ديربورن – خاص “صدى الوطن”
قبل انطلاق السباقات الانتخابية لعام ٢٠١٠ في ولاية ميشيغن، كان الحذر يخيم في المخيم الديمقراطي، وأكثر المتفائلين فيه كانوا يعزون النفس بأنه بأسوأ سيقدر مرشحي الحزب على الحفاظ على الأغلبية في مجلس النواب في لانسنغ، ولكن حتى ذلك لم يتحقق. فبالإضافة الى الحالة المزرية التي وصل اليها اقتصاد ميشيغن، والنفور الشعبي من سياسات حاكمة الولاية جنيفر غرانهولم وخلفها الرئيس الأميركي باراك أوباما، لم يقم المرشحون الديمقراطيون بحملة انتخابية جادة الى العديد من المناصب بما في ذلك سباق الحاكمية! الأمر الذي أدى، بطبيعة الحال، الى هزيمة مدوية حولت ولاية ميشيغن المعروفة بتوجهاتها الديمقراطية، الى ولاية حمراء، جمهورية خالصة.
ورغم ان حالة عدم الاستقرار في المزاج الوطني للناخبين انسحبت في عديد الولايات الاميركية، إلا أنها تجلت بوضوح في ميشيغن، حين حصد الجمهوريون مناصب حاكم الولاية وسكرتارية الولاية والمدعي العام، اضافة الى مقاعد المجالس التربوية في الولاية، كما سيطروا على كونغرس الولاية بمجلسيه (الشيوخ والنواب) وكذلك قلبوا الدفة في محكمة ميشيغن العليا لصالحهم (أربعة قضاة مقابل ثلاثة).
وبغض النظر عن النتائج الساحقة، فقد اشارت الدلائل مبكراً، الى ان سفينة الديمقراطيين كانت في طريقها نحو الارتطام بالصخور ففي كانون الاول (ديسمبر) الماضي، أعلن رئيس بلدية لانسنغ فيرج بيرنيرو بأن نائب حاكمة الولاية جون شيري ليس بإمكانه الفوز بمنصب الحاكمية، كونه لم يترك مسافة بينه وبين غرانهولم، والتي في حينها لم تحقق اكثر من 30 بالمئة من رضا المستطلعين. وبرغم ان شيري كان المرشح الديمقراطي الابرز خلال 2009 لخوض السباق، إلا ان بيرنيرو بتصريحه هذا عبّر عما كان يدور في اذهان العديدين من قادة الحزب.
انسحب شيري من السباق مطلع 2010 بحجة عدم قدرته على جمع التبرعات اللازمة لتمويل حملته الانتخابية عبر محطات التلفزة، والتي تعد عنصراً حاسماً في السباق، وهذا ما دعا مسؤولين ديمقراطيين بارزين الى الاحجام عن الترشح لهذا المنصب، من امثال هؤلاء رئيس بلدية ديترويت الاسبق دنيس آرتشر، ومحافظ مقاطعة وين روبرت فيكانو، والنائب في الكونغرس الاميركي بارت ستوباك، في حين انسحب امين الصندوق في مقاطعة جينيسي دان كيلدي بعد ان اخفق في الحصول على دعم الاتحادات العمالية، في حين امتنعت سيدة الاعمال وعضوة مجلس امناء “جامعة ميشيغن” دنيس لتيش عن الترشح، وكذلك فعل المدير التنفيذي لاتحاد “ميجور ليغ بيسبول” روبرت باومان.
وأمام كم الديمقراطيين الرافضين للترشح للحاكمية باعتبار الوقت غير ملائم، دخل السباق بيرنيرو الذي لم يكن معروفا خارج لانسنغ، ولم يكن بحوزته الكثير من المال، ودخل معه كذلك رئيس مجلس النواب في الولاية الن ديلون، الذي كان واثقا ان قاعدته الشعبية في جنوب شرق ميشيغن وعلاقاته بمنظمات الاعمال -بما لديها من مال- ورؤاه المعتدلة، جميعها عناصر ستمكنه من تسمية الحزب الديمقراطي، لكن معارضته للإجهاض وتأييده لقانون الرعاية الصحية الوطني، جعلت الاتحادات العمالية تنفض من حوله، وتتجه لدعم بيرنيرو بملايين الدولارات، الذي فاز في الانتخابات التمهيدية بفارق 18 نقطة بعد أن كانت الاستطلاعات جميعها تشير لفوز ديلون قبل أيام قليلة.
وبذلك كانت المفاجأة من خلال الدعم العمالي، فتمكن بيرنيرو الذي لم يكن قادرا قبل أيام من موعد الانتخابات التمهيدية على تمويل اعلان تلفزيوني واحد، للفوز.
أما على الضفة الجمهورية فقد كان هناك “عجقة مرشحين” للفوز بترشيح الحزب للحاكمية. السباق حسمه رجل الاعمال ريك سنايدر الذي كان يراقب الصراع الدائر فيما بين خصومه الاربعة متحاشياً حتى الظهور في المناظرات الجمهورية، وتمكن سنايدر من خلال “التكتيك” الذي اعتمده، والذي يقضي بتحييد نفسه عن الخوض بالنقاشات، بالحفاظ على قاعدته الجماهيرية، في حين غرق منافسوه المحافظون في “البلبلات” الانتخابية التي شقت اصوات الناخبين المحافظين في الحزب، وامكنه ذلك من جذب المزيد من اصوات المعتدلين الجمهوريين، وكذلك المستقلين وحتى بعض الديمقراطيين,وذلك اهلّه للفوز بتسمية الحزب.
منذ اوائل آب (اغسطس) (بعد الانتخابات التمهيدية)، انفق سنايدر 2,3 مليون دولار على حملته الاعلانية والتي ركز على اظهار نفسه بمظهر الرجل الجاد الذي لايكلّ ولا يملّ، الذي جاء من خارج البيروقراطية السياسية، ليضع حداً للتخبط في لانسنغ وينقل الولاية نحو الازدهار الاقتصادي وخلق الوظائف لمواطنيها. وكان سنايدر قد انفق 6,1 مليون دولار في الانتخابات التمهيدية للفوز بتسمية الحزب، وظفها في تمويل اعلاناته المستمرة، التي صورته على انه رجل لا يشق له غبار في مواجهته للمشاكل وقدرته على حلها.
وبالعودة الى الضفة الديمقراطية المتشققة قابلت اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي في ميشيغن فوز سنايدر حملة ضعيفة اتهمت فيها سنايدر بنقله الوظائف الى خارج الولايات المتحدة ابان ترؤسه لشركة “غيت واي” للحواسيب، وكان لتلك الحملة اثر ضئيل على شعبية سنايدر.
وقبل يوم الحسم في ٢ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، كان نصف الناخبين المحتملين يؤيدون سنايدر، إلا انه عشية الانتخابات انحدرت نسبة المؤيدين لـ بيرنيرو الى 35 بالمئة، برغم دعم معظم الاتحادات العمالية له بالمال وتوزيع المنشورات ودق الابواب من منزل الى منزل، ودعم من الحزب الديمقراطي وبرغم حصوله على دعم مالي 5,4 مليون في مقابل خمسة ملايين تلقاها سنايدر من اتحاد حكام الولايات الجمهوريين، لكن بيرنيرو لم يكن بوسعه مجاراة سنايدر في جمع التبرعات، مثلما لم يكن بوسع الحزب الديمقراطي مجاراة الحزب الجمهوري في هذا الشأن، في الفترة بين 23 آب و17 تشرين اول، سنايدر جمع 3,5 مليون دولار من المتبرعين في القطاع الخاص، في مقابل 744 الف دولار جمعها بيرنيرو اضافة الى 1,1 مليون دولار من حكومة الولاية. وعليه فان بيرنيرو لم يستطع منذ الانتخابات التمهيدية ولحين موعد الانتخابات العامة ان يجاري سنايدر في قدرته على جمع المال الانتخابي. وكان على بيرنيرو ايضا ان يتحمل وزر اللامبالاة الديمقراطية، في مقابل تحفز المستقلين باتجاه الحزب الجمهوري. وأكبر دليل على الاستسلام الديمقراطي في ميشيغن هو تمنع الرئيس باراك أوباما من زيارة الولاية لدعم مرشحي حزبه، واكتفى الديمقراطيون بإرسال الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون برحلة استمرت لساعتين جاءت من باب “رفع العتب”.
بالمحصلة. كان عدد المقترعيين الديمقراطيين في الانتخابات الاخيرة اقل بـ300 الفا عن نظيرتها عام 2006، بحسب خبير السياسات الاستراتيجي إد ساربولس، والذي اضاف ان 31 بالمئة من المقترعين في ديترويت، وهي عرين الديمقراطيين توجهوا لأقلام الاقتراع في مقابل 37 بالمئة قبل اربع سنوات، ولعل الديمقرطيين شعروا ببوادر التراجع، حين لم يحضرو المهرجان الانتخابي في ديترويت قبيل الانتخابات بعشرة ايام سوى 500 شخص، مع ان بيل كلينتون كات قد حضره.
Leave a Reply