كصحفـيين، ليست مهمتنا إصلاح العالم، ولكن من واجبنا الإشارة إلى أماكن الخطأ والعطب. ربما تذهب كلماتنا هباء حين نتحدث عن مشكلة هنا ونشير إلى أزمة هناك، وربما يتعامى أصحاب المسؤولية عن رأينا فـي هذه المسألة أو تلك، ولكن تجاهلهم ذلك لن يحل المشاكل التي ستبقى عالقة مسببة المزيد من الضغوط والأذى لأصحابها.
يبدو أن دائرة شرطة مدينة ديربورن تعاني من مشكلة عميقة، فخلال السنة الماضية، غادر أربعة من عناصرها الدائرة وتخلوا عن وظائفهم فـيها، مفضلين الانتقال والعمل فـي مدن أخرى. وبما أن الأشخاص الأربعة هم من العرب الأميركيين فهذا يعني أن المشكلة أكبر وأعمق، لاحتمال انطوائها على أسباب عنصرية، وهو ما اتضح خلال لقائنا باثنين منهم أفادا بأنهما قررا الاستقالة بسبب ما كانا يتعرضان له من إهانة وبلطجة وتمييز من قبل زملائهم ورؤوسائهم فـي العمل.
وكنا فـي الصحيفة قد أجرينا مقابلة مع أحد الشرطّيين المستقيلين الذي اشتكى من معاملة زملائه السيئة، ومضايقتهم له، مما دفعه إلى الاستقالة. وعلى خلفـية تلك المقابلة، تطرقنا بشكل مسهب إلى هذه المشكلة التي يبدو أن لا أحد من مسؤولي المدينة يريد الاعتراف بها، أو العمل على حلها، لا فـي دائرة الشرطة ولا فـي بلدية المدينة (سيتي هول).
وقد أعاد قائد الشرطة رونالد حداد تجاهله لهذه المسألة، خلال المؤتمر الصحفـي الذي عقد يوم الخميس الماضي، حين أكد أنه ليس على علم بما يعانيه الشرطيون العرب فـي دائرته. ويأتي تصريح حداد هذا بعد عشرة أيام من محاولاتنا -فـي الصحيفة- الاتصال بمكتبه، ولعدة مرات يوميا، كذلك وبعد ثلاثة أيام من نشر المقابلة مع الشرطي المستقيل، على موقع الصحيفة الالكتروني، وذلك للوقوف على رأيه فـي أسباب استقالة العرب الأميركيين من وظائفهم ومغادرتهم دائرة شرطة المدينة التي يشكل فـيها أبناء قومهم أكثر من 40 بالمئة من سكانها.
قبل نشرنا لتلك المقابلة التي تضمنت معاناة العناصر الأربعة وأسباب استقالتهم، قمنا بالاتصال أيضا ببلدية المدينة ودائرة الشرطة فـيها، وقمنا بنقل تلك الادعاءات والشكاوى إلى مديرة «المعلومات العامة»، كما قمنا بتأجيل نشر الموضوع، لحين حصولنا على آراء ومواقف المسؤولين تجاه دعاوى العناصر المستقيلين، ولكننا لم نتلق أي رد حتى الآن!
وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فـيها تجاهل كلماتنا، ففـي افتتاحية سابقة تحدثنا عن الوجود العربي المتواضع فـي دائرة الشرطة التي يبلغ عدد عناصرها الإجمالي 186 عنصرا، بينهم 16 عربياً أميركياً فقط. ومن الواضح أن هذا العدد الخجول جدا لا يعكس طبيعة النسيج الاجتماعي لمدينة ديربورن، فإذا ما أخذنا نسبة العرب السكانية بعين الاعتبار، فـيجب ألا يقل عدد الشرطيين العرب عن 45 عنصراً فـي أضيق الأحوال. وتساءلنا فـي الافتتاحية ذاتها عن أسباب انعدام الشفافـية لدى دائرة شرطة ديربورن وأسباب تجاهلها لتساؤلاتنا فـي هذا الموضوع. وكالعادة.. ذهبت كلماتنا أدراج الرياح..
ولا بد من الإشارة، فـي هذا السياق، إلى أننا لا نتبنى ادعاءات العناصر، ولكننا فـي الوقت نفسه، لا نشكك فـيها، ونعتقد جازمين بأن على الدائرة أن تستمتع لهم وأن تقوم بالإجراءات اللازمة للتحقق من ادعاءاتهم حول مضايقة زملائهم ومرؤوسيهم التي ترتفع إلى مستوى عنصري.
إن النعامة التي تدفن رأسها فـي الرمل تسيء فهم العاصفة وتعرض نفسها للخطر، فـي الوقت الذي تظن فـيه أنها تحمي نفسها، وتجاهل دائرة الشرطة للأزمة الواقعة لا يحل المشكلة. ومعلوم أن شرطة المدينة تمر بأوقات عصيبة، فخلال الشهور الماضية، قام البعض من عناصرها بقتل شخصين أسودين غير مسلحين، وهو ما أثار غضب مجتمع الأفارقة الأميركيين الذين تظاهروا فـي مدينة ديربورن ودعوا إلى مقاطعة أعمالها، وقد تدخلت الحكومة الفدرالية لمد يد العون لشرطة المدينة وتطوير برامج التدريب فـيها، وخاصة لناحية فهم الحساسيات الإثنية والعرقية.
لقد وعد حداد بتوظيف المزيد من العرب الأميركيين الأكفاء، وإننا نقدر وعوده التي طرحها فـي مقابلة مع «صدى الوطن» فـي العام 2014 قائلا: «إننا بكل تأكيد نريد توظيف أشخاص من الجالية العربية، إننا نريد أن تعكس الدائرة طبيعة المجتمع الذي نقوم بخدمته».
وإننا نتفهم أنه ليس باستطاعة قائد الشرطة أن يكون مطلعا على كافة التفاصيل فـي دائرته، ولكن ادعاءات عناصر الشرطة المستقيلين أصبحت برسم دائرة الشرطة التي يجب على قائدها تقديم الأجوبة والإيضاحات الضرورية المتعلقة بهذه المسألة، وإننا فـي الصحيفة نحث مسؤولي الدائرة والبلدية على إجراء تحقيقات فـي هذا الموضوع، للوصول إلى الحقيقة الكاملة واتخاذ التدابير التي من شأنها إصلاح دائرة الشرطة، لا سيما وأن حداد أكد -خلال المؤتمر الصحفـي الأخير- على أنه لن يتسامح مع هذا النوع من التصرفات المسيئة فـي دائرته، وإننا إذ لا نشكك بصدق قوله، لكننا نشجعه على البدء بتحقيق جدي فـي مسألة استقالة أربعة عناصر عرب من دائرته.
Leave a Reply