مريم شهاب
المجتمعات التي لا تجدّد نفسها وتواكب عصرها، تذبل وتذوب. ولا يعيدها إلى مسار النهضة والنمو إلا قائد له رؤية ومستشارون يؤمنون بالتطور والتحديث اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً. ديترويت مثلاً، كانت في عصرها الذهبي، باريس الغرب، قبل أن يتهاوى اقتصادها ويستشري فيها الفساد والفقر والجريمة، حتى تحولت منازلها ودكاكينها إلى بؤر للخمور والمخدرات والدعارة، في ظل تراخي قبضة الشرطة وغياب القيادة المسؤولة فتعثرت المدينة وانحدرت لعقود وصولاً إلى تقدمها بطلب الإفلاس قبل سبع سنوات تقريباً.
هنا في مدينة ديربورن، نلاحظ انتشاراً كثيفاً ومريباً لدكاكين الأراكيل والقهاوي. وهي –برأيي وبرأي الكثيرين– ظاهرة خطيرة جداً على جيل الشباب، لاسيما وأن جاليتنا تفجع كل فترة بوفاة شاب أو شابة بشكل مفاجئ نتيجة تعاطي جرعة زائدة من الحبوب المخدرة من مشتقات الأفيون والتي تنتشر بين الصغار لضبط المزاج، تماماً مثل الأراكيل ولوازمها التي تباع في المتاجر ومحطات الوقود، وقد علمت شخصياً من مصادر مؤكدة، أن بعض أصحاب تلك المحال من ذوي الضمائر الميّتة يروّجون لتعاطي الحبوب المخدّرة مع الأراكيل في ظل انعدام أي وازع أخلاقي أو ديني يمنعه من ذلك.
لنا الحق نحن من نعيش في ديربورن، وندفع الضرائب للبلدية والحكومة أن نسأل، من هو المسؤول عن انتشار دكاكين الأراكيل في ديربورن ومحيطها، حيث يتركز العرب الأميركيون؟
فمن المعروف أن البدء بأي عمل تجاري في أي مدينة، يتطلب تقديم طلب للحصول على ترخيص أو تصريح من البلدية. ومن المعروف أيضاً، أن البلدية أو المقاطعة لديها قسم خاص من المتخصصين والخبراء لدراسة الطلب ومعاينة الجوار قبل منح الرخص خاصة إذا كانت هناك مدارس قريبة، حيث من المفروض أن لا تُعطى التصاريح بشكل عشوائي وبدون أي تنظيم.
من المسؤول عن هذه العشوائيات، هل هي البلدية التي تتصرف في لامبالاة وخفة، وقد سمعتها مراراً من مسؤولين في ديربورن: «هؤلاء العرب»؟ أم الناشطون العرب الأميركيون أنفسهم الذين لا يكترثون لما يدور حولهم على أرض الواقع، وتراهم لا ينشطون سوى في تقديم العزاء وحضور الحفلات والبذخ في إقامة الولائم والحملات الانتخابية؟
مثل الكثيرين في هذه المدينة، التي نحبّها ونعيش فيها، أخشى أن نذبل ونذوب في الفوضى والعشوائية إذا ما تُرك الحبل على الغارب. أنا لست ضد أصحاب محلات الأراكيل والمقاهي والترفيه. ولكن أول نصيحة في الاستثمار هي، التنوّع. نوّع ووزع ما عندك ولا تحصر تجارتك في نوعٍ واحد، فمن دون الحكمة أن تضع كل بيضك في سلة واحدة. غير أن خنق ديربورن بمحلات المعسل والأراكيل ليس بريئاً من معاناة الأهل والمدارس في تنشئة الجيل الجديد، خصوصاً في غياب القدوة لهؤلاء الشباب. فهؤلاء اليافعون يشتكون من أن نشطاء السياسة والمجتمع المخضرمين، والأغنياء أصحاب المال والعقار، لا يعرفونهم إلّا وقت الترويج لحملاتهم الانتخابية وترضيتهم ببعض المال والساندويشات.
لطالما قدّرت طاقة الأهل على تحمّل المعاناة مع أولادهم، خصوصاً في زمن يسهل فيه جداً الجنوح نحو الفوضى والفساد وترك الأمور على عواهنها دون قيادة أو تدبير يعينان الأهل على وضع أولادهم على سكة النجاح لتحقيق الحلم الأميركي الحقيقي، بالجدية والمثابرة والصبر.
إن انتشار الأراكيل وتدخينها يؤدي للموت، مصادفةً، مثل كلاب الطريق، كما قال نزار قبّاني: نموت ونجهل من يصنعون القرار ولا نتذكر أوجه من قتلونا ولا أسماء من يشيعونا، نموت من القهر حرباً وسلماً. هكذا نحن.
Leave a Reply