عندما يحدث أن أرى مبنى قبيح الشكل، أقول في نفسي: “هذا البناء القبيح لم يوجد من تلقاء نفسه. بل إن شخصاً ما قام بتصميمه، وشخصاً ما وافق عليه. وعُرض على مجلس أعطى موافقته على تمويله؟ ثم تمّ التعاقد مع شركة من أجل بنائه”. وبعبارة أخرى، فإن أشخاصاً كثيرين يتحملون المسؤولية، وليس المهندس فقط. والواقع أن هذه هي الكيفية التي أعتقد أن علينا أن نقارب بها أيضاً المعلومات المزعجة التي تكشفت ومازالت تتكشف حول مواد تعليمية منحازة ضد الإسلام والعرب وُجدت في كتب تدريبية ومراجع أخرى يستعملها مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي الـ”أف بي آي” لإعداد عملائه لأداء عملهم وكيفية التعاطي مع الجاليتين العربية والمسلمة في أميركا.
والتدفق المطرد للتسريبات حول هذه المواد يشير إلى أنها تحتوي على معلومات خاطئة وصادمة بشأن الإسلام، وتصوير لدين وثقافة للعرب والمسلمين لا يمكن أن يوصف إلا بأنه تصوير متعصب. وتكفي الإشارة هنا إلى بعض الأمثلة:
– “إن المصالحة والتوفيق بين (الإسلام والغرب) غير مسموح به والقتال (بالنسبة للمسلمين) إلزامي”.
– “قد لا يكون ثمة تهديد “راديكالي” بقدر ما يتعلق الأمر بتشديد على الإيديولوجيا المتطرفة… إن الثيمات الاستراتيجية التي تحرك هذه القيم ليست هامشية، بل تمثل التيار السائد”.
– توصف الزكاة بأنها “آلية لتمويل القتال”.
– “لا تحاول أبداً مصافحة آسيوي… ولا تحدق أبداً في آسيوي”.
– إذا كانت “الذهنية الغربية متوازنة” و”نوبات الثوران استثنائية”، فإن “نوبات الثوران وفقدان السيطرة (يمكن أن تكون) متوقعة” بين العرب الذين يمكن أن يكونوا “أصحاب مزاج متقلب”.
وهناك أمثلة أخرى كثيرة تحفل بها كتب التدريب. كما وجد الصحفيون مواد لا تقل إزعاجاً في مكتبة الـ”أف بي آي” وعلى الموقع الإلكتروني الداخلي لـ”المكتب”. وفي حوار مع مسؤول أمني كان قد أعد بعض هذه المواد المسيئة، نُقل عنه قوله: “هناك دلائل تدعم الرأي الذي يرى أن مصادر الإرهاب في الإسلام يمكن أن توجد داخل الثيمات الاستراتيجية للإسلام”.
وبعد عام ونيف على تلك التسريبات، أعلن الـ”أف بي آي” أنه قرر، عقب مراجعة داخلية، سحب مواد مسيئة من برامجه قائلاً إنها تضمنت “أخطاء… وذوقاً غير سليم… وافتقاراً إلى الدقة”. غير أنه أضاف أن المراجعة التي أجراها، وشملت 160 ألف صفحة من المواد التعليمية، لم تجد سوى 900 صفحة شائكة ومثيرة للجدل. وأخيراً، أعلن “المكتب” عن مجموعة جديدة من “المبادئ التوجيهية” التي ستحكم منذ الآن فصاعداً عمله في ذلك المجال. هذا بالإضافة إلى إعلان سابق عن “إعادة تعيين” شخص كان مسؤولاً عن واحد من أكثر البرامج التدريبية عداء للإسلام.
وهذه الخطوات الأولية لتصحيح المسار تعتبر مهمة دون شك، ولكنني لم أرَ حتى الآن شيئاً يقنعني بأن أعلى وكالة أمنية في أميركا تدرك عمق المشكلة، أو أنها مستعدة لاتخاذ التدابير المناسبة اللازمة لمعالجة هذا الوضع بشكل كامل. فالأمر هنا يتعلق بمشكلة أعمق من الشخص الذي صمم أحد البرامج، والمشكلة لا يمكن معالجتها فقط من خلال حذف 900 صفحة من المواد التي وُجد أنها “غير دقيقة” أو “تنمّ عن ذوق غير سليم”.
وبالعودة إلى فكرتي الأصلية، فلابد أنه كانت ثمة لجنة اعتمدت هذا البرنامج، ولابد أن القيادة وافقت عليه، وانطلاقاً مما نعرف، فإن المئات أو حتى الآلاف من ضباط الأمن تلقوا تدريباتهم باستعمال تلك المواد. ونظراً لكل هذه الاعتبارات، فإنه لابد من طرح أسئلة جدية بشأن فعالية “المراجعة الداخلية”: فمن قام بها وكيف يمكننا أن نصدق أنها لم تتم من قبل مجموعة القيادة نفسها التي كانت وافقت على المواد المسيئة أصلاً؟ وهل يكفي القول لأولئك العملاء، الذي تدربوا اعتماداً على ذلك البرنامج، إن عليهم اليوم تجاهل الـ900 صفحة بكل بساطة؟ ثم ماذا عن الـ159 ألف صفحة الأخرى؟ وهل يمكننا أن نثق في أنها ليست مسيئة أيضاً، أم ربما أنها “مسيئة قليلاً” فقط؟
لهذه الأسباب، وغيرها، قال “المعهد الأميركي العربي” إن هذه القضية برمتها لن تغلق حتى تتم تلبية أربعة شروط. أولاً، لابد من أن تكون ثمة شفافية تامة حتى يطلع الرأي العام على كل المواد التدريبية التي تتعلق بالجاليتين العربية والمسلمة. فهذه المواد لا ينبغي أن يتم التعامل معها على أنها “سرية” لأنها تتعلق بنا ونريد أن نعرف الأشياء التي يتم تعليمها حول تاريخنا وثقافتنا وديننا. ثانياً، لابد من أن تكون ثمة محاسبة، إذ من المهم أن نعرف كيف تم اعتماد هذا البرنامج ومن اعتمده حتى يكون ثمة تغيير حقيقي. والأكيد أن أكثر من شخص واحد مذنب هنا. ولذلك، فإن الأفراد الذين كانوا مسؤولين عن هذا الوضع ينبغي أن يعاقبوا، أو يعاد تعيينهم، أو يقالوا من مناصبهم.
ثالثاً، من المهم جداً أن تتم إعادة تدريب الأشخاص الذين تلقوا تدريباتهم باستعمال هذه المواد المسيئة. وحتى يتم بناء الثقة التي ضاعت، من المهم أن يتم وضع برامج توعية ثقافية جديدة. أما العملاء الذين تشكلت مواقفهم من خلال التعرض لبرامج التدريب الخاطئة والمضرة في الماضي، فينبغي أن يعرفوا كيف يتحدوا حملة المعلومات الخاطئة التي خضعوا لها. رابعاً وأخيراً، يجب أن يكون ثمة اعتراف بالأخطاء التي ارتُكبت في حق جالياتنا وبشأن قدرة بلدنا على التعامل باحترام مع العرب والمسلمين. فهذا أمر أساسي لمستقبلنا كأميركيين ولقدرتنا على تطوير العلاقات التي ستكون ضرورية لتغذية الثقة والتفاهم.
والواقع أنه لا يسعني إلا أن أتخيل لو أننا اكتشفنا برامج مماثلة حول الأميركيين الأفارقة أو اللاتينيين أو اليهود. ففي تلك الحالة، كانت الدنيا ستقوم ولن تقعد، ولكانت التنديدات قوية ومدوية، ولسُمعت المطالب بالاعتذار والمحاسبة والشفافية وإعادة التدريب. والأكيد أن مطالبتنا برد كامل ومناسب ينبغي ألا تكون أقل من ذلك.
Leave a Reply