صدى الوطن – عفاف همايون
في ثمانينات القرن الماضي، كان أريك سابري بين جلساء أسطورة الملاكمة محمد علي كلاي، في غرفة بفندق، حيث كان الملاكم العالمي يستعرض بعضاً من نزالاته الشهيرة مع مجموعة من الأصدقاء، وكان سابري –الذي يستذكر تلك الأوقات خلال حديث مع «صدى الوطن»– يتابع ما يجري بفرح، وهو يتناول الآيس كريم.
ويضيف معلقاً على تلك الذكريات بالقول: «كانت لدينا كرة.. لقد كانت أوقاتاً عظيمة». ثم يتابع «بعدها شعر علي بالتعب، ثم غادرنا الغرفة».
في جعبة سابري، وهو أول إفريقي أميركي مسلم يتسلم منصب خزانة مقاطعة وين، الكثير من اللحظات التي لا تنسى، وهو مايزال يعتبر أنه تلقى بعضاً من الحكمة القديمة خلال لقائه بالملاكم الأسطورة، الذي سأله عن رأيه في الدين (الإسلام)، فأجابه كلاي قائلاً: «عليك أن تؤمن بما يجب أن تؤمن به كما لو أنك تعيش بمفردك على جزيرة، ذلك ما يجب أن تؤمن به، لأنك إذا آمنت بشيء بسبب الآخرين، فسوف يخيب أملك في كل مرة».
في الصف الـ11، قرأ سابري كتاب «السيرة الذاتية لمالكوم إكس»، وقبل ذلك لم يكن المراهق الأسود يعرف سوى القليل عن الإسلام، على الرغم من أنه نشأ في مدينة نيويورك. ويعلق في هذا السياق «كان والدي عضواً في منظمة «بوي سكوت» وقد عرفت تشارلي ثرغود مارشال وآدم كلايتون باول وتشارلي رانغيل والمحامي بيرس ساتون الذين كانوا أعضاء في تلك المنظمة». وبسبب والده الذي كان معلقاً رياضياً في التلفزيون، فقد كان سابري على معرفة بكثير من الشخصيات المشهورة الأخرى، إلا أنه لم يكن يعرف شيئاً عن مالكوم إكس قبل قراءة سيرته الذاتية.
ويفيد سابري (63 عاماً) بأنه بدأ يقرأ عن الإسلام خلال دراسته الجامعية، حيث أدرك حينها أن «رسالة القرآن هي رسالة عملية» مؤكداً «لقد شعرت بالسلام».
نشأ سابري كاثوليكياً وقصد ثانوية «كاثوليك سنترال» بديترويت مشيراً إلى أن تنشئته ككاثوليكي كانت إيجابية حيث كان يعتقد دائماً أن الكاثوليكية هي «طريقة جيدة للحياة» ومع ذلك فقد شعر بتواصل أكبر مع الله عندما اعتنق الإسلام.
جاء اعتناقه للإسلام سلساً، إذ عندما أخبر مديره السابق وكذلك مدربه في المصارعة بأمر تحوله إلى الدين الجديد، لم يكن لأي منهما تعليق سلبي حول تلك الخطوة، وفقاً لسابري الذي أضاف «إن مساعدة الناس وعمل الخير.. هما سلوكان مقبولان عالمياً بغض النظر عمن تكون»، مشدداً «أنا ما أزال الشخص نفسه الذي كنت عليه قبل اعتناقي للإسلام.. شخصيتي لم تتغير».
في 1983 قام سابري وزوجته بدرية بأداء فريضة الحج التي يصفها قائلاً «حتى هذا اليوم ما يزال الحج هو أفضل تجربة في حياتي.. إنها التجربة رقم 1 وكل شيء غيرها يأتي في المرتبة الثانية».
وبعد عدة سنوات زار سابري الأراضي المقدسة من أجل أداء مناسك العمرة، ليستعيد الذكريات الجميلة والمؤثرة حول تلك التجربة، وقد ألّف كتاباً يتحدث فيه عن معاني الفريضة الخامسة في الإسلام، ويأمل في الوقت الحالي أن يقوم بالحج ثانية مع زوجته وأولاده وحفيدته، لكي يضمن تأملاته الجديدة في الكتاب الذي لم ينشر بعد.
سابري –الحاصل على البكالوريوس في بناء الإنشاءات من «جامعة ميشيغن ستايت» والدكتوراه في القانون من «كلية ديترويت للحقوق»– هو أول إفريقي أميركي، وأول مسلم، يشغل منصب أمين خزانة مقاطعة وين منذ نيسان (أبريل) 2016، وقبل ذلك كان يشغل منصب نائب أمين الخزانة منذ 2011 ومساعد مدير الدائرة القانونية في المقاطعة في الفترة 2005–2011.
وكان ريموند وايتوفيتش قد تقاعد من منصب أمين الخزانة في 2015 بعد 40 عاماً تقريباً من شغل ذلك المنصب، وفي نيسان (أبريل) 2016 استقال خلفه ريتشارد هاثاواي من منصبه، وفي أعقاب ذلك تم تعيين سابري أميناً للخزانة من قبل لجنة تألفت من كليرك المقاطعة كاثي غاريت ومدعي عام المقاطعة (السابقة) كيم وورذي والقاضي فريدي بورتون. وفي انتخابات 2016 فاز بأغلبية كاسحة حاصداً 58 بالمئة من الأصوات الناخبة في مقاطعة وين، وبواقع 66801 صوت.
وحول ذلك الفوز، يشير سابري إلى أنه تلقى الدعم من قبل الجميع، خاصة المسلمين، مضيفاً «إنني أشعر بالامتنان للدعم الساحق الذي حظيت به من قبل المجتمع الإسلامي في انتخابات العام الماضي». وتجدر الإشارة إلى أن سابري الذي نال دعم «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك) قد حصد أكثر من 10 آلاف من الأصوات الناخبة في مدينة ديربورن، وبنسبة 57 بالمئة.
وبصفته أميناً للخزانة يتولى سابري ومكتبه مسؤولية اعتماد أموال المقاطعة والاستثمار فيها، مؤكداً أن «الأموال يتم اعتمادها من قبل مكتبه، والتي يستثمر الكثير منها من أجل مساعدة مواطني ديترويت». وعند تولي مسؤولياته في خزانة المقاطعة كان أول شيء فعله سابري هو بذل أقصى الجهود لمنع الرهون العقارية، ويقول «لقد بدأنا بالأكشاك»، في إشارة إلى برامج التقسيط التي أطلقت لتلافي فقدان السكان الفقراء لمنازلهم، لاسيما في مدينة ديترويت.
ويضيف «بات بإمكان الناس أن يدفعوا (مستحقاتهم الضريبية) في صيدليات «رايت إيد» وغيرها من الأماكن الأخرى حول المقاطعة مما يجعلها مريحة ومناسبة، لقد بدأنا في آب (أغسطس) الماضي بـ270 معاملة في الشهر، ومنذ الأول من كانون الأول (يناير) وحتى شهر حزيران (يونيو) كان لدينا أكثر من 48 ألف دولار فقط من الأكشاك.. لقد جمعنا أكثر من 16 مليون دولار بفعل إيجاد وسائل دفع أكثر سهولة تمكن السكان من إبقاء ديونهم متدنية».
وأكد أن «شهر حزيران (يونيو) كان شهراً مثيراً للمقاطعة حيث انخفضت الرهون العقارية بنسبة 72 بالمئة».
وأشار إلى أنه تم بذل الكثير من الجهود في هذا المضمار، مثل الإعلان في الإذاعة والتلفزيون والصحف ومن خلال الرسائل الإلكترونية وكذلك من خلال الحملات الميدانية من أجل توعية الناس، وقال «إن عملية التوعية ساعدت بشكل كبير، حيث كان أكثر من 2000 مالك منزل على وشك فقدان ممتلكاتهم في حزيران لكونهم مدانين بأقل من ألف دولار كمستحقات ضريبية متأخرة، ولكن من خلال جهود التوعية فقد انخفض العدد في ٢٣ حزيران إلى 141 ثم إلى 106 بحلول ٢٧ حزيران».
بعد ذلك توجه سابري إلى الشركات والمنظمات لجمع الأموال للسكان الـ106 المتبقين مشيراً إلى أن شركة «كابتن جايز فش أند تشيكن» ومنظمة «لايف للإغاثة والتنمية» كانتا من بين المتبرعين.
وقال «لا يمكنك إطلاق الأحكام.. الناس يتخلفون (عن الدفع) بعضهم يتوجب عليهم دفع فواتير طبية باهظة، والبعض الآخر يتوجب عليه أن يختار بين دفع ثمن دوائه أو الدفع من أجل منزله».
وأكد أن خدمات المساعدة هي متاحة لجميع سكان المقاطعة، وشدد «نريد مساعدة جميع الناس الذين يحتاجون للمساعدة».
سابري لا يتباهي بمعتقده، ولا يعمل من أجل الظهور كشخص مهم بسبب ذلك الاعتقاد، ولكنه يريد للشباب المسلمين أن يؤمنوا بأن لهم فرصاً في هذا العالم، ويقول «أريد أن يعرف كل واحد منهم أن بإمكانه أن يصبح أمين خزانة أو شريفاً أو رئيس بلدية.. هنالك فرص للجميع بغض النظر عما يؤمنون به».
ويشير إلى أنه مايزال متمسكاً بشعار «ثانوية كاثوليك سنترال»: الخير والانضباط والمعرفة، فالمعرفة –بحسب سابري– مهما كان مصدرها يمكن أن تساعد في تحسين حياة الناس.
ومن هذا المنطلق، فهو يولي أهمية خاصة لتجاربه وإيمانه وأخلاقياته في العمل، وهو يسعى للتميز ولأن يكون عنصراً مساعداً لمقاطعة وين.
Leave a Reply