هز الزلزال الذي ضرب إمارة دبي الأسبوع الماضي الاقتصاد الإماراتي ومعه أسواق المال العالمية. الزلزال تمثل بإعلان “مجموعة دبي العالمية” التابعة لحكومة دبي، البدء بعملية إعادة هيكلة لعجزها عن سد ديونها في المواعيد المستحقة. وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن ما ضاعف أزمة دبي هو هبوط سعر العقارات في الإمارة العام الماضي بنسبة 50 بالمئة وزيادة خدمة الديون التي تتحملها. ونقلت عن مؤسسة الخدمات المصرفية “أي أف جي هيرميس” أن ديون دبي والشركات التابعة لها قد تصل في مجموعها إلى 150 مليار دولار أي ما يفوق الناتج المحلي الإجمالي للإمارة.
“دبي العالمية”
وتضم “مجموعة دبي العالمية” عشر شركات بينها شركة “نخيل” التي قامت بتطوير عدد من ابرز مشاريع دبي العقارية، و”شركة موانئ دبي العالمية” ثالث اكبر مشغل للموانئ في العالم.
وشركة “نخيل” هي مطورة جزر النخيل الاصطناعية في مياه الخليج، وتعاني من صعوبات لدفع صكوك إسلامية بقيمة 3،5 مليارات دولار تستحق في 14 كانون الاول (ديسمبر) الحالي. وكانت “نخيل” اضطرت بسبب الأزمة المالية العالمية الى تجميد عدد من مشاريعها العملاقة، بما في ذلك اطول برج في العالم بطول يتجاوز كيلومتر، ومدينة “ووتر فرونت” التي تبلغ مساحتها ضعف مساحة هونغ كونغ.
و”ليميتلس” هي شركة عقارية أخرى تابعة لدبي العالمية، وكانت تنفذ مشاريع في روسيا وفيتنام والسعودية، الا ان ابرز مشاريعها في دبي هو “قناة العرب”، التي يفترض ان تشكل شريان مياه في قلب صحراء الإمارة. الا ان مستقبل المشروع ليس واضحا. وتستحق ديون لهذه الشركة بقيمة 1،2 مليار دولار في نهاية آذار (مارس) المقبل.
أما شركة “استثمار” فهي الذراع الاستثمارية لـ”دبي العالمية”، وقد قامت بعمليات استحواذ ضخمة بقيمة 2،9 مليار دولار منذ انشائها في العام 2003. وإحدى ابرز صفقاتها كانت شراء سفينة “كوين اليزابيث 2” التي ستتحول الى فندق عائم قبالة جزيرة نخلة جميرا الاصطناعية في دبي.
أما “موانئ دبي العالمية” فهي ثالث اكبر مشغل للموانئ ومحطات الحاويات في العالم، وتشغل حوالي خمسين محطة في 32 بلدا. وكانت الشركة اعلنت مطلع السنة أنها ستؤجل مشاريعها للتوسع وتجمد عمليات التوظيف بسبب تباطؤ الاعمال نتيجة للازمة الاقتصادية العالمية. واعلنت الشركة انها ربحت 621 مليون دولار في العام 2008، مع ارتفاع بنسبة 48 بالمئة عن الارباح في 2007. وتعد هذه الشركة رابحة ومن ابرز نقاط القوة في “مجموعة دبي العالمية”.
ومن شركات دبي العالمية ايضا، “شركة المناطق الحرة العالمية” التي تدير خصوصا منطقة جبل علي الحرة في دبي، وهي اكبر منطقة حرة في المنطقة.
وتعد شركة “ليجر كورب” ايضا من الشركات التابعة للمجموعة والمتخصصة في الاستثمار في مجال الرياضة والتسلية، فيما تعتبر شركة “مركز دبي للسلع المتعددة” منطقة حرة مخصصة للتداول بالذهب والماس ومختلف أنواع المعادن والسلع.
أمّا “أحواض دبي الجافة” فهي شركة تتعامل مع حوالي 400 سفينة سنويا، خصوصا ناقلات نفط، في حين أنّ “مدينة دبي البحرية” (دبي ماريتيم سيتي) مشروع عقاري يتوقع تنفيذه في الـ2012.
وكذلك تعد “دبي ناتشرل ريسورسز وورلد” من شركات “دبي العالمية” وهي متخصصة في الاستثمار في مجالات الطاقة والمناجم والزراعة في مختلف أنحاء العالم، وهي اخر شركة تأسست ضمن المجموعة اذ اعلن تأسيسها في ايلول الماضي، في خضم الازمة المالية العالمية.
اقتصاد الإمارات
وبالعودة الى الزلزال التي تنتهي تردداته فقد أغلقت سوقا دبي وأبوظبي الماليتان الاثنين الماضي على تراجع حاد تجاوز 8 بالمئة وذلك بسبب طلب حكومة دبي تأجيل سداد ديون بمليارات الدولارات مدة ستة أشهر.
وحصل هذا التراجع الحاد على الرغم من الإجراءات التي اتخذتها السلطة الاتحادية في أبوظبي لطمأنة المستثمرين ومنها إعلان مصرف الإمارات المركزي الأحد طرح تسهيل لتعزيز السيولة في النظام المصرفي بالدولة.
وهذا التراجع هو الأكبر في تاريخ سوق دبي منذ 2006. وهوت أسهم بعض شركات البناء والبنوك إلى الحد الأقصى المسموح به وهو 10 بالمئة. وكان التراجع أكثر حدة في أبوظبي إذ تراجع مؤشر سوقها 8،3 بالمئة. وتصدرت أسهم شركات الاتصالات والعقارات -على غرار إعمار والديار- الأسهم المتراجعة في هذه الجلسة.
واعتبر وزير الاقتصاد الإماراتي سلطان بن سعيد المنصوري في أول بيان له حول أزمة ديون دبي, أن جدولة ديون أي مؤسسة في العالم أمر طبيعي خاصة في ظل الأزمة المالية العالمية. وأشار إلى أن هذا ما حدث مع الكثير من المؤسسات العالمية من مختلف القطاعات الاقتصادية. وأوضح المنصوري في بيان صحفي أن قرار شركة “دبي العالمية” وضع برنامج واضح لمعالجة المديونية جاء في المسار الصحيح ويعبر عن مدى شفافية إمارة دبي في التعامل بوضوح تام مع هذا الأمر. وأشار إلى أن اقتصاد إمارة دبي حقق الكثير من الإنجازات والقفزات النوعية التي أبهرت المجتمع الدولي وباتت محط أنظار كبرى الشركات.
من جانبه قال رئيس مجموعة المملكة القابضة الملياردير السعودي الوليد بن طلال إنه ليس من حق البنوك الغربية أن تطلب من حكومة دبي ضمان ديونها لدى شركة “دبي العالمية”. وأضاف ابن طلال في مقابلة مع قناة “بلومبرغ” أن هذه البنوك ناضجة بما يكفي لتعرف الفرق بين القروض السيادية (أي المقدمة للحكومات والدول) وقروض الشركات، مؤكدا أن اقتصادات مثل قطر وأبو ظبي والسعودية لن تهتز أبدا من تداعيات ما حصل في دبي.
مواجهة الأزمة
من ناحية أخرى قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن “دبي إنك” وهي المؤسسة القابضة التابعة لحكومة دبي وتمتلك جميع العقارات الاستثمارية التي تمتلكها الحكومة وتتكون من عدة شركات تمتلك موانئ ومشروعات ترفيهية وعقارات سكنية قد تضطر إلى بيع بعض ممتلكاتها التي قامت بشرائها أثناء الطفرة، بسبب الأزمة الحالية. وتقول “نيويورك تايمز” إن أسعار أسهم هذه المؤسسات انخفضت بسبب الأزمة المالية في العالم وإن بيعها قد يؤدي إلى خسائر لا تستطيع دبي أن تتقبلها.
أما صحيفة “وول ستريت جورنال” فأشارت إلى أن إمارة أبو ظبي التي تمتلك 90 بالمئة من احتياطيات النفط في الإمارات ترفض مد يد المساعدة لمؤسسات دبي الاستثمارية. وأيدت أبو ظبي قرار البنك المركزي للإمارات في شباط الماضي لشراء 10 مليارات دولار من السندات التي أصدرتها دبي كما ضخت بنوك أبو ظبي خمسة مليارات أخرى في شركات دبي الأسبوع الماضي. وقال رئيس الدولة حاكم أبو ظبي الشيخ خليفة بن زايد أمس إن أزمة دبي قد تقوض اقتصاد الدولة. وقالت وول ستريت جورنال إن تصريحاته لم تصل إلى مستوى الدعم الصريح لمؤسسات دبي المالية. ويؤكد محللون أن أزمة دبي لا تزال في إطار يمكن معالجته. ويقول بريج سينغ مؤسس ورئيس مؤسسة “بير كابيتال بارتنرز” التي تعمل في دبي وبومباي ولندن “إن الوضع يمكن معالجته”.
Leave a Reply