نجحت إسرائيل عقب سبعة أشهر من حصار فرضته على غزة، مصحوب بقصف صاروخي ومدفعي وهجمات جوية، من أن تصدّر أزمة غزة الأمنية والإقتصادية والإجتماعية إلى مصر، تمثّل ذلك في إنفجار عشوائي للسكان، جعلهم يكسرون الحواجز ويدخلون إلى مدينتي رفح والعريش بقوة أرادتهم، خشية أن يموتوا جوعا وبردا، حينها عمدت مصر إلى التعامل مع قضية الزحف السكاني بطريقة تؤكد الحس القومي وبكثير من الحكمة، ولو أنه تعامل بغير ذلك مع الفلسطينيين لغضب عليها 300 مليون عربي ومليار مسلم، ولجابت القاهرة مظاهرات ربما تسقط نظامه.
لكن النظام المصري ليس بوسعه أن يبقي حدوده الشمالية مفتوحة على بوابة من «الجحيم» تنفذ من خلالها ضغوط أميركية وإسرائيلية هائلة، ليس بوسع مصر تحملّها، أقلّها قطع المساعدات السنوية الأميركية عن القاهرة والبالغة ثلاثة مليارات دولار، وإنتقادات أوروبية ودولية عن خرق معاهدة كامب ديفيد، وصولاً إلى وضع تلك الحدود في مهب إشتباكات عسكرية ربما تصل إلى حرب محدودة، جراء دخول عناصر فلسطينية مشبوهة مدفوعة من جهاز الموساد الإسرائيلي لتنفيذ عمليات إرهابية داخل المدن المصرية، أو عناصر فدائية تنفذ إلى مدن إسرائيلية عبر سيناء، كما حدث الأسبوع الماضي حين نفذ فلسطينيان عملية إستشهادية في ديمونا أسفرت عن قتل وإصابة مجموعة من الصهاينة. تلك العملية انعكست أصداؤها حالا على الحدود المصرية الفلسطينية، إذ جرت إشتباكات بالرصاص بين عناصر الأمن المصري والشرطة الفلسطينية راح ضحيتها قتيل وعشرات الجرحى.
ينتظر أن تشهد الأسابيع والشهور القادمة حراكا دبلوماسيا نشطا للقضية الفلسطينية عنوانه رفح أو الحدود بين مصر وغزة، وحينها توضع بقية اشلاء القضية في ثلاجة، لا أحد سيلتفت لمسألة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا لمسألة تحرير القدس وعودة اللاجئين وإقامة الدولة، وهذا ما ترنو لتحقيقه إسرائيل، وهذا ما سعت إليه عبر فرضها حصارا أليما على غزة.
من يقف على معبر رفح الفلسطيني؟ تلك هي المسألة، فحكومة حماس تصر على سيطرتها على المعبر ولا تمانع بوجود موظفين تنفيذيين تعينهم السلطة، وهي لن تقبل بحال العودة إلى نظام السيطرة البائد الذي أفضى إلى فرض الحصار على القطاع، لكن مطلب حماس هذا ترفضه إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية والعالم، وهذا ما دفع القيادة المصرية إلى محاولة رأب الصدع بين فتح وحماس، كسبيل وحيد للفكاك من الأزمة، لكنها أخفقت، فالشرخ القائم بين الحركتين عميق ومتجذر، لا ينفع معه سوى إقتلاع أحد الحركتين للأخرى، وهذا ما تخشاه دول إقليمية وقوى عالمية من أن يأتي يوم تطيح المقاومة الإسلامية بالسلطة وتجلس على عرش الضفة الغربية، مشكّلة بذلك حجرا يلقى في بركة مياه آسنة عربية، تزلزل أنظمة راكدة، أخفقت على مدى ستة عقود في بناء مجتمعات ديمقراطية وحرة ومزدهرة، مثلما هي الصين والهند وجنوب شرق آسيا وحتى دول في أميركا اللاتينية، فإذا كانت ثقافة المقاومة وفكرها لن يحركا العرب، فما الذي يحركهم يا ترى؟ هل ينتظرون رسولا يخرجهم من هذه الجاهلية، ليذكرهم أنهم خير أمة أخرجت للناس؟
Leave a Reply