إنها فعلاً عصفورية خمس نجوم
لا يمر في لبنان بعد الانتخابات الطوائفية حسب قانون الستين الذي سيأخذ بلد الحرب الأهلية المتعاقبة إلى ورطة جديدة لا يجمد عقباها، إلا ويغدق فيه الغرب والشرق المديح على سوريا التي “وفت بالتزاماتها” وأثبتت عدم تدخلها في الانتخابات المهزلة بدليل أن ١٤ آذار وصبيتها يسرحون اليوم ويمرحون كأغلبية عددية في “برلمان الفكاهة”.
ولله الحمد فإن المعارضة لم تحصد أغلبية المقاعد (وإن لم تنكسر وفازت شعبياً) لأن الدنيا كانت قد قامت ولم تقعد واتهمت الاستخبارات السورية بتزوير الانتخابات وطعن الديمقراطية ولأطلقت عليها أسماء ما أنزل الله بها من سلطان ولعوقب لبنان ولحوصرت سوريا مجدداً على “وقاحة” التدخل في بلد “مستكل” ذو “سيادة” بفضل ثورة (حراس) الأرز (على حد تعبير الكاتب أسعد أبو خليل) من عتاة اليمين الفاشي المتطرف حيث من المضحك أن تستعمل كلمة “ثورة” مع اليمين الذي هو بنيوياً ضد أي تغيير فما بالك بالثورة والتغيير الشامل، خصوصاً إذا كان اليمين “لبناني طائفي عنصري يؤمن بالتطهير العرقي” وأهم إنجازاته المجازر الطائفية والذبح على الهوية!)
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فلا بد من الوقوف على سلسلة المواقف التي يطلقها مؤخراً اليميني رئيس حزب “العائلة” الذي كان شرارة الحرب الأهلية في ١٣ نيسان ١٩٧٥، هذه المواقف التي “تفوق” فيها على “عميد” المتطرفين سمير جعجع الذي طرده يوماً من لبنان بعد أن انتهت مدة رئاسته شر طردة ونفاه إلى الخارج.
أمين الجميل هذا الذي اشمئزت نفسه يوماً من حديث السيد حسن نصر الله عن أشلاء إسرائيل، لكنها لم تحرك ساكناً أمام الأطفال وأشلاء أهل قانا وسائر قرى الجنوب الأبطال يشن حملة على سلاح المقاومة بلا سابق إنذار آملاً أن يشد عصب جمهوره إليه بعيداً عن “التيار الوطني الحر” بعد أن عبد له “البطرك العروبي” بامتياز (ليوم واحد فقط) الطريق بانحيازه الفاضح لجماعة ١٤ آذار وتدخله في السياسة رغم مبدأ الكنيسة بفصل الدين عن الدولة! ولكن مع هذا نراه يومياً يستقبل جحافل من الزوار ويودعهم، أكثر من رئيس الجمهورية نفسه وكأنه الرئيس الفعلي للبنان، ثم يطلق تصاريح سياسية فاقعة وعندما يسأل عما يقصد مثلاً بكلامه عن “مهددي الهوية العربية” للبنان، تهب جوقة الشتامين والصغار في ١٤ آذار للرد والتحذير من “المؤامرة الرهيبة” على مقام البطريركية فيرد “بطرك إنطاكية” التحية بمثلها ويشكر المدافعين عنه ضد الذين “رشقوه” بـ..سؤال!
بالعودة إلى أمين الجميل الذي لم يعرف عنه حمل ما يشبه المبدأ أو الضمير الوطني، بل عرف بـ ١٠ بالمئة وبالسمسرة وبصفقة طائرات “البوما” الفرنسية وبانهيار العملة الوطنية، حذر من الحديث عن ٧ أيار جديد وأعاد ذكر الحديث المقتطع أنه يوم مجيد، مع أنه يعلم أن ٧ ايار جاء ليمنع ١٧ أيار إسرائيلي جديداً الذي هو اتفاق العار والخيانة وكان هو عرابه ومروجه.
لقد أطلق أمين الجميل كذبته وصدقها تماماً كجحا، أفلا يخجل من القول أن سلاح المقاومة يشكل تهديداً ووسيلة ضغط سياسية في وقت فاز هو وحلفاؤه بالأغلبية ولم تسجل عيون الكون التي جاءت إلى لبنان لتراقب الانتخابات، أي خرق أو فرض رأي بقوة السلاح، كما تلاحظ هذه اللجان العالمية حجم الأموال الطائلة والرشاوى التي دفعت لشراء الأصوات؟
الأكثر جدوى لأمين الجميل وجماعته أن ينعوا هذا “الاستقلال” المزعوم بعد مهزلة محادثات تاليف الحكومة الجديدة. فالذي يأكل من خبز السلطان عليه أن يضرب بسيفه والجهة الممولة “لانتخابات” لبنان الهزلية بأكثر من مليار دولار ستكون هي المالكة لقرار “الاستقلاليين” و”السياديين” وليريحونا بعد اليوم من تعبير “ثورة الأرز” حقيقة بعد الذي شهدناه بأم عيوننا كيف تطبخ الحكومة في الخارج ولكن شرط ألا تتدخل سوريا فالكل مسموح له بالوصاية والتدجين، أما زيارة سوريا قبل التكليف فإنها تضعف استقلال لبنان الذي خلق أصلاً ليكون غير مستقل. ولكن مهلاً يهنئون سوريا ويكيلون لها الثناء على عدم تدخلها، لكنهم اليوم يلومونها على عدم تدخلها مع المعارضة لثنيها عن فكرة الثلث الضامن؟!
“احترنا يا قرعة منين بدنا نبوسك”!
بل الأهضم من كل هذا أن السعودية تقترح عقد قمة في دمشق ينضم إليها سعد الحريري ثم تدعى الكتل النيابية الكبرى وتتم المصالحة بين الجميع، ثم توافق سوريا على الفكرة الجهنمية لكنها تخنق في مهدها لأن مروان حمادة وسمير جعجع -على ما قيل- يستنجدان بعرابهما جيفري فيلتمان (ما غيره) وبمصر حسني مبارك فيتم لجم الاندفاعة السعودية ذلك لأن مزاعم “١٤ آذار” وكلامها الكبير ضد سوريا سيذهب عندئذ في الهواء رغم أن الجمهور المستنفر لدى الجماعة لا يناقش ولا يحاسب. ألم يقل جنبلاط مؤخراً إن ١٤ آذار قامت على أساس إلغاء الغير وإن “لبنان أولا” يقصد فيه محاصرة سوريا؟
وبالمناسبة فإن جنبلاط يضع رجلاً في “البور وأخرى في الفلاحة” هذه الأيام مستعيداً بعض الأدبيات في وجه أطروحات الكتائب والقوات التي كادت تنتصر كلبنان الحيادي كسويسرا (أولاً) البعيد عن قضايا العرب (الذين أصبحوا بلا قضية ولا موقف)، والدولة القوية العادلة (في وجه الشعب الفلسطيني لا الاعتداءات الإسرائيلية) وإعادة صلاحيات رئيس الجمهورية (أي إعادة الطائفية والمارونية السياسية إلى سابق عهدها).
ولقد شن جنبلاط هجوماً على سامي الجميل والانعزالية بشكل عام فارتأى حزب “العائلة” ألا يرد مباشرة، لكن “العراب” في هذه العائلة يبدو أنه أراد أن يصب جام غضبه وحقده على الغير.. إنها فعلاً عصفورية بخمس نجوم!ٍّ
Leave a Reply