حتبقــــى الأشياء زلابــيـة ولاحوجة لسوريا وليبيا
وحنــعمـل وحــدة أرابــيــا مع لــنــدن والفـــاتيكــان
والفــقــراء حيكلوا بطـاطا وحــيمشوا بــكل ألاطــــــه
وبدال ما يسموا «شلاطة» حيسمــوا عــيالهم «جان»
أحمد فؤاد نجم
زمن البرغـوث: صاحبة الجلالـة وأزمة الضميـر
لن يختلف معنا أحد إذا قلنا إن ما تعيشه الصحافة والإعلام العربيين الآن هو مرحلة من أسوأ مراحلها وحالة من التدهور والإنحطاط غير مسبوقين. فإعلامنا وصحافتنا باتت صفراء مريضة متهالكة ومتساقطة تساقط أوراق الخريف. قد ينتفض أحدهم ليقول إن صحافتنا وإعلامنا بخير في زمن الإنترنت والوسائط الإفتراضية وسرعة تدفق المعلومة وتوفرها بسهولة لكل من أراد، مع تنوّع واسع كتعبير عن ظاهرة صحية في اختلاف الأذواق والآراء.
إن كل ما تقدم لم يجانب الصواب ولكنه لم يكن يتحدث إلاّ عن تطور الجوانب الفنية وتقنيات التواصل وسرعة وصول المعلومة، أما حديثنا عن مرض الإعلام والصحافة فنعني به ضمير وروح الإعلام ودوره في التقريب بين الشعوب والثقافات، والكشف عن الظلم المتلحف بالنور أو بالظلام، والتنديد بكل التجاوزات مهما كان مأتاها، والمساهمة في نشر ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان والدعوة الى السلام ونبذ الحروب. فهذه هي رسالة الإعلام في جوهرها.
فهل قام الإعلام العربي بشيء من هذا؟ طبعا لا، إلاّ بعض من رحم ربك من الإعلاميين الذين يقاومون تيار الفساد، وهم غيض من فيض الإعلاميين الذين يديرون ويعملون في إمبراطوريات إعلامية بمليارات الدولارات من قنوات تلفزية وإذاعات وصحف ومواقع إنترنت. والذين ينشرون وفق أجندات مسطرة لهم ثقافة الحقد والكراهية والتطرف الديني والطائفي والتمييز العنصري والجهوي. صحافة تُشترى وتُباع، تكذب، تُزيّف وتُزوّر «عيني عينك»، هذه هي سياسة أغلب إعلامنا العربي.
للأسف الشديد نحن في «زمن البرغوث» على رأي أحد المسلسلات السورية، لأنّ الكثير من إعلاميينا وصحافيينا يميلون «وِينْ ما تميلْ المصاري». فأغلب إعلامنا تعوّد على المراودة ليعتاش و«رجال الشنطات المنفوخة» تعودوا المراودة وشراء كل من يبيع، وللأسف الشديد، أيضاً، البيّاعون في زماننا كُثْرُُ وشعارهم «بدنا نعيش»، متناسين المثل القائل «تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها»، فالذهب يظل ذهباً والقصدير قصدير، ولو لفوه بالحرير.
الديماغوجيا وتغييب الوعـي: الإعلام العربي مرّ مِنْ هنا
كثيراً ما يتحفنا إعلامنا بأخبار وتحليلات من المضحكات المبكيات.. بالفعل، إعلامنا في كثير من الأحيان «يموّت من الضحك»، تصوروا هذا «الزن المتواصل على الودان»، ليلاً نهاراً، عن الأبطال الشجعان «القبضايات» الذين لا يناموا ولا يجيهم نوم من شدة التفكير في ما يحصل في بلدان اخرى، شيوخ من دول تعيش قحط وجفاف سياسي يتحدثون عن سعيهم المتواصل للمساعدة على نشر «الديمقراطية»، اكثرهم لا يستطيعون حتى نطق الكلمة فتراهم «يُلكْلكُونها» في أفواههم ثم ينطقونها بالتقسيط. هم يؤكدون دوماً أنهم يعيشون تأنيب الضمير لأن شعوبهم تسرح وتمرح في بلدان تعيش تخمة ديمقراطية، ولأن ديمقراطيتهم كانت «زيادة عن اللزوم» وفاضت فارادوا أن يوزعوها حتى «تتبحبح» بقية الشعوب، و«ان شاء الله حدّ ماحوّشْ».
لا يسعنا هنا إلا أن نرفع لهم القبعة: الحقيقة ما قصرتوا يا طوال العمر وأولاد الأصول فـ«الأقربون أولى بالمعروف»، ورياح ديمقراطيكم فاحت رائحتها فأنتنت المنطقة برمتها، والفضل كل الفضل هنا لأصحاب ضمائر الحية والثعبان من الإعلاميين الذين يريدون أن يقنعونا، وبكل الوسائل، بصدق السعي المتواصل لمؤجّريهم في الفضائيات والجرائد من العرب البائدة لنشر الديمقراطية، وهي محاولات للتشويش على وعينا وتغييبه ثم مصادرته. نقول لهم: لم نصدقكم، إلا إذا كنتم تظنوننا مساطيل، عندها فقط يمكن أن نرى الأتوقراطي ديمقراطياً، والحاكم المطلق بأمره بطلاً ثورياً كتشي غيفار أو حمامة سلام وديعة، وتصبح الدول، التي لم تعرف دساتيرا ولا ممثلين للشعوب ولا حريات فردية ولا أحزاباً ولا إعلاماً حرّاً، جمهورية أفلاطون أو مدينة الفارابي الفاضلة. وقتها كذلك يمكننا أن نرى المدن المهدمة والبنى التحتية المدمرة وآلاف القتلى والجرحى والمعوقين وكل مشاهد المآسي، مشهداً «ربيعياً» خلاباً لثوار يبنون الديمقراطية كما يصوره لنا المحللون في الجرائد والتلفزات. لكن يسعدنا أيضاً أن نقول إننا لسنا مساطيلاً فنحن لا نزال نرى، وبوضوح، إن دول المشائخ هي دول قروسطية مستبدة وغير ديمقراطية حتى ولو صعد قادتها المنابر ليلوثوا سمعنا بالحديث عن الدول والشعوب الحرة والمستقبل الديمقراطي وحتى لو وصل الإعلام المأجور ليله بنهاره ليُجمّل صورة دول الاستبداد فلن ينجح أبداً، ولن ترضى الشعوب الواعية إلا أن ترى قادة المشيخات وهم يتنازلون ويرحلون لتقوم مكانهم نظم جديدة ببرلمانات ونواب ومؤسسات للمجتمع المدني. حينها نقول «كفيتوا ووفيتوا»، وتترك الشعوب لتقول رأيها في محاكمتهم على ما اقترفوا في عقود الاستبداد من قمع وهدر للمال العام. فهل تقبل الدكتاتورية المسلحة بالديماغوجيا أن تسمع صوت الشعوب أم «يموت الزمّار وإيدو تلعب»؟
تـزويـر الـواقـع: سياسة التدليس
إحدى المعضلات الكبرى التي يواجهها العرب اثناء تتبعهم لما يجري من أحداث بالمنطقة هي الصورة المغلوطة التي يقع بثها ونفثها ونشرها وترويجها من قبل الجزء الأكبر من الإعلام العربي والتي لم يستطع المواطن العادي أن يكتشفها بسهولة الا بعد ان استطاع بعض الإعلام الغربي كشف المستور وتعرية الواقع الذي اريد تزويره بكل الوسائل. كان من المفروض ان يقوم الإعلام العربي بدوره في تقديم الواقع كما هو دون تزييف ولا تعمية لكن للأسف مارست المؤسسات الاعلامية دوراً أقل ما يقال فيه إنه سلبي ولا مهني، وبغض الطرف عن الأسباب والدوافع التي سهلت اصطياد كثيرا من رجال الإعلام فانخرطوا في موجة التضليل الاعلامي تلك، وسواء كان الدافع هو الحاجة المادية أو هو حالة مرضية مذهبية أو غيرها من الدوافع، يظل ما أتاه قَطيعٌ من الرجال والنساء من القطاع الإعلامي مرفوضا بكل المقاييس ويعتبر سقطة كبرى للضمير المهني.
وسنحاول أن نقوم هنا بتقديم بعض الأمثلة عن السقطات والفبركات التي حاول كثير من القطيع الإعلامي أن يقنعنا بها رغم إنها مكشوفة للجميع، ورغم أنه يمكننا أن نستشهد بالكثير من الشواهد على تضليل ماكينة القطيع الإعلامي العربي وتزويرها لما حدث في طول البلاد العربية وعرضها إلا أننا سنكتفي بمثالين فقط من الأزمة السورية التي مازالت مستمرة والتي يستمر تأجيجها كلما خمدت.
مثال أول: تحدث مصدر اعلامي مع بعض المسلحين ونقل واقعهم الصعب نتيجة قلة الأسلحة، والتي إن وجدت، فهي من الأسلحة الخفيفة التي «لا تقتل البشر». نفس المصدر عاد ليتحدث عن عمليات نوعية للمسلحين واسقاطهم لطائرات للنظام. طبعا المصدر نسي أن يقول لنا ما هو نوع البنادق الخفيفة أو بنادق الصيد التي تسقط طائرات حربية ضخمة ومن علو شاهق، ولم يبق لهم إلا أن يقولوا لنا إنهم يحاربون الدولة بالحجارة أو أن الملائكة كانت في صفهم.
يا عمّي طنّش ومرّقها بلا أسئلة.. حاضر.. طنّشنا.
مثال ثاني: منذ أيام كنا لا نسمع في فضائيات القطيع الإعلامي إلا الحديث عن أسر الثوار المسلحين لمجموعة من الضباط الذين بعثهم النظام اليمني لمساعدة النظام السوري، وجميعنا يعلم أن كثير من الطلبة العرب يدرسون في الجامعات المدنية والعسكرية السورية (ببلاش طبعاً)، وأن وجود طلبة عسكريين ليس أمراً مستغرباً لكن المستغرب أن يقع تلقين المخطوفين تحت التهديد أن يطالبوا دولتهم اليمنية بأن توقف إرسال العسكريين لمساعدة النظام السوري. نعم، الدولة اليمنية التي لازالت تعاني أثار الانتفاضة الشعبية التي لم تخمد نارها بعد وجدت نفسها تجيش العساكر وتبعثهم لسوريا!. ويبقى السؤال: من فعل ذلك هل هو الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذي كان يلعب بالبيضة والحجر وقدم لدول جواره ولقوى خارجية أخرى أجلَّ الخدمات والذي رحل بصفقة مع دول جواره الخليجي برعاية غربية؟ أم أنّه نائبه السابق والرئيس الحالي المُنصّب عبد ربه منصور هادي «الحاكم بأمرهم» والذي لا يملك من سلطان الرئاسة إلاّ الاسم والذي تعلم القوات المتنفذة الغربية والخليجية الماسكة بـ«زمارة رقبته» وتعد عليه أنفاسه وتعرف حتى لون ملابسه الداخلية؟ فكيف يمكن لهذا المسكين الذي يتقاضي راتبه من دول البترول أن يلوي العصا في أيديهم ويكسر أجندتهم الساعية الى اسقاط الدولة السورية مهما كان الثمن؟ جواب القطيع الإعلامي طبعاً: صمت رهيب.
إعلام الإقْـناع وإعلام القِـناع
مع كل مرة تتكشف فيها الحقائق ساطعة كالشمس، كان الآملون بإعادة توجيه بوصلة المزورين لتتجه نحو مصلحة شعوبهم ويعودوا الى جادة الصواب. لكن يبدو أن بعضهم غرق في حبال الطائفية والبعض الآخر في وحل الإغراءات المادية ولم يعودوا قادرين على العودة الى جادة الصواب، لذلك كلما قال لهم الصادقون هذا ثور قالوا لهم، زيادة في العناد، احلبوه.
في الختام نقول إنه لا يمكن لمزوري الحقائق من قطيع الإعلاميين أن يواصلوا خلط الأوراق وتزوير الحقائق في أي من الأحداث التي تموج في طول المنطقة العربية وعرضها، لأن الإعلام المُقْنِع صادق ولا يمكن حجبه مهما كانت العوائق فالفضاء المفتوح عبر كثير من الوسائط الإعلامية والذي استُغل سابقاً لنشر الزيف عبر «إعلاميين» متملقين عُملتهم الرياء، أصبح ملعباً مفتوحاً يسمح لكثير من أصحاب الأقلام الصادقة من إعلاميي العرب والغرب في شن هجوم مضاد ليسقطوا مزيد من الأقنعة عن «إعلام البرغوث». وهم بإصرارهم على اظهار الحقيقة إنما يدافعون عن شرف المهنة، من أجل إعلام حر وصادق ومهني.
لقد انبلج صبح جيل جديد من الإعلاميين الذين يرفضون سياسة العتمة الإعلامية التي تحاول ان تنتشر في كل مكان لتخنق في ظلامها الدامس كل فجر جديد، لكن هيهات لقد خسر ساسة وإعلاميو التزييف والفبركة عنصر المباغتة ولم تعد لهم القدرة على ان يصطادوا إلاّ سراباً وقبضاً من الريح.. حتماً سيبقى الإعلام الحر وسيذهبون.
Leave a Reply