في بداية التحرك الاعتراضي بعد استقالة وزراء حركة وحزب الله من حكومة فؤاد السنيورة في 11-11-2006، استطاعت المعارضة ان تغرق العاصمة بيروت بساحتيها وبطرقاتها الرئيسية والفرعية بأكبر حشد اعتراضي عرفه لبنان منذ قيامه، ولكنها توقفت على عتبة السراي الحكومية دون التقدم قيد انملة نحوها، واستجابت للضغوطات العربية ورفعت بعض الخيام من الطرق الرئيسية المؤدية للسراي، ومع الوقت تحول اعتصام وسط بيروت الى فولكلور سياسي اعتراضي ألفته السلطة وتعايش معه ساكن السراي، ففقد الاعتصام زخمه ووهجه ولم يؤد الى اهدافه السياسية المتوخاة.
خطأ المعارضة هنا، ظنها بأنها تتظاهر امام قصر الايليزيه وتحتج وتطالب بالمشاركة في بلد يحترم حكامه الديموقراطية والحريات العامة. اعتقدت المعارضة من غير لبس بأنها قادرة على التغيير وفرض وجودها داخل السلطة من خلال تحركها السلمي والمسالم، فلم تنجر في البداية الى الرد على حملة الاعتداءات التي مارستها عليها في الشارع قوى السلطة وعلى رأسها تيار المستقبل الذي وجد ان المعارضة مغلولة الايدي ولا تجرأ على المواجهة في الشارع، لانها تخشى على شيء اسمه مقاومة، تريد المحافظة عليها وابقاءها بابهى حللها واجمل صورها امام اللبنانيين وامام العرب والمسلمين. ثم كانت احداث 22 كانون الثاني واحداث الجامعة العربية في اليوم التالي، حيث تأكدت المعارضة ان كل تحركاتها وتظاهراتها واعتصاماتها تساوي صفر على الشمال وهي لن تؤدي الى اي تغيير مرتجى.
نجحت قوى 41 آذار في احتواء تحركات المعارضة الى حد تعطيلها وتسفيهها، وساهم في ذلك دخول الجامعة العربية على خط الازمة اللبنانية، الامر الذي اعطى الحكومة فرصاً ذهبية للمناورة والتسويف واطالة امد الازمة عبر التنقل في باص المناورات والاقتراحات والتفسيرات المبهمة، حتى خلا موقع رئاسة الجمهورية واصبحت حكومة السنيورة سلطة الامر الواقع.
في نهاية تلك الفترة كانت المعارضة تفكر بالطريقة المثلى لتصحيح اخطاءها واعادة الامساك بزمام المبادرة بعد فشل كل المساعي السياسية الحميدة منها والخبيثة.
ربما كانت المعارضة تعد لتحرك من نوع آخر كالعصيان المدني تزامناً مع تصعيد على كل المستويات السياسية والشعبية والاعلامية، ولكن غباء السلطة الذي تجسد بالقرارين الشهيرين حتم على المعارضة سلوك طريق وعرة محفوفة بالمخاطر والصعاب ومزروعة بالالغام والاشواك المذهبية التي يحسن الخصم استحضارها، واستعمالها فوقعت الواقعة وحسمت المعارضة معركتها السياسية عسكرياً قبل ان تذهب الى بنك الدوحة لتصريف اوراقها الاحدى عشر التي جمعتها معطوفة على قانون ذهبي ثمين لم تكن المعارضة لتحلم بتحقيقه يوماً في ظل هذه السلطة.
لم تعتبر المعارضة من سلوك «14 آذار» معها طيلة السنوات الثلاث المنصرمة وضيعت الفرصة التي شخصت امام اعينها في المجلس النيابي حين تم انتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية من غير ان تلزم قوى «41 آذار» باقرار قانون الانتخاب المتفق عليه في الدوحة. ترتب على ذلك فقدان هامش المناورة لدى المعارضة في التفاوض على توزيع الحقائب داخل الحكومة الجديدة المزمع تشكيلها.
تيار المستقبل لا يمانع ان يستمر فؤاد السنيورة في حكومة تصريف الاعمال حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة في صيف 2009 التي يفضل خوضها على اساس قانون غازي كنعان الذي فصل على قياسه في بيروت.
الخطأ الاول كان الحلف الرباعي الذي عقده حزب الله بمعية حركة امل مع كل من المستقبل والاشتراكي، فكانت النتيجة ان تحول الثنائي الشيعي الى صفوف المعارضة بعد ان شكلت قوى «41 آذار» اكثريتها على ظهره.
الخطأ الثاني تأخر المعارضة في تحركها الميداني بعد حرب تموز 2006 لتغيير الحكومة.
الخطأ الثالث عندما تحركت المعارضة في اوائل عام 2006 ولم تحسم.
الخطأ الرابع عندما حسمت المعارضة ميدانياً ولم تحسم سياسياً في المجلس النيابي وتركت الامور مشرعة على الاحتمال والتكهن.
قد تكون اخطاء المعارضة المتكررة في التعامل مع ملف «41 آذار» اخطاءً قاتلة في السياسة وغير قابلة للتصحيح الا من خلال الارض، ما يعني الكأس المرة، مرة جديدة.
Leave a Reply