في الوقت الذي تواصل فيه السلطات المحلية والفدرالية جهودها في إطار خطة «ديترويت وان» الأمنية، شهدت المدينة خلال الفترة الماضية موجة جديدة من الجرائم المسلحة، وهو النوع الذي تستهدف الخطة مكافحته عبر ملاحقة أخطر المطلوبين ومكافحة انتشار السلاح في المدينة وتسريع عملية مقاضاة الموقوفين، حيث عين مكتب الإدعاء الفدرالي ممثلين عنه في مختلف أقسام الشرطة في المدينة لتوجيه التهم بشكل تلقائي.
وإذا كانت الخطة المشتركة التي تضم الى جانب شرطة ديترويت كلاً من شرطة مقاطعة وين وشرطة ميشيغن إضافة الى الوكالات الفدرالية، تستهدف الحد من مستوى الجرائم المسلحة بنسبة ٢٥ بالمئة فإن مشاكل ديترويت الأمنية المستعصية تذهب أبعد من ذلك بكثير حسبما أعلنت مؤسسة «نيبرهود سكاوتس» (كشافة الأحياء) التي تعنى بجمع وتحليل المعطيات الديمغرافية والمعيشية في الأحياء السكنية لصالح الشركات العقارية لأغراضٍ تسويقية. فقد كشفت المؤسسة عن لائحتها السنوية لأخطر ٢٥ حياً سكنياً في الولايات المتحدة، والتي تصدرتها ثلاث مناطق في ديترويت.
والمنطقة السكنية التي احتلت المرتبة الأولى في القائمة هي منطقة تقاطع شارعي وست شيكاغو وليفرنوي، حيث يتعرض شخص من كل سبعة الى جريمة عنفية، تشمل القتل والإغتصاب، وبحسب بيانات «نيبرهود سكاوتس» فإن نسبة جرائم العنف في هذه المنطقة بلغت حوالي ١٥٠ جريمة سنوياً لكل ألف شخص.
والمرتبة الثانية كانت لمحيط تقاطع شارعي ماك وهيلين بنسبة متقاربة جداً بلغت حوالي ١٤٥ جريمة لكل ألف شخص يسكن هذه المنطقة، أما المرتبة الثالثة فاحتلتها المنطقة السكنية الواقعة بين غراتشوت وروزماري بنسبة ١٢٤ جريمة لكل ألف.
ولم تكتف ديترويت بالمراتب الثلاث الأولى، حيث كانت المرتبة السابعة في قائمة «نيبرهود سكاوتس» من نصيبها أيضاً، فقد بلغت نسبة جرائم العنف في محيط تقاطع شارعي وايومنغ وأورنجلون حوالي ٩١ جريمة لكل ألف شخص سنوياً.
ووجدت الدراسة أن أخطر الأحياء السكنية من حيث التعرض للجرائم تكون عادة مليئة بالبيوت الخالية من سكانها ويسكن فيها عادة عائلات من أب أو أم واحدة وهذه «الميزة» تنطبق على معظم أحياء مدينة ديترويت حيث بلغت تقديرات قامت بنشرها البلدية وجود ٣٥ ألف منزل مهجور بالإضافة إلى أراض خالية.
وأشارت الدراسة إلى أن نسبة الجرائم في ديترويت هي أعلى بخمسة أضعاف عن النسبة في باقي أميركا حسب تحليل إحصائي أجرته مجلة «فوربس» في العام الماضي.
مؤسس منظمة «كشافة الأحياء»، آندرو شيللر، قال إن تصدُّر ديترويت لهذه اللائحة لم يكن مفاجأة للشركة وأضاف«عندما ترى وجود نسبة جرائم عالية كالتي تواجهها ديترويت وتضاؤل عدد السكان، يصبح حي واحد أو إثنين مرتعاً للعنف والجريمة».
إلا أن ديترويت لم تكن المدينة الوحيدة التي ظهرت على هذه اللائحة السيئة عدة مرات، فأحياء أربعة في مدينة شيكاغو أيضاً برزت على اللائحة الـ٢٥ وإحتلت المراتب ٤ و١٣ و١٦ و٢٥.
وهذا ما يبث الأمل بنفوس المشرفين على خطة ديترويت الأمنية بأن تستنسخ ديترويت نجاح مدينة شيكاغو في حصر الجريمة في أحياء بعيدة عن منطقة وسط المدينة التي تشهد في ديترويت تدفق استثمارات كبيرة في الآونة الأخيرة، بدأت تجذب الكثيرين الى مدينة السيارات. ويخشى الكثيرون من إمكانية فشل خطة «ديترويت وان» في تحقيق فارق ملموس في المدينة، مما قد يعكر الأجواء التفاؤلية التي تبثها مليارات الدولارات المتدفقة.
وخلال الأسبوع الماضي قالت الشرطة أن ديترويت شهدت موجة من أعمال العنف أسفرت عن مقتل شخصين وإصابة أكثر من عشرة آخرين. حيث تعرض ثلاثة شبان أثناء جلوسهم في سيارة على شارع ديفونشاير، لإطلاق نار من قبل مجهول أصاب اثنين منهم بجروح بالغة، دون أن تتمكن السلطات من جمع معلومات كافية عنه.
وجاءت هذه الحادثة بعد ثمانية حوادث إطلاق نار مماثلة خلال الأسبوع الأول من أيار (مايو) الحالي، قُتل فيها رجلان كانا جالسين بسيارة في حادثين منفصلين. كما أصيب رجل (55 عاماً) أثناء جلوسه في سيارته من طراز كاديلاك على شارع بيتوسكي حيث أطلق عليه النار رجل كان يقود سيارة «جيب شيروكي» وأصابه في أنحاء متفرقة من جسمه.
وفي مكان آخر أصيب صبي (16 عاماً) بطلق ناري في شمال المدينة بينما كان يتمشى بالقرب من تقاطع شارعي جونار ومارتسون، كما أصيب شاب (23 عاماً) على شارع ويفرلي، وقبل ذلك بساعتين أطلق أب النار على ابنه (23 عاماً) عقب مشادة كلامية وقد أودع الأب (50 عاماً) في السجن. كما أصيب رجل آخر (64 عاماً) في حادثة إطلاق نار صباح الثلاثاء الماضي عند تقاطع شارعي وودورد واتكنسون، وأصيب شاب (23 عاماً) بجروح خطيرة على شارع كونانت، وآخر (23 عاماً) أصيب على شارع روسيل، في حين أصيب رجل (58 عاما) عند تقاطع شارعي كاس وفيشر. واللافت في معظم هذه الهجمات كان استهداف المارة أو أشخاص داخل سياراتهم، من قبل مجهولين، وهو ما قد يؤشر الى وجود جهود مضادة لإفشال «ديترويت وان».
وفيما تتواصل الجهود الميدانية للسلطات المحلية والفدرالية، تواصل بلدية ديترويت، بإشراف من حكومة الولاية التي وضعت يدها على المدينة بسلطة قانون الطوارئ المالية، جهود مكافحة البيئة الحاضنة للجريمة وبالتحديد في الأحياء التي هُجرت معظم منازلها. إذ يبذل مسؤولو البلدية والولاية بالتعاون مع دائرة الإطفاء في المدينة جهوداً جديدة لتخفيف تكاليف إزالة المنازل المهجورة التي تحولت الى مرتع للمجرمين.
ويتعاون الجميع على وضع لوائح جديدة لطرق إزالة المنازل المهجورة التي تعد بعشرات الآلاف في المدينة. حيث يسعى المسؤولون الى السماح بابقاء الطوابق السفلى (بسمنت) دون الحاجة إلى ردمها عند إزالة المنزل، إذ أن ذلك من شأنه يوفر 2500 دولار من تكلفة هدم المنزل الواحد والتي تبلغ وفق اللوائح الحالية 8500 دولار.
وستسمح هذه الخطوة بتوفير التمويل اللازم لهدم المزيد من المنازل، حيث يسعى رئيس البلدية الحالي، دايف بينغ، الى هدم عشرة آلاف منزل قبل انتهاء ولايته العام 2014. وقد نجح حتى الآن بإزالة 7200 منزل منذ توليه منصب رئاسة البلدية قبل ثلاثة أعوام.
ومن ناحيتها قالت كارلا هندرسون مديرة التخطيط في البلدية إنه «كان من الأجدى إزالة المنازل المهجورة من أساساتها.. ولكننا مضطرون للاستماع إلى آراء المواطنين في هذا الشأن».
أما شيريل ستيفنز، من مؤسسة إعادة استثمار الأراضي في مقاطعة كوياهوغا في منطقة كليفلاند (أوهايو)، فقد انتقدت تغيير اللوائح لأن «هذا الحل عملياً لا يوفر أكثرمن 10 بالمئة من التكاليف»، وهو ما اعتبرته «نسبة لا تستحق المجازفة لما سوف نعانيه من مشاكل لاحقة».
يذكر أن حكومة ميشيغن خصصت 10 ملايين دولار لإزالة المنازل المهجورة في ديترويت، وقد ساهم البنك حتى الآن في تمويل هدم 200 منزل في المدينة.
Leave a Reply