بالتزامن مع تعثر تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة وسقوط رهان البعض على تأليفها قبل حلول عيد الفطر، تفاقمت «عوارض» أزمة النازحين السوريين على وقع «العقوبات» التي اتخذها وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل بحق المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، من خلال قراره بعدم تجديد إقامات أعضائها المتواجدين في لبنان، احتجاجاً على دورها السلبي في ملف النازحين وتحريضها إياهم على البقاء في لبنان ورفض العودة إلى سوريا.
وقد أدى قرار باسيل غير المسبوق إلى توتر العلاقة بين «الخارجية» و«المفوضية» من جهة، والى تداعيات داخلية من جهة أخرى تمثلت في اعتراض الرئيس سعد الحريري والعديد من القوى السياسية على موقف باسيل. ولم يكتف الحريري بالاعتراض النظري، بل بادر إلى استقبال المنسق المقيم للأمم المتحدة في لبنان والمسؤولة عن مفوضية اللاجئين، مؤكداً استمرار الشراكة مع المجتمع الدولي في إدارة ملفي النزوح والعودة، الأمر الذي انطوى على رسالة واضحة إلى باسيل مفادها أنه تجاوز حدوده وأن سياسة لبنان الخارجية المتعلقة بخيارات استراتيجية لا يحددها وزير بل هي من مسؤولية رئيس الحكومة بالدرجة الأولى.
لقد فجّر ملف النازحين أزمة صلاحيات وأدوار بين الحريري وباسيل اللذين افترقا في هذه المحطة بعدما تمكنا خلال المرحلة الماضية من نسج تحالف متين أفضى إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وإلى التفاهم على قضايا داخلية عدة، ما ولّد شعوراً بالقلق لدى مكونات أخرى انزعجت من هذه الثنائية في الحكم، وارتابت في دوافعها وغاياتها. ويبدو أن خروج أو إخراج نادر الحريري من موقعه كمستشار أساسي لرئيس «تيار المستقبل» قد ترك «فراغاً» وانعكس خللاً في التواصل والتناغم بين الحريري وباسيل، خصوصاً أن نادر كان أحد أبرز مهندسي التحالف مع «التيار الوطني الحر».
هاجس التوطين
وبرغم الهجوم السياسي المضاد الذي شنه الحريري على الجبهة الدبلوماسية لاستعادة المبادرة والامساك مجددا بزمام قضية النازحين، إلا انه لم تصدر عن باسيل أي] إشارة إلى احتمال تراجعه عن إجرائه التأديبي بحق مفوضية اللاجئين، بل هو اندفع أكثر إلى الأمام ورفع سقف التحدي من خلال زيارته إلى منطقة عرسال التي تضم عدداً كبيراً من النازحين السوريين، وتنبيهه من هناك إلى أن البعض لا يريد إنهاء الأزمة السورية ولا عودة النازحين، مكرراً اتهام المفوضية بتخويفهم عمداً والضغط عليهم لمنعهم من مغادرة لبنان.
يخشى باسيل من أن تؤدي سياسة المفوضية إلى توطين السوريين في لبنان، كأمر واقع، وهو لا يخفي ارتيابه في نيات بعض القوى الدولية التي تسعى إلى تحقيق مصالحها من خلال تثبيت وجود هؤلاء النازحين في لبنان على حساب توازناته وهويته واقتصاده ومستقبله. ولا يجد باسيل ضيراً في التنسيق مع النظام السوري لتسهيل «العودة الآمنة»، وهو وجّه مؤخراً رسالة إلى نظيره وليد المعلم تتعلق بالضمانات التي يمكن أن تقدمها الحكومة السورية للنازحين، خصوصا بالنسبة إلى حقوق الملكية ومعالجة إشكالية الخدمة العسكرية الالزامية التي تحول دون رجوع بعضهم.
قنبلة دخانية
في المقابل، يوجه خصوم باسيل اتهاماً إليه بأنه تعمد افتعال مشكلة مع مفوضية اللاجئين في هذا التوقيت تحديداً، لاستخدامها بمثابة قنبلة دخانية، بغية التغطية على فضيحة مرسوم التجنيس الأخير الذي حمل توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون، وأفضى إلى منح الجنسية اللبنانية لقرابة 400 شخص، غالبيتهم من السوريين والفلسطينيين، قبل أن يطلب عون من الأمن العام تحت وطأة الاعتراضات الكثيرة، مراجعة لوائح المرسوم والتدقيق في أهلية الأسماء الواردة فيه للحصول على الجنسية اللبنانية.
كما أن العديد من الجهات السياسية المصنفة ضمن ما كان يُعرف بـ«14 آذار» لا تزال ترفض التنسيق المباشر مع الحكومة السورية لترتيب عودة النازحين، وتطلب أن تتم هذه العودة برعاية الأمم المتحدة حصراً بعد تأمين الضمانات لها من النظام السوري والقوى الإقليمية والدولية المتواجدة على الساحة السورية والمؤثرة فيها، معتبرين أن وزير الخارجية يحمّل مفوضية اللاجئين ما يفوق طاقتها على التحمل لأنها ليست الجهة المعنية بوضع خطة لعودة النازحين.
وشظايا ملف النازحين أصابت أيضاً التفاهم الهش بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، بعدما اتهم باسيل وزارة الشؤون الاجتماعية التي يتولاها «قواتي» هو بيار أبي عاصي بالتقصير في دورها وواجباتها لجهة ضبط هذا الملف وتمييز النازح الحقيقي عن منتحل الصفة، لاسيما أنها على تماس مباشر مع الأسماء والأرقام، فيما تعتبر «القوات» من جهتها أن موقف باسيل يأتي في إطار حملة منظمة يتعرض لها وزراؤها، لتشويه سمعتهم بعد النجاحات التي حققوها في الحكومة ولتقليص حجمها في الحكومة الجديدة.
وتؤكد أوساط معراب أنها تؤيد عودة النازحين من دون إبطاء، لكنها لا تجد أن سياسة باسيل الحالية يمكن أن تساهم في ذلك، بل هي تعطي مفعولاً سلبياً، متسائلة عن الحكمة في خوض مواجهة مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة، بينما المطلوب الحصول على دعمهما لتخفيف الأعباء عن الدولة اللبنانية وإيجاد الإطار المناسب للمعالجة المطلوبة.
Leave a Reply