خليل إسماعيل رمَّال
مناسبة السادس من أيار فـي «شبه الوطن» تشبه تاريخ الكيان الجهيض المتناقض المتخبط العشوائي الذي يحمل عدة تفاسير ولا يُعرَف له «حَرْف من طَرْف» كما يقول المثل . فقتلى ٦ أيار (مايو) اعتبرهم البعض «شهداء»، كما درَّسونا فـي المدارس، كانوا يناضلون ضد الاحتلال العثماني الظالم الذي كان يربض على صدورنا ويجثم على قلوبنا، وكاد الأتراك البرابرة الرعاع الذين اجتاحوا منطقتنا أنْ يكونوا السبب الأوحد فـي هبوط بلادنا العربية من مصاف أعظم حضارة عرفها التاريخ شعت بنورها وأضاءت ظلمات القرون الوسطى المظلمة الجاهلة الحاقدة فـي أوروبا العمياء والعالم، إلى أمة هبطت إلى الدرك الأسفل من التخلف والجهل والتفرقة والتشرذم. العثمانيون فـي ذلك الزمن كانوا مصدر «داعش» و«القاعدة» والإرهاب التكفـيري الاقصائي الإجرامي الذي نشهده حالياً فـي الزمن المعاصر، واليوم يقومون بالدور نفسه من خلال نظام رجب أردوغان باشا السفَّاح كحامٍ لهؤلاء الظلاميين القَتَلة الذبَّاحين وكبوابتهم لعبور سوريا الأبيَّة والعراق ولبنان واليمن وباقي البلدان لكي يعيثوا فـيها فساداً وحرباً وموتاً وفناءا.
هذه كانت وجهة نظر كتب التاريخ حيث ترعرعنا ونحن نحفظ أسماء قتلى ٦ أيار من الشيخ أحمد طبارة إلى بترو طراد الى العلايلي وغيرهم. ولكن عندما كبرنا علمنا بوجود وجهة نظر أخرى تقول إنَّ هؤلاء ليسوا شهداء بل خونة ومرتزقة وعملاء للخارج الفرنسي، حاولوا أنْ يتامروا على السلطة الشرعية فـي تلك الأيام المتمثلة بالحكم العثماني وبمساعدة خارجية من فرنسا، تماماً كما كان فعل قبلهم فخر الدين الثاني المعني «الكبير» الذي أعدمه العثمانيون بسبب تعامله مع إمارة توسكانة ضد الباب العالي (الذي لم يكن هناك أوطأ منه). فخر الدين هذا قدَّسه الموارنة حراس النظام البائس بسبب نزوعه للخارج واعتبروه أول مؤسس لإمارة لبنان الحديث على الرغم من أنه وابن عمه الطاغية الجزار بشير الشهابي، المؤلَّه الآخر من قبل أتباع سعيد عقل الفـينيقي (ربَّما لأنهما تنصَّرا بالسر وتحولا عن مذهب الدروز)، كانا من الديكتاتوريين المتسلطين الفاتكين القَتَلة.
ومن جملة الذين شتموا قتلى ٦ أيار، أذكر موقفاً للمنافق وليد جنبلاط الذي وصفهم بعملاء الفرنسيين وسخَّف من الاحتفاء بهم، طبعاً هذا أيام كان «ثورجياً» وقبل أنْ يصبح جيفري فـيلتمان وعتاة المحافظين الليكوديين الجدد فـي أميركا من خيرة أصدقائه. جنبلاط هذا، الذي يدلي بشهادته اليوم أمام المحكمة الإسرائيلية الحقيرة، هو صنيعة هذا الوطن الممسوخ لأنه يسمح بنفوذ هكذا مخلوق. وعلى هذه المحكمة الغبية المتآمرة أنْ تطمر نفسها قبل أنْ تطلب شهادة من أمثال وليد جنبلاط أو اللص الأكبر الذي سبقه وادعى أنَّ الرئيس المرحوم رفـيق الحريري بكى على كتفه!
تذكرت أموات ٦ أيار وأنا أتأمل بضريح مجلس النوَّاب اللبناني ونصب تذكار النوَّاب العاطلين الذين منذ الاستقلال المزعوم لم يسنُّوا مشروعاً واحداً يفـيد الناس-مشروعاً واحداً فقط. وللأسف أنَّ ما يشبه مقومات الدولة والنظام وجدت فقط أيام الدكتاتورية وحكم المكتب الثاني الشهابي، أي لا ديمقراطية ولا بطيخ. هذا هو تاريخ «شبه الوطن» وهو التعبير المجازي الذي نستعمله فـي مقالاتنا مما حدا بالبعض من كتاب البارحة أنْ ينتقدوه من جديد بلا سابق إنذار وبدون سبب ومن خلال فورة فجائية لا يعرف سرها إلا الله والراسخون فـي خلقه والسيكولوجيا، علماً أننا وضَّحنا عدة مرات بأننا لا ننتقص من جمالية وتراثية لبنان وشعبه الذي أنتج أعظم مقاومة فـي التاريخ، بل ينسحب هذا التوصيف على الدولة والنظام العنصري التوريثي البورجوازي المعادي للفقراء والطبقة الكادحة من عامة الشعب وعلى البلد السايب الذي هو كخيال الصحرا لا يؤمِّن لأبنائه العيش الكريم وتساوي الفرص والعدالة الاجتماعية وشبكة الأمان الاجتماعي والاقتصادي والتربوي والمهني والصحي وضمان الشيخوخة رغم قلة عدد السكان ووفرة الإمكانيات. فهل بعد هذا زيادة لمستزيد؟! قالت إحداهن: «كيف يجرؤ بعض الكتاب ويسميه شبه وطن أو مسخ وطن»؟، ولكن قبل عدة أسطر من ذلك أكدت أنَّ «لا أسف على هكذا بلد» و«بلد متجمد والنّاس طوابير مسافرون ويهاجرون بلا أمل إلى أي مكان»! ليس التاريخ فقط فـي شبه الوطن متناقض بل يبدو ان بعض الكتاب اختلطت عليهم الأمور أيضاً وأصبحوا يكتبون «ناقضاً ومنقوضاً».
ثم إن العودة للحديث عن معزوفة صور الرئيس حافظ الأسد وابنه الصامد التي كانت تملأ مطار بيروت، ما الهدف منها الآن والانذال من المرتزقة والبلدان يشنون عليها حرباً كونية؟! ولماذا لم نتطرق الى صورة الملك عبدالله بن سعود العملاقة فـي إحدى مهرجانات «ثورة جون بولتون الليكودية»؟ وماذا عن هتاف الرئيس الخشبي السابق ميشال سليمان: «تحيا المملكة العربية السعودية» فـي نهاية خطابه؟! فهذه أول ظاهرة تحصل فـي تاريخ العالم، أنْ يصيح رئيس «دولة» مثل «شير ليدر» لدولة أجنبية وفـي قصر رئاسته؟! كفى معايرة بصور حافظ الأسد فهو أشرف وأنبل رئيس عربي لم يدنس يديه بمصافحة الصهاينة ولم يقم معهم سلاماً زائفاً استسلامياً وشكَّل ظهراً وسنداً وعوناً للمقاومة، وهذا شرف لوحده يكفـيه. ثم إنَّ سوريا انسحبت من لبنان عام ٢٠٠٥ ولكن منذ ذلك الحين هل عرف أشباه المسؤولين أنْ يديروا أمورهم بأنفسهم ليومٍ واحد؟! وبعد ذلك تقولين لي ليس مسخ وطن؟! مسخ ونص وكل وطن وأنتم بخير.
Leave a Reply