى بإمكانات وفرص هائلة لماذا تدفع ١٥٠ ألف دولار لشراء منزل فـي الضواحي عندما يمكنك شراء منزل بنفس المواصفات وأكثر بأقل من ٥٠ ألف دولار».
الى الشمال من شارع تايرمان الذي يفصل ديربورن عن ديترويت بين شارعي غرينفـيلد ووايومنغ، يمتد حي الـ«أفـيايشن ساب» حتى شارع جوي. يقول حيدر إن شركته اشترت أربعة منازل فـي هذا الحي، المعروف بهدوئه ونظافته.
وفـي جولة بسيارته فـي الحي، استعرض حيدر بفخر، المنازل الجميلة على شوارع يألفها سكان شرق ديربورن مثل أوكمان وميدلبوينت وأبولاين وهارتويل. وأشار إلى أنَّ «هذه المنازل تاريخية لن تجد مثلها فـي الضواحي». وأضاف «فـي هذا الحي بالكاد تجد أي منزل مهجور أو مهمل. هنا البلدية دائماً تقوم بورش تصليحات وأصحاب المنازل يعتنون بحدائق بيوتهم».
لكن حيدر اعترف من ناحية ثانية أن الوضع ليس كله وردياً، وأضاف «اننا بحاجة الى مزيد من تواجد الشرطة فـي عموم أحياء غرب المدينة، مشيراً الى أن الأحياء الواقعة جنوب شارع وورن فـي منطقة وورنديل تبعد أكثر من ميلين عن أقرب قسم شرطة (الدائرة السادسة) والذي يقع على تقاطع شارعي وارويك وبليموث.
وأوضح أن تعزيز دوريات الشرطة الإضافـية من شأنه أن يحل مشاكل متعددة فـي المنطقة، بما فـي ذلك جرائم اقتحام البيوت وسرقتها وتخريب الممتلكات الخاصة والعامة إضافة الى التسكع.
هناك شوارع نظيفة ومرتبة مثل شارع أبينغتون وأشبري بارك وهناك شوارع فـيها نسبة عالية من المنازل المهجورة والمدمرة التي تنتظر دور أزالتها على جدول أعمال الهدم فـي البلدية.
على جانب حديقة مغطاة بالقمامة أمام منزل محترق جزئياً فـي المنطقة، أعربت إحدى السكان عن إحباطها متذمرةً من أنَّ «هذا الحي مقرف ولا أحد ينظف. وهو مرتع للجريمة»، ولكن على بعد شارعين اثنين فقط من ذلك المكان، يمتد شارع خالٍ تقريباً من الآفات العقارية والتلوث البصري من شارع وورن ولغاية شارع بول.
وأوضح حيدر أن «البيوت المهجورة والمهملة تجذب المزيد من الدمار، وكلما كان الشارع مأهولاً كلما زاد الأمان حيث ينزع السكان نحو رعاية ممتلكات بعضهم البعض».
حيدر الذي قام بشراء المنازل فـي ديترويت منذ عام ٢٠٠٥ حث البلدية على خفض ضريبة الأملاك. وقال انه يجب تحسين فرص الاستثمار بخفض الضرائب من أجل استمالة مزيد من رؤوس الأموال.
آفة المنازل المهجورة والمهملة
عدد المنازل المهجورة يتراجع فـي أنحاء متفرقة من منطقة غرب ديترويت، لكن هذه الآفة لا تزال تشكل عقبة أساسية أمام تقدم وازدهار الأحياء.
وقال مارشال بولوك، مدير المنطقة السابعة فـي «ادارة أحياء ديترويت» البلدية، التي تغطي أجزاء واسعة من غرب المدينة، ان ادارته تتصدي بحزم لآفة المنازل المهجورة، حيث تقوم البلدية بمصادرة المنازل المهملة من أصحابها، وتدمر تلك التي لا يمكن اصلاحها فـيما يتم عرض المنازل التي تكون فـي حالة جيدة نسبياً للبيع فـي مزاد علني.
وأشار الى أن «البلدية لا تقوم بإغلاق منافذ المنازل بألواح خشبية لكنها توفر المواد المطلوبة للجيران وتمدهم بمتطوعين للقيام بالعملية».
وفـي العام الماضي، بدأ «بنك الأراضي فـي ديترويت» (لاند بانك) بمقاضاة أصحاب المنازل المهجورة والمهملة وقام بمصادرة عقاراتهم وإدراجها فـي مزاد علني عبر الانترنت: BuildingDetroit.org. حيث يتم عرض ثلاثة منازل يومياً ابتداءاً من ألف ١٠٠٠ دولار. ويتوجب على الملاك الجدد تصليح المنازل حسب الكود البلدي لتكون ملائمة للسكن، فـي غضون ستة أشهر.
وأوضح بولوك انه رغم تناقص اعداد البيوت المهجورة، يتم مصادرة بيوت إضافـية غالباً ما تكون مأهولة من قبل مقاطعة وين بسبب تأخر سداد الضرائب العقارية لأكثر من ثلاث سنوات. وأردف أن الأمر أشبه بحلقة مفرغة «حيث يمكننا هدم أو بيع ١٠٠ منزل مهجور فـي المنطقة، ولكن فـي المقابل يهجر ٤٠ منزلاً آخر فـي العام التالي بسبب الضرائب».
وتستعد مقاطعة وين فـي أيلول (سبتمبر) المقبل لإقامة مزاد عام للعقارات المصادرة بسبب الضرائب ومن بينها حوالي عشرة آلاف منزل مأهول فـي ديترويت.
وقال بولوك إن المستثمرين يشترون المنزل ابتداءاً من خمسمائة دولار فـي الجولة الثانية من المزاد والتي تقام فـي تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، فـي حين أن السعر الأولي فـي الجولة الأولى يكون بحجم الضرائب المتأخرة على العقار. وأضاف بولوك «يقومون بتأجير المنزل من دون إصلاحه ويجمعون ما يمكن جمعه من المال دون دفع الضرائب أو الالتزام بالمسارات القانونية. لافتاً الى أن «ادارة الأحياء تحاول إقناع مقاطعة وين بتسليم المنازل غير المباعة فـي الجولة الأولى مباشرة الى بنك الأراضي ليعرضها عبر مزاده الالكتروني.
وعلى الرغم من التقدم البلدي، اعترف بولوك بالمزيد من العمل المطلوب الذي ينبغي القيام به من حيث الخدمات. وتابع «هناك فرق بين الفعل الجيد والقيام بالعمل على نحو أفضل. نحن فـي وضع أفضل، لكننا لا تقوم بعمل عظيم».
وختم بالتأكيد «ان المدينة أصبحت أكثر أمناً، ولكن لا تزال هناك حاجة للمزيد من تواجد الشرطة».
فرصة تستحق المحاولة
فهمان علي واصل، البالغ ٣٠ عاماً، اشترى منزلين بالقرب من تقاطع شارعي وورن وساوثفـيلد من «بنك ديترويت» يشير الى إقبال متزايد للجالية العربية فـي هذه المنطقة وأن المزيد من الناس ينتقلون للعيش فـي هذه الأحياء التي تدهورت بشكل حاد بعد أزمة الرهن العقاري عام ٢٠٠٨. وقال واصل، وهو عراقي الجنسية، «كل شيء عظيم، الحي آمن. وليس لدينا أية شكاوى».
يشار الى أن منطقة وورنديل عموماً تضم أعداداً كبيرة من أبناء الجالية العراقية لاسيما فـي الأحياء المحيطة بوورن.
خضر حمادة يعيش حالياً مع عائلته قي بيت مؤجر بالقرب من شارع وورن الى الغرب من شارع غرينفـيلد، لكنه ينتظر بفارغ الصبر انتهاء ورشة إصلاح منزله الجديد الذي اشتراه بمبلغ ١٤ ألف دولار من المزاد ويقع بالقرب من مقر إقامته الحالي.
يقول حمادة ،وهو لبناني الأصل، «هذه المنطقة هي أكثر أماناً مما كانت عليه قبل عامين»، وأضاف «لقد كان هناك تحول بنسبة ١٨٠ درجة، وهذا هو السبب الذي شجعني على الشراء، ونحن لا نقدر على تحمل نفقات شراء منزل فـي مدينة ديربورن. فكان البيت هنا فرصة لنا».
وأردف «هناك نظرة إزدراء سائدة فـي بعض أوساط الجالية مرتبطة بالذين يعيشون فـي ديترويت»، لكن هذا لا يُضايقه على الإطلاق. ومضى قائلاً «عندما قلت لأخي أني ساستأجر منزلاً فـي ديترويت أصابته الشهقة والدهشة. حتى اليوم، عندما أقول للناس أين أسكن، تتغير تعابير وجههم. الناس خائفون من ديترويت، ولكن أعيش هنا منذ سنوات. ولم يؤذني أحد على الإطلاق».
بدوره أكد قادر أبو قادر، وهو عامل يدوي ماهر فلسطيني أميركي يعيش فـي المدينة منذ ثماني سنوات، ان الأحياء تتحسن. وأردف ان «البلدية تحاول جاهدة ان تتقدم وهي تقوم بتركيب عدادات المياه وعدادات الغاز الجديدة. ويمكنك رؤية المزيد من سيارات الشرطة فـي الأحياء».
واضاف «لكن لا يزال هناك الكثير من المشاكل. وكلما ابتعدت عن حدود الضواحي، تصبح الأمور أقل أماناً. لدي أصدقاء يملكون منازل فـي ديترويت، لكنهم يواجهون صعوبة فـي العثور على مستأجرين». وخلص الى القول «سوف يستغرق الوضع ١٥ سنة أو أكثر لتحسين الأحياء وتعافـيها تماماً».
التنوع الثقافـي.. مصدر أمان وجذب
يقال أن منطقة مترو ديترويت عموماً مقسمة عملياً بين الجماعات الإثنية المختلفة من خلال خطوط تماس جغرافـية واقعية. ولكن هذه الخطوط لا يمكن رسمها فـي منطقة متنوعة مثل وونديل، حيث كل شارع له تركيبة ديمغرافـية خاصة من عدة خلفـيات إثنية وعرقية.
المستثمر ربيع حيدر أكد على وجود التنوع المتزايد فـي الأحياء. وقال «هناك عائلة يمنية تعيش هنا»، مشيراً الى أحد المنازل أثناء التجول بسيارته فـي وورنديل، واستطرد «عائلة سوداء تعيش هنا وأخرى بيضاء هنا وعائلة لبنانية هنا ولاتينية هناك»، مشيراً الى أن هذا التنوع الثقافـي يشكل عامل أمان فـي الأحياء حيث أن «وجود جماعات عرقية متعددة يقلل تلقائياً من الأعمال الجرمية والعدائية». ويشير حيدر الى أن الأحياء المحيطة بشارع وورن الى الغرب من شارع غرينفـيلد تتفاوت وضعيتها وتركيبتها الديمغرافـية من شارع الى آخر، لكنه يؤكد أن هذه الأحياء تشكل فرصة استثمارية مربحة للعرب الراغبين فـي الاستفادة من نهضة ديترويت المنشودة.
محمد العامري، وهو مهاجر حديث من اليمن اشترى منزلاً من بنك الأراضي فـي العام الماضي، قال انه انجذب بعض الشيء الى ديترويت بسبب تزايد الوجود العربي مؤكداً «هذه منطقة ذات مستقبل عظيم. انا ساكن هنا فقط منذ سنة ونصف، وانا سعيد بالعيش بين العرب هنا».
من جهتها، أوضحت منى علي، نائبة مدير المنطقة السابعة فـي «ادارة الأحياء» ان المدينة «هي مكان يرحب بالجميع. ومن الأمور التي من شأنها أن تساعد كثيراً إذا تم ايجاد أكبر قدر ممكن من المشاركة والتعاون بين الجماعات العرقية والدينية المختلفة».
وأفادت علي ان بلدية ديترويت تقوم بتوزيع منشورات بلغات متعددة وتتواصل مع المساجد والمنظمات العربية الأميركية لتشجيع أفراد الجالية للاستفادة من مزادات بنك الأراضي. وختمت بالقول «الجميع يبدو أنهم مهتمون للغاية (بالمزادات) وهي فرصة جيدة لهم للانخراط فـيها وهم يتلقفون الفرصة بشكل جيد».
Leave a Reply