آناربر –
كلمات ادونيس على ورقة بيضاء قدمتها دجلة السماوي
“عش ألقا وابتكر
قصيدة
وامض
زد
سعة الارض”
ادونيس
منذ وعينا شيئا من دلالات الكلمة وسحرها! ونحن نقرأ ونسمع بأدونيس، شاعرا عربيا تمرد على طقوس القبيلة إذ كان الشاعر مجرد تابع للقبيلة يهوِّل حسناتها كما انه يهوِّل مساوىء اعدائها فسمي مهوال القبيلة! ادونيس كتب شعرا جديدا على الجديد ومغايرا لأدبيات المغايرة! ادونيس الذي قاد ثورة على سدنة اللغة وسدنة تخلف الحياة معا، انه ثائر دون سلاح! ثورته كامنة في وعيه المبكر ضد الفكر والضلالات والأحابيل من أين أتت، من الشرق أو الغرب.
وأدونيس يكره العنف بأنواعه ويكره الايديولوجيا والمعتقدات المقفلة، وهو اليوم يلبي دعوات من الجامعات الاميركية ويقيم في باريس ولكنه لا يحابي الغرب ولا يعاديه. هو، من وجهة نظره، مؤمن بأن السياسة والدين ما اجتمعا الا وافسد بعضهما بعضا. لا بد من فصل الدين عن السياسة لانها ثنائية مختلفة ومؤتلفة في آن واحد.
زرناه في المرة الاولى مع البروفسور عبدالاله الصائغ والاستاذ سامي مهدي والفنان حيدر الياسري والفنان التشكيلي غازي الاسدي فأضعنا العنوان فتجولنا طويلا في روضة آناربر، فلم نجده رغم البحث والسؤال في الجامعة وخارجها فجلسنا لنستريح من عناء البحث في مقهى جميل على الشارع العام نحتسي الشاي والقهوة، فنرى حركة سير الطلبة الوافدين من الجامعة واليها بما يثير فينا الدهشة والاعجاب. أن استراتيجية المكان توحي لك حقا بان المكان هو سيد الزمان وسلطان الانسان! نتحرك ونتنفس جماليات المكان وارتباطاته بالطبيعة الخلابة فالاشجار مختلفة حتى في اللون الواحد فالصفرة الخريفية اشكال والحمرة الوان والعصافير لوحة متحركة حية. سبحان الله الخلاق.
وعندما التقيناه في جامعة آناربر كنت مع الاستاذ عبد الاله الصائغ والاستاذ مصطفى العمري وكان الشاعر أدونيس مع مترجمه الخاص الاستاذ خالد مطاوع الذي ترجم كتابه الجديد.
كان أدونيس هادئا وثائرا معا. سلمنا عليه ورحب بنا فجلسنا صفا ثانيا حيث انهالت الاسئلة على الشاعر ادونيس حول تجربته الشعرية والحياتية، وكان أدونيس يسرد الأجوبة بتلقائية وبديهة حاضرتين. واكتشفنا حس الفكاهة وسرعة البديهة عند ادونيس بما يضفي على الاجواء نوعا من الدهشة والاعجاب بهذا الادونيس الغريب بين العرب وبين الغرب والذي يحمل إضاءة الماضي والحاضر ويسبغ الامل للاجيال، ويبعث الثقة بامكانية التحرر من القيود التي تكبل الاجيال.
زرناه أيضا مع الشاعرة زمان الصائغ والاستاذ عقيل القفطان ونهار الصائغ. فتحدث عن قصيدة الموضوع وقصيدة الشعر، فقال انا لا اتميز عن غيري في الموضوع وانما ميزتي هي كيف اعبر عن الموضوع.
وكان السؤال الظريف قد جاء من الشاعرة زمان الصائغ حين قالت له هل من طقوس يمارسها ادونيس حين يكتب قصيدة، فدهش ادونيس للسؤال المفاجىء: “ما هي الطقوس لديك عند كتابة قصيدة”؟ فقال ادونيس للشاعرة زمان سؤالك أوحى لي بقصيدة فالطقس قرين لحظة الخلق. صدقا سأكتب قصيدة من وحي السؤال هذا. فضجت القاعة بالضحك والتصفيق الخفيف لهذه الاجابة الشفيفة والبديهة السريعة.
ونحن نشكو زمننا المتجهم الصارم الذي اخذ شوطا من اعمارنا ومرحنا ولكن الانسان والشاعر ادونيس لم تغيره السنون والتشرد في بلاد الغربة، فلعل ادونيس اعطى درسا مهما للحاضرين والمهتمين بالادب والشعر خاصة، فحضوره إضاءة للابداع العربي.
وقد كان ادونيس في آناربر بحق العملاق الذي سمعنا عنه وقرأنا له. وكان الدكتور عبد الاله الصائغ قد وجه اليه دعوة لزيارة ديربورن فرحب بالدعوة، وقال “استطيع تنفيذها في العام القادم فهذا العام مزدحم بالالتزامات”.
ولعل سؤال الاستاذ مصطفى العمري كان السؤال الاقرب الى مزاج ادونيس فقد سأله عن التاريخ والشعر والمعتقد، فجال ادونيس وصال وهو يجيب الاستاذ العمري. ولربما استغرق جواب ادونيس زهاء الربع ساعة وهي اطول اجابة تسجل لأدونيس في الندوة النقاشية التي أقامها.
سعدت بلقاء أدونيس الاسطوري، وقدمت له ورقة بيضاء وقلت “اكتب أي شيء” فاحترم رغبتي وكتب لي مقطعا ً من إحدى قصائده الجميلة!
ذلك هو ادونيس، بحر خضم تتضاءل معه الانهار والسواقي.
Leave a Reply