تعصف بـ”المركز الإسلامي في أميركا” أزمة بين إمامه السيد حسن القزويني وأعضاء في مجلس الأمناء. ولم يعد هذا الأمر بـ”سر”.
دارت فصول تلك الأزمة بصمت تارة وبظهور الى العلن طورا، لكن ظهورها لم يكن، حين كان يقع، ليتعدى المحيطين بأمور المؤسسة الإسلامية الأم في هذه المنطقة الأميركية. في الأسابيع القليلة الماضية ظهرت تلك الأزمة الى العلن بمعظم تجلياتها، وكانت شرارة خروجها، بيان بتوقيع جهة لم تفصح عن هويتها قام أصحابه بالصاقه على زجاج السيارات المركونة في موقف المركز، إبان الاحتفال بذكرى رحيل المرجع الإسلامي الكبير آية الله السيد محمد حسين فضل الله. تضمن البيان هجوما عنيفا على إمام المركز وحوى اتهامات له باختلاس أموال الى جانب تهمة موصوفة بإبطاله لتقيلد مقلدي السيد فضل الله.
رد القزويني على التهم، فندها وتحدى أصحابها أن يأتوا بقرينة على ما يزعمون. تفاعلت القضية ووجدت “صدى الوطن” نفسها عند تقاطع “نيران الأزمة” فانهالت عليها الردود والتعليقات من خصوم القزويني لكنها لم تحمل تواقيع صريحة أو معلومات عن مرسليها، فأهملناها لهذا السبب أساسا، ولأسباب أخرى تتصل بالتهجم والتجريح الشخصيين، وقمنا بنشر أحدها لأنه استوفى الشروط المطلوبة.
في هذا العدد ننشر أيضا بيانا صادرا عن “مجلس أمناء المركز الإسلامي” (النص ص ٦).
لكن الأزمة تبقى أزمة والمؤسسة التي بناها ورعاها رائد العمل الإسلامي في أميركا المغفور له الشيخ محمد جواد شري تقف عند مفترق طرق خطير وأي تجاهل لخطورتها قد تترتب عليه نتائج كارثية للمؤسسة ولجمهور المؤمنين والجالية العربية المسلمة التي تجد فيها موئلا وملاذا إيمانيا رحبا تمارس تحت شقفها وبين جدرانه التي كلفتها ملايين من الدولارات، طقوس عبادتها وتفخر بهذا الانجاز الذي حققته بعد عقود من التأسيس.
بالطبع، ليست أزمة المركز الإسلامي وحيدة في بابها، فالمؤسسات الإسلامية الأخرى في هذه المنطقة تعيش أزمات متلاحقة، بل إن معظم أدبيات أئمتها في مخاطبة جمهور المؤمنين تنبني على واقع الأزمة، التي هي أزمة مالية بالتحديد. لكن ما يحسب لصالح مؤسسة المركز الإسلامي في أميركا أنها تمتلك آلية مساءلة وتحتضن تعدد الآراء ووجهات النظر تحت سقفها، فيما نظيراتها الأخريات يحكمها الرأي الواحد المسيطر، الذي يمتنع عن المساءلة، بل إن المساءلة فيها تخرج أصحابها من “جنة” المؤسسة وترهب أقرانهم معززة لديهم “فضيلة” الصمت.
أزمة المركز الإسلامي، اذن، تختصر كل أزمات المراكز الإسلامية الأخرى، التي لابد أن الحديث عما يدور في كواليسها آت.
ونحن في “صدى الوطن” عندما قررنا تناول الأزمة الراهنة في المركز الإسلامي كنا مدفوعين بسببين:
أولهما الحرص على منعة واستمرار وبقاء هذه المؤسسة الرائدة للعرب والمسلمين في أميركا.
وثانيهما دق جرس الإنذار للقيمين عليها (وعلى مؤسسات أخرى) أن ادارة أموال المسلمين من تبرعات ومساهمات وحقوق شرعية (خمس وزكاة) يجب أن تكون أكثر شفافية لتبيان مواقع الإنفاق وأحقيته.
نحن لسنا من دعاة تشظيف عيش “رجال الدين” لكن تحولهم الى طبقة اجتماعية-اقتصادية مترفة بفضل أموال المسلمين المتأتية من “الواجبات الشرعية” بات مسألة لا تقبل التأجيل في مناقشتها والإضاءة على جوانبها، لكي نضع حدا لتوجه غير خاف على لبيب، أو حتى مراقب عادي، بأن المؤسسات الدينية تتجه منذ سنوات ليست بقليلة اتجاهات لا تنسجم مع أسباب تأسيسها، التي لم يكن المال وجمعه غاية لها بل وسيلة للاستمرار في خدمة المؤمنين.
فالخلاف الناشب بين امام “المركز الاسلامي” وبعض أعضاء مجلس أمنائه يتصل على ما يبدو لنا حتى الآن بالأموال وكيفية الإشراف عليها وصرفها. وهنا يبرز السؤال: ماهي العلاقة القانونية التي أقيمت بين مجلس أمناء المركز وإمامه باعتبار أننا في بلد تسود فيه القوانين الراعية لهذا النوع من المؤسسات؟ يسأل عن هذا مجلس الأمناء والامام على حد سواء. فلا منصب مهما علا يجيز لصاحبه التصرف المطلق بأموال المؤسسة دينية كانت أم اجتماعية. ولماذا انتظر مجلس أمناء المركز طيلة خمس سنوات دون أن يبت بأمر العلاقة التي تحكم بينه وبين إمام المركز؟ واذا كان إمام المركز قد أساء ادارة الأموال فلماذا لم يصارحوا أصحاب هذه الأموال إلا مؤخرا، وهل البيانات التي تحمل تواقيع مبهمة تؤدي الى حل المشكلة أم الى تفاقهما؟
لقد قال إمام المركز السيد حسن القزويني كلاما واضحا في رده على بيان الاتهامات بحقه، وقمنا بنشره، لكن هذا لا يعفيه من إسناد أقواله بالحجج والقرائن والكشف أمام أعضاء المركز والجالية عن حقيقة استخدامه لبعض أموال الخمس ومصدر أحقيته بهذا الاستخدام على ضوء معطيات قانونية أميركية أو شرعية اسلامية يجب أن تتكامل من أجل سلامة عمل المؤسسة وعدم تعريضها لأي هزات أو أزمات من النوع الذي تشهده حاليا.
ومطالبتنا للسيد القزويني بأن يفصح عن كل ما لديه بأقصى درجات الشفافية هي لوضع حد للأقاويل و”المزاعم” التي تستهدفه وتنبع من حرصنا على المؤسسة وعلى مكانته وموقعه وعلاقته بها وبجمهورها الذي يحق له أن يعرف كيف تصرف الأموال التي يتلقاها المركز.
نحن ندرك أن اشكالية العلاقة بين امام المركز الإسلامي في أميركا ومجلس أمنائه ليست إشكالية طارئة ولا يتحمل مسؤوليتها إمام المركز وحده، ولنا في تجربة السنوات التي تلت غياب مؤسسه الإمام الراحل الشيخ محمد جواد شري مثل عليها. فخلال تلك السنوات لم تستقر علاقة بين إمام المركز ومجلس الأمناء ولعل السيد القزويني قد حطم الرقم القياسي في عدد سنوات الاستقرار، وكنا نظن أن تلك المرحلة من اللااستقرار في هذه العلاقة قد طويت، وكان الأمر مجال ترحيب من كل الحريصين على هذه المؤسسة الإسلامية –الأم.
لكن الأزمة الحالية الناشبة تشكل عودا غير محمود على بدء غير سليم، وعلاجها يستلزم المصارحة والنأي عن الأجندات المخفية لأي طرف ضالع فيها. فما يهم الناس ليس الأشخاص مهما علت رتبهم ومكانتهم الاقتصادية والاجتماعية، بل الصدق معهم والبعد عن المتاجرة بهم في كل المحافل وتحقيق الشهرة والجاه على حساب مصالحهم الحقيقية التي تتمثل بوجود مؤسسة اسلامية لخدمة المسلمين وليس منبرا لتحقيق الجاه و”العظمة”.
إننا من موقع الحرص على مؤسسة “المركز الإسلامي في أميركا” ولإبعاد المصطادين في “مياهنا العكرة” مثل موقع “العربية” الإلكتروني الذي نشر تقريرا عن الأزمة يقع في خانة الحق الذي يراد منه الباطل، ولا يليق بحق جاليتنا وجهودها وانجازاتها عبر العقود والسنوات، ندعو جميع المعنيين والمخلصين وبالأخص مجلس الأمناء وإمام المركز الى كلمة سواء تعيد النقاء الى مياه المؤسسة وتعيدها موردا صافيا ينهل منه المؤمنون عذب ما يطفئ ظمأهم الروحي في هذا المنقلب البعيد من الأرض. فمؤسساتنا الدينية والاجتماعية، ليست ملكاً للأشخاص وأزمة المركز الإسلامي التي نطالب بحل سريع ومنطقي لها، يجب أن تكون عبرة لسائر المؤسسات التي يدرك الجميع أن الأمور فيها لا تُحكم بمنطق العمل المؤسسي الشفاف ما أتاح لها طمس أزماتها حتى الآن.
Leave a Reply