بالرغم من أن حرّاس المرمى دأبوا على حمل الرقم “1” منذ انطلاقة بطولة العالم لكأس كرة القدم في العام 1930، إلا أنهم الأقل شهرة لدى عشاق المستديرة على مر العصور. والحقيقة التي لا لُبس فيها، هي أن الهدّافين وصانعي الألعاب الذين حملوا الرقم “10” وحازوا لقب “قلب الهجوم” أو “رأس الحربة”، نالوا إعجاب المتابعين والرياضين والمهوسين بالطابة، وصار لهم مريدون وأنصار، وكانوا ومازالوا في المقدمة، وعليهم تعقد المراهنات والآمال الفردية والوطنية.
وكاد الرقم 10 أن يكون إشارة دامغة على مكانة اللاعب في صفوف فريقه، فتاريخ هذا الرقم مع النجوم لا يمكن إهماله، وإن مجرد إحصائية بسيطة إلى اللاعبين الذين حملوه تظهر مكانته وخطورته، فمن بيليه إلى مارادونا إلى ميشيل بلاتيني إلى زيكو إلى رونالدو إلى ماتيوس إلى باجيو إلى روي كاستو إلى فيوري.. إلى الكابتن ماجد!
أما الرقم “1” الذي يحمله الحرّاس، فقلما كان اسماً إلى مسمى، ونادرا ما كان دليلا على قدرة اللاعب ومهارته أو مكانته في قلوب المشجعين وأنصار الفريق. وهذا مرده، بقليل من التفلسف، إلى أن كرة القدم، كما التاريخ والحياة، يصنع تاريخها الهدافون القادرون على هز شباك الآخرين، وليس الحرّاس الذين يعيقون اللاعبين أو “يقاومون” الكرات ويصدونها ويبعدونها خارج الشباك وكتب التاريخ.
والحرّاس في حياتنا العربية كثيرون، فمن حرّاس “الوطن” إلى حراس “الأرض” إلى حراس “الدين” إلى حراس “الثقافة” إلى حراس “القيم والمبادئ”. عندنا حرّاس من كل الماركات والأشكال والأنماط.. ومع ذلك لا يمكننا إبعاد شعورنا بالخطر والخوف..
وثمة أيضا حراس قبور. وأما الأسوأ منهم، فهم المدافعون عن فلسفة الحراسة نفسها..
وفي الواقع ليس لدي أي شعور شخصي ضد أي حارس، بل إن بعض الحرّاس يتسمون بقوة الحضور وطاقة الإطلالة البهية على الشاشة، ولنا أن نتذكر في هذا السياق الحارس الفرنسي فابيان بارتيز (والقبلة على صلعته التي اشتهرت في ذلك الوقت) الذي حمى شباك الفريق الفرنسي إلا من هدفين خلال سبع مباريات في العام 1998، ووصل مع الديوك الزرق حينها إلى منصة الكأس، كأس العالم.
أما أطرف حارس مرمى في التاريخ، فهو الحارس الكولومبي الهرم رينيه هيغيتا، الذي اشتهر بخروجه المجنون من مرماه بلا أية أسباب موجبة أو معقولة، سوى رغبته بالهجوم ربما. وكان خروجه من مرماه قد تسبب بخروج كولومبيا من مونديال إيطاليا عام 1990 الأمر الذي أحسن استغلاله المهاجم روجيه ميلا (الهرم هو الآخر)، واضعا هدفاً ساحقا.. وتاريخيا.
الطريف أن هيغيتا كان حارسا ممتازاً وقادرا على صد كرات صعبة، ومعروفة “صدة العقرب” التي استخدمها أمام الفريق الأرجنتيني، والأطرف أنه حاز في رصيده على 52 هدفا سجلها بنفسه من كرات ثابتة.
عندما يسجّل حارس مرمى هدفاً في شباك حارس مرمى، كيف يكون طعم الهدف وقتها يا ترى؟ وما هو طعم الأهداف التي يسجلها الحراس في لشباك التي يحمون عرينها؟
في مسرحية “بنت الحارس” للأخوين رحباني، يقوم أعضاء المجلس البلدي بتسريح الحارس بحجة استتباب الأمن، فيضطر الحارس “أبو نجمة” إلى العمل في الميناء، ما يضطر الابنة “نجمة” (فيروز) إلى اللجوء إلى الحيلة، فتتقمص شخصية اللص “أبو الكفية” الذي يهاجم الضيعة. وتنتهي المسرحية بعودة الحارسين إلى العمل!
أما في الواقع، فـ”حارسنا” لا يستقيل من منصبه، وبالتالي لا تضطر ابنته، أو أخته من تقمص أي دور لإعادته إلى “الوظيفة”.
في حياتنا حرّاس كثيرون، لكن “الأهداف” تدخل مرمانا وتهز شباكنا من كل حدب وصوب، على مرأى من “بنت الحارس” و”أخته”!
Leave a Reply