قاسم ماضي
يشتغل الكاتب والشيخ باقر بري -فـي كتابه الصادر حديثاً بعنوان «المسلمون الأميركيون: على أزمة الهوية والتحديات المعاصرة»- على إشكالية عصرية معقدة، تتداخل فـيها الكثير من العناصر التي تهمنا جميعا كمغتربين فـي عصرنا المضطرب الذي تتصاعد فـيه وتيرة العداء والكراهية للمسلمين من قبل المتطرفـين الغربيين.
كما يحاول الكتاب الإجابة على بعض التساؤلات الملحة من قبيل: كيف نستطيع استخدام وتفعيل مكونات الهوية الإسلامية لتحقيق وإنجاز الشخصية الأميركية المسلمة؟ أو بعبارة أخرى: كيف يمكن أن نشكّل الهوية الإسلامية لدى الفرد المسلم فـي الولايات المتحدة وأن نحافظ على خصوصيتها لدى المسلمين الذين يعيشون كأقليات فـي المجتمعات الغربية العلمانية؟
الشيخ بري يؤكد على أن الهوية الإسلامية الأصيلة قد تراجعت وأصابها الكثير من التشوّش بسبب اختلاف التصورات عند الفرق الإسلامية و«السجالات العقائدية، وخطابات الكراهية المذهبية، والكثير من المحاضرات والدروس، وفتاوى الاحتياط، والتكفـير والتحرز، الصادرة عن شرائح وعقول تعيش فـي بيئات إسلامية متباينة»، وبالتالي يقف الأميركي المسلم بين هذه الطروحات والسجالات حائراً ومشتتاً، عاجزاً عن الغربلة والاستيعاب، لا يدري ما هو الصحيح، وما هو الصالح لحياته الفكرية والروحية والعملية فـي المجتمع الأميركي.
وبسبب هذه المشكلة، تعتري المسلمين فـي المجتعمات الغربية عموما شكوك بالمعارف الإسلامية، مما يدفعهم إلى البحث عن إطار واضح وبسيط للهوية الدينية. إطار يمكن فهمه والانخراط فـي بيئته ويمنحه القدرة على نقله للآخرين.
وفـي هذا الفضاء، يشخّص بري مشاكل «الاختلاف» التي تخلّف أجواء سلبية مريضة تعزز التفرقة فـي صفوف هذه الأمة العظيمة، التي لو عدنا إلى الوراء، لوجدنا أن الرسالة المحمدية ماتزال هي السراج المنير، منذ ما يزيد عن أربعة عشر قرنا، وأنها تمتلك مرونة وقابلية للتكيف مع مستجدات الحياة ومتطلباتها، بما فـيها الحياة الأميركية بكل حداثتها وانفتاحها، بما لا يخل بتعاليم الإسلام ومقاصده.
وفـي هذا السياق، يرى بري أنه: إذا كان المسلمون الأميركيون يواجهون تهم الإرهاب وتستهدفهم ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، إلا مشكلة أنهم يواجهون فـي الولايات المتحدة مشكلة أكبر وأعقد، وهي مشكلة ذوبان هويتهم الدينية وانسرابهم من مبادئهم وقيمهم، وهذه المشكلة تمثل أزمة حقيقة تواجه الأجيال الجديدة خصوصاً.
وبسبب من هذا، فإن «من يعايش الجاليات المسلمة فـي أميركا ويحتك بأفرادها عن قرب يلمس مدى ضبابية المعرفة التي يعيشها أبناؤها وبناتها تجاه حقيقة الإسلام وتجاه قيمه وتعاليمه، فنسبة مرتفعة من أبناء الجيلين الثاني والثالث من أبناء المهاجرين المسلمين لا يعرفون من تعاليم دينهم سوى بعض الشكليات فقط»، وفقا لما جاء فـي الكتاب بالصفحة 8.
وبما أن الغربيين يعملون بالمثل القائل: إما أبيض وإما أسود، يفعّل بري ثقافته وخبرته الشخصية كي ينتج تجانساً عقلانياً مع الثقافة الأميركية بالشكل الذي يضمن استمرارية الخصوصية الدينية عند المسلمين، ويصب كل جهده فـي فكفكة الاشكاليات والمعوقات، مطالباً الجماعات الاسلامية فـي الغرب بتفعيل أدوارها الاجتماعية والإصلاحية، ويؤكد أن نهوضهم بهذه الأدوار يعتمد تماما على مدى قدرتهم على زيادة مشاركاتهم السياسية، وتوحيد طاقاتهم وأصواتهم، وولائهم الصريح لقضاياهم، والوجود المكثف فـي السباقات الانتخابية الهامة.
Leave a Reply