هل تضحي دول أوروبية بسيادتها المالية للحفاظ على العملة الموحدة
بروكسل – في الوقت الذي بدأت أزمات منطقة اليورو الاقتصادية تنعكس سلباً على الاقتصاد الأميركي، أرسلت إدارة الرئيس باراك أوباما، الأسبوع الماضي، وفدا دبلوماسيا، تقوده شخصيات من وزارة الخزانة وبرفقة مسؤولين من صندوق النقد الدولي، للقيام بجولة في دول من الاتحاد الأوروبي للتباحث مع قادتها، لحثهم على اتخاذ إجراءات حاسمة لمنع تفاقم أزمة الديون السيادية الأوروبية التي تؤثر سلباً على الاقتصاد الأميركي. وتأمل واشنطن أن يتمكن الأوروبيون من وضع حد للأزمة التي تعصف بالقارة منذ ثلاث سنوات، خشية أن يؤدي إلى تقويض الانتعاش الهش للاقتصاد الأميركي الذي سجل في الشهور الأخيرة.
وتدرك الولايات المتحدة، التي ترتبط بعلاقات اقتصادية وتجارية واسعة مع دول الاتحاد الأوروبي، أن استمرار الأزمة الأوروبية سيعطل النمو الاقتصادي في أميركا.
وعكست أرقام حكومية الأسبوع الماضي الضعف الذي يعاني منه سوق العمل الأميركي، ليضاف إلى هبوط في نشاط الصناعات الإنتاجية وفي مؤشر مبيعات المنازل وانخفاض في مؤشر ثقة المستهلكين، في تطورات يرى فيها المحللون انعكاسا للأزمة الأوروبية.
ويرى المسؤولون في واشنطن أنه رغم أن النظام المصرفي الأميركي في حالة جيدة، فإنهم يدركون منذ تجربة انهيار بنك “ليمان برذرز” في 2008 أن الأزمات المالية تسبب صدمات هائلة ليس بوسعهم التنبؤ بها.
وسيكون على رأس المباحثات الأزمة اليونانية التي يعتقد أنها الفتيل الذي أشعل الأزمة، ودفعت ثلاث دول من منطقة اليورو للجوء إلى خطط إنقاذ دولية، لتشمل آثار الأزمة معظم أجزاء القارة الأوروبية فاضطرتها لاتخاذ العديد من الإجراءات التقشفية والإصلاحية.
ويخشى أن تؤدي الأوضاع في اليونان والانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في منتصف الشهر الجاري إلى خروج اليونان من منطقة اليورو بطريقة فوضوية تؤدي إلى أزمات، من بينها أنها قد تؤدي إلى تهافت المودعين على سحب أموالهم من البنوك في كل من إسبانيا وإيطاليا، جراء عدم الثقة في القطاع المصرفي بالدولتين اللتين تتعرضان لصعوبات مالية.
كما تخشى واشنطن أن خروج اليونان من اليورو قد يفجر عواقب غير محسوبة ويضعف الانتعاش الأميركي المتواضع، قبل شهور من انتخابات الرئاسة الأميركية. قالت وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني إن إمكانية خروج اليونان من منطقة اليورو في الأشهر التالية للانتخابات البرلمانية المقررة في السابع عشر من الشهر الجاري تصل إلى الثلث.
وتأتي الخطوة الأميركية بعد تحذيرات أصدرها كبار المسؤولين الماليين في أوروبا، من بينهم رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي، ومفوض الشؤون المالية والاقتصادية في الاتحاد الأوروبي أولي رين، بأن المنطقة تواجه خطر انهيار الوحدة النقدية في حال لم يسرّع القادة الأوروبيون جهودهم لحل الأزمة.
منطقة اليورو تواجه الانهيار أو التقارب
من جهة أخرى، قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية إن دول منطقة اليورو التي تربطها عملة واحدة لا اقتصاد موحد، تواجه خيارات أساسية، فإما أن تتحرك نحو وحدة أوثق أو أن تواجه انهيار المنطقة.
وتساءلت عن ما إذا كان الناخبون الأوروبيون الذين فرقتهم قرون من المنافسة يريدون بالفعل القيام بتلك القفزة نحو تكامل أقوى؟ وقالت إن تصويت الإيرلنديين لصالح معاهدة التعاون المالي الأوروبية ربما يسهمون في إيجاد إجابة على هذا التساؤل.
وأكدت “واشنطن بوست” أن الحكومات التي ستصادق على الاتفاقية التي وقعت في كانون الثاني (يناير) الماضي سوف تتخلى رسميا عن سيادتها على اثنين من الحقوق الاقتصادية المهمة: وهما السقفان المحددان لاستدانتها وإنفاقها، لصالح رئاسة الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
وبينما تتفاقم أزمة منطقة اليورو المالية يؤكد رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو الحاجة الملحة لتكامل أكبر بين الدول الـ17 التي تشكل منطقة اليورو ولتغيير في قواعد المنطقة الأساسية لتتصرف دولها مثلما الولايات الأميركية الخمسين في الولايات المتحدة.
وقد طالب باروسو بإنشاء صندوق تسهم فيه جميع دول منطقة اليورو يستخدم في إنقاذ البنوك المتعثرة فيها مما يخفف العبء عن الحكومات.
كما طالب بإنشاء برنامج يعمل كالمؤسسة الفدرالية الأميركية لضمان الودائع وهيئة إقليمية للرقابة على البنوك. كما تضمنت مطالباته أيضا إصدار اليوروبوند أو السندات الأوروبية الموحدة لتحل محل السندات الحكومية لكل دولة، بحيث تعوض ضعف اقتصادات إسبانيا وإيرلندا واليونان بقوة الاقتصاد الألماني.
لكن من أكبر العقبات التي تواجهها هذه الخطوة بالطبع هو التحفظ الذي تبديه ألمانيا التي تتردد في استخدام قوتها الاقتصادية في مساندة الدول الأخرى التي تعاني من أزمات مالية في منطقة اليورو. ولذلك فإن ألمانيا قالت إن الموافقة على المعاهدة المالية الجديدة يعتبر أمرا ضروريا.
Leave a Reply