واشنطن، نيويورك – فرض التقشف الإجباري على الحكومة الأميركية في خضم الصراع بين البيت الأبيض والمشرعين الجمهوريين حول سبل مواجهة العجز الفدرالي المتفاقم. وقد أصدر الرئيس باراك أوباما مضطراً أمراً رئاسياً مساء الجمعة الماضي بإجراء تخفيضات واسعة في إنفاق الحكومة الفدرالية، يخشى الرئيس الديمقراطي أن تعرقل النمو الاقتصادي وتحد من الجاهزية العسكرية.
لكن الجمهوريين عادوا ورموا الكرة في ملعب أوباما بعد أن أقر مجلس النواب الذي يسيطرون عليه مشروع قانون يسمح بتمويل الدولة الفدرالية حتى نهاية أيلول (سبتمبر) لتفادي تفاقم الأزمة، التي قد يثيرها إقفال مصالح عامة غير أساسية في 27 آذار (مارس) في حال فشل الكونغرس في التوصل لاتفاق حول الميزانية.
ووافق المجلس على المشروع بأغلبية 267 ضد 151 صوتا. ويعطي المشروع إدارة اوباما مرونة بشأن كيفية تنفيذ التخفيضات في برامج وزارة الدفاع المطلوبة في اطار استقطاعات تلقائية في الانفاق بقيمة 85 مليار دولار بدأ سريانها يوم الجمعة الماضي.
ومن المنتظر ان يناقش مجلس الشيوخ الاسبوع القادم مشروع قانون آخر لتمكين الحكومة من مواصلة عملياتها للفترة الباقية من العام المالي الحالي الذي ينتهي في الثلاثين من أيلول. ومن المتوقع ان يعطي ذلك المشروع مرونة أوسع في تنفيذ تخفيضات الانفاق التلقائية مقارنة بمشروع القانون الذي وافق عليه مجلس النواب.
وقال رئيس اللجنة المكلفة بإعادة توزيع النفقات النائب هال رودجرز في بيان إن «مشروع القانون سيسمح بتفادي إقفال الدولة في 27 آذار وإعطاء الأولوية لبرامج الدفاع والجنود القدامى، وسيعطي البنتاغون بعض المرونة لبذل ما في وسعه مع الموازنة التي في حوزته».
في الاجمال، فان الدولة الفدرالية قد تنفق 982 مليار دولار بحلول نهاية السنة المالية. الا ان النص لا يسوي الوجه العشوائي للاقتطاعات التلقائية، التي ستخفض موازنة كل برنامج ايًا كانت اهميته. من جهة اخرى، أعلنت وزيرة الأمن الداخلي ان طوابير طويلة من الركاب في حالة انتظار وتاخير في المطارات الاميركية ظهرت اعتباراً من الاثنين الماضي بسبب الاقتطاعات المالية التي طبقت منذ الجمعة في الولايات المتحدة.
وحذرت جانيت نابوليتانو الاثنين من ان طوابير الانتظار عند الجمارك والبوابات الامنية قد تتضاعف تحت تاثير خفض النفقات في موازنة الوكالة الوطنية للامن في وسائل النقل والسلطات الجمركية.
وفي الوقت الذي تتجه فيه الولايات المتحدة نحو أزمة مالية جديدة توقع البيت الأبيض أن تكون التخفيضات -التي دفع إليها إخفاق أوباما والكونغرس في التوصل لاتفاق أوسع بشأن تقليص العجز- «مدمرة للغاية» للأمن الاقتصادي والقومي للبلاد.
وقال أوباما للصحفيين بعد اجتماعه مع الزعماء الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس «لن يشعر الجميع بالمعاناة التي ستسببها هذه التخفيضات على الفور. ورغم ذلك ستكون المعاناة حقيقية. بدءا من هذا الأسبوع ستتأزم حياة كثير من أسر الطبقة المتوسطة بشكل كبير».
ووقع أوباما في وقت متأخر يوم الجمعة على أمر يقضي ببدء سريان التخفيضات الشاملة في الإنفاق الحكومي. وستبدأ الهيئات الحكومية الآن في استقطاع ما إجماليه 85 مليار دولار من ميزانياتها، وستتحمل وزارة الدفاع نصف التخفيضات. وقال وزير الدفاع الأميركي الجديد تشاك هايغل إن التخفيضات تهدد «جميع مهامنا».
ومازال بإمكان الكونغرس وأوباما وقف تخفيضات الإنفاق في الأسابيع المقبلة ولكن أيا من الجانبين لم يعبر عن ثقته في قيامهما بذلك.
وتوقع الديقراطيون أن هذه التخفيضات يمكن أن تتسبب على الفور في تأخيرات بحركة الملاحة الجوية ونقص في اللحوم مع ضعف عمليات التفتيش على سلامة الأغذية وخسائر لآلاف المتعهدين الفدراليين فضلا عن إلحاق أضرار بالاقتصادات المحلية في البلاد وبخاصة في المناطق الأكثر تضررا القريبة من المنشآت العسكرية.
ومن أبرز أسباب الأزمات المالية المتواصلة التي تعاني منها واشنطن الخلاف بشأن كيفية تقليص عجز الميزانية والدين العام الذي بلغ ١٦,٦ تريليون دولار وتضخم على مدار السنين بسبب الحرب في العراق وأفغانستان والحوافز الحكومية للاقتصاد المتداعي.
ويريد أوباما سد الهوة المالية بخفض الإنفاق وزيادة الضرائب. ولا يريد الجمهوريون التنازل بشأن الضرائب مجددا مثلما فعلوا في مفاوضات «الهاوية المالية» في بداية العام.
وتشكل التخفيضات الفعلية في الإنفاق نسبة صغيرة من إجمالي حجم الإنفاق الحكومي سنويا والبالغ 3,7 تريليون دولار. ونظرا لعدم المساس ببرامج شبكة الأمان مثل الأمن الاجتماعي والرعاية الصحية فإن معظم الضرر سيقع على موظفي الحكومة الاتحادية وليس من يتلقون الإعانات مباشرة.
والحكومة الأميركية أكبر جهة توظيف في الولايات المتحدة حيث يبلغ عدد العاملين بها نحو 2,7 مليون شخص في أنحاء البلاد. وفي حالة استمرار سريان التخفيضات فإن أكثر من 800 ألف من هؤلاء العاملين قد تخفض أيام عملهم وتقلص أجورهم في الفترة الممتدة من الآن وحتى أيلول.
وبينما حذر صندوق النقد الدولي من أن التقشف قد يحد من النمو الاقتصادي الأميركي بنسبة 0,5 نقطة مئوية على الأقل هذا العام إلا أن ذلك لا يشكل عبئاً كبيراً على اقتصاد ينمو سريعا.
الإقتصاد يبلي بلاءً حسناً
وتأتي الإقتطاعات في نفقات الحكومة الفدرالية، وسط تعاف لافت للإقتصاد الأميركي، حيث كشف تقرير شركة «أي دي بي» لوظائف القطاع الخاص في الولايات المتحدة الصادر الأربعاء الماضي عن اضافة عدد أكثر من المتوقع خلال شهر شباط (فبراير) الماضي.
حيث بلغت الوظائف المضافة 198 ألف، بالمقارنة مع توقعات المحللين عند 192 ألف وظيفة، في الوقت الذي جرى فيه تعديل بيانات كانون الثاني (يناير) بالرفع إلى 215 ألف وظيفة.
هذا وقد جرى إضافة 146 ألف وظيفة لقطاع الخدمات، و34 ألفا للبناء والتشييد خلال شباط وسط تعافي قطاع المساكن.
ومن المتوقع أن تُنشر بيانات وزارة العمل الرسمية يوم الجمعة (مع صدور هذا العدد) والتي تشير التوقعات إلى اضافة 158 ألف وظيفة جديدة في شباط لتكون قريبة من مستواها في كانون الثاني عند 157 ألف، بينما من المرجح بقاء معدل البطالة عند 7,9 بالمئة.
أما من ناحية السوق المالي، فقد ارتفعت الأسهم الأميركية خلال تعاملات الأسبوع الماضي الى مستويات قياسية مع تواصل مؤشر «داو جونز» الصناعي في الصعود رغم صدور بيانات وزارة التجارة كشفت انخفاضاً طفيفاً في طلبيات المصانع الأميركية بنسبة 2 بالمئة خلال شهر كانون الثاني.
وتجاوز مؤشر «داو جونز» حاجز ١٤٣٠٠ نقطة ليحقق مستوى قياسيا جديدا بعد ان تجاوز مستواه الأعلى الذي حققه في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2007.
كما ارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز» الأوسع نطاقاً والذي يتكون من 500 شركة كبيرة ليتجاوز حاجز عند 154٠ نقطة ليصبح قريباً من أعلى مستوياته والتي سجلت في تشرين الأول من عام 2007.
Leave a Reply