قبل أن أدخل بموضوع المقالة، سأروي لكم هذه النكتة السياسية المعروفة في الشارع السوري وخصوصاً عند مثقفي الظل المهمشين. يروى أن كلباً أوربياً ركب يخته الفخم واتجه إلى الشرق قاطعاً البحر المتوسط، وبينما هو يعبر المتوسط متوسداً على ظهره يستمتع بدفء الشمس، رأى كلباً شرقياً نحيلاً يسبح باتجاه الشمال الأوروبي. نظر إليه الكلب الأوربي وسأله إلى أين؟ ردَّ الكلب الشرقي: إلى بلادك.. وأنت؟ قال له إلى بلادك الشرقية.. أريد أن استمتع بطعم العظام فلقد مللت اللحم. ثم أردف قائلاً: هل هناك من كلب عاقل يترك العظام ولذة طعمها ويذهب ليأكل اللحم؟! قال الكلب الشرقي له: يا سيدي أنا لا أريد.. لا لحما ولا عظما.. أنا أريد أن أنبح فقط.
أعزائي القراء.. أحيانا أصاب بنوبات جنون وأظن أن الكثيرين منكم يملكون هذه العادة، ولكن نوبات جنوني أيها السادة لا أصبها إلا على رؤساء التحرير الذين أعمل معهم أو أكتب لوحداتهم الإعلامية. غالبا ما تكون المرة الأولى في تعاملي معهم هي الأخيرة، لان سيادتهم الموقرة يقطعون رجلي من الدخول إلى مبنى جرائدهم، في محاولة لتأديب.. العين التي تجرؤ على الحاجب، ولقطع باب رزقنا لنصبح مجرد حثالة لا قوة لهم ولا حول، ولنعود منبطحين زاحفين مترجين على أبوابهم التي تركوها مفتوحة عملا بسياسة.. الباب المفتوح وما تحمله من معانيَ شتى، والباب المغلق لأنه مركزي مخطط هو العارف العالم بكل بواطن الأمور. والإعلاميون لدى رؤوساء التحرير مجرد أدوات لتنفيذ سياساتهم الحكيمة المبدعة، الروحانية القادمة من عالم أخر لا ينتمي لعالمنا البشري.
وسأروي لكم ما جرى لي مع أحد رؤساء التحرير. والمشكلة أنه تم نشر مقالة لا تنتمي إلى قلمي وموقعة باسمي فجن جنوني ودخلت إلى مكتبه وقلت له بأنني لا أحبه، ووصفته بأنه لاإنساني ولاأخلاقي، ولا يملك من المعرفة شيئاً، وأنه مجرد حجم يملأ حيزاً من الفراغ، وصورة على صفحة، ومجرد اسم محقون بالحبر ومتكئ على عصا المال، وأنه خلق فقط ليهضم وأنه مجرد أنبوب للطرح.
وحتى يرد لي الصاع صاعين، أخبرني أنه يكرهني وأنني منحط ومجرد حثالة، وأنه بسعر حذائه يستطيع أن يشتري عشرة صحفيين. ولم استطع أن افتح عينيّ وهو يتكلم بسبب الرذاذ الذي يزخ علي كالمطر من فمه، وهو يتحدث بعد أن “احمرت عيناه مني”.
يا سادة.. هل تصدقون أنني كنت استمتع بسرده للكلمات التي كان يتوقع انه يهينني بها؟! لا تستغربوا وسأفسر لكم لماذا. كنت ابتسم وأحيانا أضحك من متعة اللفظة التي يقولها. يظن البعض أن عبارتيْ: “لا أحب” و”أكره” متشابهين أو لهما نفس المعنى. ولكن حقيقة هذا خطأ جوهري، لأن الفرق بينهما كبير وعميق، فعندما أقول أنني “لا أحب رؤساء التحرير” فهذا يعني أنني أملك في داخلي الحب لكن رؤساء التحرير غير جديرين بالحب، لذلك ترى هذا الشعور مشترك عند أغلب الصحفيين، أما إذا قال رئيس التحرير بأنه “يكرهني” فهذا لأنه هو بطبعه كاره وغير قادر أن يحب، أي أنه لئيم وحقود.
عزيزي القارئ.. إذا جاءتك نوبة من نوبات الجنون عليك أن تفكر بكلماتك قبل أن تقولها، وخصوصا إذا أردت أن تعبر عن اعتراضك على شيء، فتقول عبارة تريد بها ذم الآخر، فتنقلب عليك دون أن تدري. طبعاً من الصعب أن تقرأوا هذه المقالة، وان قرأتموها فليس لأن أفعالهم تكذب آرائي. أبداً فهذا بعيد كل البعد عن مخيلتهم الضيقة الأفق، فكل ما في الأمر أنهم يعانون من عقدة نقص في حرية التعبير فيحاولون أن يثبتوا لأنفسهم بأنهم أناس متحررون يقبلون ويسمعون الرأي الأخر.
أعزائي القراء.. وأنتم تتصفحون أية جريدة أو مجلة تلاحظون بالتأكيد عبارة: (إن الآراء المنشورة تعبر عن وجهة نظر أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن آراء الجريدة ). طبعا هذا الكلام منافٍ للواقع لأنهم لا ينشرون أية مقالة تخالف أو تعارض آراءهم، فهل قرأ أحدكم مقالة في جريدة ما، تسير باتجاه آخر غير الطريق التي تسير فيه الجريدة؟!.
Leave a Reply