المعارضة ترفضه بسبب عدم وضوح مواقفه من عقيدة الجيش وعلاقته بالمقاومة
رئيس الجمهورية متمسك به لأنه مفتاحه الاميركي.. وواشنطن تعتبره من ثوابتها
شكلت حقيبة وزارة الدفاع، عقدة في تأليف حكومة العهد الاولى، ولكنها ليست العقدة الوحيدة، بل هي الابرز من ضمن العراقيل التي تقف بوجه اصدار مراسيم تشكيلها، وقد بدأت فترة السماح تنفذ، مع انتهاء الشهر على انتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية، والتوقيع على اتفاق الدوحة الذي تعثر عند البند الثاني منه، وهو تشكيل الحكومة، وقد بدأ القلق يثير اللبنانيين من تأخير اعلان الحكومة، وزاد خوفهم مع تجدد الاشتباكات في منطقة البقاع الاوسط وتحديداً في سعدنايل وتعلبايا، والتي اخذت طابعا مذهبياً، مما ينذر بتطورات خطيرة، اذا لم تتدارك القيادات الحزبية والسياسية المسؤولة عن الاطراف المتقاتلة، خطورة ما يجري لوقف الاستفزازات ومنع حصول معارك.
فتشكيل الحكومات في لبنان، يستهلك عادةً ما بين اسبوع وثلاثة اسابيع امتداداً الى شهر واكثر قليلاً، في الاوضاع العادية التي لا ازمات سياسية ودستورية ولا توترات امنية، امّا في واقع ما هو قائم حالياً من ازمة، فان تشكيل الحكومة قد يتأخر لاشهر، مع الشروط والشروط المضادة، وعدم تنازل كل طرف باتجاه تنفيذ اتفاق الدوحة الذي نال دعماً عربياً واقليمياً ودولياً، وقد ظهر من خلال الاتصالات واللقاءات والمواقف، ان تأليف الحكومة لن يشهد تطوراً ايجابياً الا عبر تدخل راعي الاتفاق امير قطر، لتقريب وجهات النظر، وايجاد مخارج للحل، والا فان تشكيل الحكومة سيكون امام ازمة مفتوحة.
والصراع على وزارة الدفاع، هو على الحقيبة كما على اسم من سيتولاها، وهو الوزير الياس المر الذي لا تصنفه المعارضة محايداً او من حصة رئيس الجمهورية التوافقي بل تعتبره طرفا سياسيا محسوبا على قوى 41 شباط، وهذا ما ابلغه النائب ميشال عون الى الرئيس سليمان، عندما اكد له، انه لا يمانع من توزير المر لكن ان يحسب من حصة الموالاة، وان لا تعطى وزارة الدفاع له.
واقترح عون على رئيس الجمهورية ان يسمي وزيرين مسيحي ومسلم، لانه رئيس توافقي لكن اقتراحه سقط، للاشكالات التي سترافق تطبيقه، وهل سيكون اختيار الوزير مسلماً شيعياً ام سنياً، في ظل الاوضاع السياسية والامنية المضطربة.
وطوي هذا الاقتراح العوني، ليؤكد رئيس «التيار الوطني الحر» انه مصر ان يكون لـ«تكتل الإصلاح والتغيير» حقيبة سيادية، وافق عليها رئيس الحكومة المكلف فؤاد السنيورة، على ان تكون من حصة المعارضة فتتساوى بالحقائب مع الموالاة، الا ان هذه الصيغة من السنيورة والتي وضعها في السلتين لم تلاق التجاوب من المعارضة، فابقى ازمة تشكيل الحكومة مجمدة، من دون طرح صيغ بديلة، بل اكد على توزيع الحقائب السيادية على الشكل الاتي: الداخلية والدفاع لرئيس الجمهورية، المالية للموالاة والخارجية للمعارضة.
اما لماذا الصراع على الدفاع، و«الفيتو» على الياس المر من قبل المعارضة، فلأنها لا تثق فيه، وتتهمه بانه «خانها» عندما نقل موقعه من ضمن الفريق الوزاري الذي سماه الرئيس السابق اميل لحود، واصبح في موقع قوى 14 شباط، بالرغم من انه اعلن اكثر من مرة حياديته، وانه على مسافة واحدة من الجميع، لكن فقدان الثقة به لا يرمم كما تقول اوساط المعارضة التي زاد من شكوكها خروج النائب ميشال المر من «تكتل الاصلاح والتغيير» برئاسة العماد ميشال عون، ووضع نفسه في خانة رئيس الجمهورية الجديد وهو الاداء الذي يمارسة منذ عقود، اذ يكون مع كل عهد جديد ويتبناه ويسوق له، ويدخل في تركيبته الحكومية.
وازدادت النقمة على الياس المر بعد ما سربه عن الكاميرا الذي ذكر ان «حزب الله» وضعها في احد المستودعات القريبة من مدرج 17 لمراقبة حركة الطيران لا سيما هبوط وصعود الطائرات الخاصة لشخصيات لبنانية وعربية، مما خلق ازمة في البلد، كادت ان تفجر حرباً اهلية، بعد ان اتخذت الحكومة قراريها حول اقالة قائد جهاز امن مطار بيروت العميد وفيق شقير، وتحويل شبكة اتصالات المقاومة الى القضاء والعمل على تفكيكها.
ولم تتوقف المعارضة عند هذا الحد، بل ان شكوكها تصاعدت بعد ان وصلتها معلومات عن ان الادارة الاميركية تريد المر في وزارة الدفاع لاستمرار التعاون والتنسيق معه، حول تسليح الجيش وتدريبه، واناطة مهمات به لها علاقة بالمقاومة وسلاحها لا سيما مع فتح موضوع استرداد مزارع شبعا ديبلوماسياً وعبر القرارات الدولية ، مما يفقد المقاومة مبرر وجودها وعليها ان تسلم سلاحها وتحل قواتها العسكرية، عبر تسريحها او ادخال عناصرها الى الجيش، بعد الاتفاق على صيغة لدمج المقاومة فيه، كما حصل بعد اتفاق الطائف عندما تم استيعاب بضعة الاف من ميليشيات الاحزاب في القوى العسكرية والامنية.
ووقع الاختيار الاميركي على المر، لانه فتح خطوط اتصال مع الادارة الاميركية تحت عنوان تعزيز الجيش اللبناني ليصبح اقوى من الاحزاب المسلحة ويمكنه تثبيت الامن وتحقيق الهدوء، وتمكين الدولة من ان تبسط سلطتها على كل الاراضي اللبنانية.
طريق الياس المر الى واشنطن ساعدته لتقديم قائد الجيش العماد ميشال سليمان كمرشح توافقي لرئاسة الجمهورية، وتسويقه لدى المسؤولين الاميركيين، بعد ان كانت الفكرة عندهم عن قائد الجيش انه حليف لسوريا وينسق مع المقاومة، فأبلغهم الوزير المر، ان سليمان في رئاسة الجمهورية غيره في قيادة الجيش، واذا ما اتنخب فانه على استعداد للبحث بسلاح المقاومة، على ان تتم مساعدته في موضوع مزارع شبعا.
سلك اسم قائد الجيش داخل دوائر القرار في الادراة الاميركية، وجاءت الموافقة عليه واعطيت اشارة الى مصر لتسويقه عربياً، فكانت زيارة العماد سليمان الى القاهرة واستقباله من قبل الرئيس حسني مبارك، واعتبرت هذه الزيارة اشارة ان القرار الدولي والعربي باتخاب سليمان قد اتخذ، وتبقى الآلية الدستورية وتأمين التوافق اللبناني، وهذا الذي حصل في اتفاق الدوحة بعد فراغ في رئاسة الجمهورية دام ستة اشهر، تم خلال هذه الفترة التجاذب حول حكومة العهد الاولى ومن يترأسها، والثلث الضامن للمعارضة فيها، اضافة الى المقاعد الوزارية.
تأشيرة الدخول العربي والدولي التي اعطيت للعماد سليمان للوصول الى القصر الجمهوري، اصطدمت بأنه لم يعط المعارضة ضمانات حول الحكومة وتوزير المر والثلث الضامن وهذا ما اخّر انتخابه، وقد فاتحه الوزير السابق سليمان فرنجيه قبل اشهر بموضوع عودة الياس المر الى الحكومة، وهو غير موثوق من المعارضة، فكان جوابه، ان المر هو من الثوابت وله عليّ دين انه فتح لي قنوات تواصل مع المسؤولين الاميركيين، الذين زاد اعجابهم بقائد الجيش بعد معارك مخيم نهر البارد، واثناء تنفيذ قرار مجلس الامن الدولي 1701 من خلال انتشار الجيش مع القوات الدولية في منطقة جنوب نهر الليطاني.
وكاد تصلب سليمان وتمسكه بالمر ان يفقده رئاسة الجمهورية، لكنه عاد واظهر مرونة وليونة من انه لن يشكل توزيره عقبة، وقد لا يكون في الحكومة، وبدأ سليمان يتقرب من المعارضة، وعمل على التكفير لما حصل في احداث الشياح وكنيسة مار مخايل في نهاية كانون الثاني الماضي من هذا العام، عندما اصطدم الجيش بالمواطنين الذي سقط منهم حوالي سبعة قتلى وعدد من الجرحى، وقد تجاوب قائد الجيش مع طلب وضع ما حصل في عهدة القضاء الذي امر بالتحقيق مع الضباط والعسكريين وتوقيف البعض منهم، كما امتنع الجيش ان يكون طرفاً بما جرى في بيروت من قبل المعارضة في ردة فعلها على قراري الحكومة حول شبكة اتصالات المقاومة واقالة العميد وفيق شقير، ونزولها بالسلاح للدفاع عن المقاومة، وقد اتهمت الموالاة الجيش بالتقصير، مع سقوطها العسكري، وحصول التغيير على الارض الذي انعكس تحركاً عربياً ادى الى اتفاق الدوحة وانتخاب سليمان رئيساً للجمهورية.
لم يأخذ العماد سليمان بالتطورات التي حصلت، فبقي متمسكاً بتوزير المر من حصته، مما خلق «نقزة» عند المعارضة وسبب اصراره عليه، وهل من التزام اخذه على عاتقه لدى الادارة الاميركية بشأن بقاء المر في الدفاع، والتنسيق مع الجيش الاميركي، ومن سيكون قائداً للجيش ومعه مدير المخابرات، واي جيش سيتم بناءه، وعلى اية عقيدة سيقوم، وهل سيبقى على عقيدته القتالية التي نشأ عليها بعد اتفاق الطائف، الذي وضعه في تنسيق مع المقاومة، وفي تعاون مع الجيش السوري، من خلال دورات عسكرية وتدريبية مشتركة، والتي تعمل الادارة الاميركية منذ وصول حلفائها في زثورة الارزس الى السلطة، لاجتثاث الضباط والعناصر الذين كانت لهم علاقات وارتباطات مع القوات السورية، او ما كان يسمى «النظام الامني اللبناني-السوري المشترك»، على غرار ما حصل في العراق بعد الاحتلال الاميركي مع اجتثاث حزب البعث، والتدمير الذي لحق بالجيش العراقي.
وهذا الاصرار الاميركي على اعتبار المر من «الثوابت الاميركية»، هو الذي يؤخر تشكيل الحكومة، ويضع علامات استفهام حول المرحلة المقبلة، مع التذكير بالكلام الذي قاله الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في الذكرى الثامنة لتحرير الجنوب، حول محاولة البعض وضع الجيش بمواجهة المقاومة، محذراً من سلوك هذا الطريق، وكان موقفه هذا اشارة كافية، لما يمكن ان يحدث مستقبلاً.
فعودة السنيورة الى رئاسة الحكومة وبقاء المر في وزارة الدفاع، وتشبث قوى 14 شباط بالحقائب الوزارية الاساسية كالعدل والاتصالات والمالية، تعتبرها الادارة الاميركية، انتصارا لحلفائها، وانقلاباً بالسياسة على اتفاق الدوحة، ومنع المعارضة من تحقيق اي انجاز لتحركها العسكري في بيروت والذي اوقعت نكسة بحلفاء اميركا في لبنان، حيث ذكرتهم وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس اثناء زيارتها الخاطفة والمفاجئة للبنان، ان انتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية وتكليف السنيورة تشكيل الحكومة وبقاء الجيش موحداً، كل هذه التطورات هي لصالح «ثوار الارز» الذين يتوقف عليهم الصمود وعدم التنازل في الحكومة، حتى لو حصلت المعارضة على الثلث الضامن، فان الحفاظ على الحقائب الامنية والعسكرية، وتعيين قائد للجيش ومدير للمخابرات سيشكل انتكاسة لمشروع المعارضة وحلفائها السوريين والايرانيين.
لذلك كان تركيز رايس اثناء زيارتها الى لبنان على مسألتين تسليح الجيش المرتبط بوجود المر في وزارة الدفاع مع قائد جيش موثوق، ثم استرداد مزارع شبعا او وضعها في عهدة الامم المتحدة، لفتح باب البحث في وجود المقاومة وبقاء سلاحها.
وامام هذه المعطيات فان وزارة الدفاع في التشكيلة الحكومية هي عقدة حقيبة ووزير، ولا يبدو ان حلولاً مطروحة لحلها لجهة تقديم صيغ معقولة ومقبولة، سوى ما طلبت به المعارضة لجهة عدم تشبث رئيس الجمهورية بالوزير المر في الدفاع واعطائه اية حقيبة اخرى كنائب رئيس الحكومة، وهو الموقع الذي يحتله منذ سنوات، لكن جواب الرئيس سليمان كان عدم التخلي عن من كان منسجماً معه اثناء وجوده في قيادة الجيش والمر في وزارة الدفاع، وان الوضع الامني الدقيق والخطير الذي تمر به البلاد، يفترض ان يكون موضوع الامن في يد رئيس الجمهورية من خلال وزيرين في الداخلية والدفاع موثوقين ومنسجمين معه، وهذا ما يؤكد عليه الموالون، وبذلك يعود لبنان الى حقبة الرئيس اميل لحود، عندما كان يحصر الامن فيه والاقتصاد بالرئيس رفيق الحريري، وكان هناك اعتراض على هذه الصيغة من قبل الرئيس الحريري وحلفائه، وكانوا يتهمونه بأنه يقيم نظاماً امنيا، فهل هذا مايريدونه للرئيس سليمان؟
Leave a Reply