نبيل هيثم – «صدى الوطن»
«أخطر يوم في تاريخ السعودية»… عبارة استخدمها أكثر من إعلامي يوم الثامن والعشرين من أيلول (سبتمبر)، في سياق الحديث عن التداعيات المحتملة لتصويت الكونغرس الأميركي على قانون مقاضاة نظام آل سعود عن هجمات 11 أيلول العام 2001.
«الفيتو الرئاسي» الذي استخدمه باراك أوباما، قبل أسابيع، ضد مشروع قانون «جاستا»، والذي احتفت به وسائل الإعلام السعودية، سقط بشبه إجماع في مجلس الشيوخ (97-1) وبغالبية ساحقة في مجلس النواب (348 مقابل 77)، وبات على السعودية أن تواجه مزيداً من الضغوط السياسية والديبلوماسية، وحتى المالية، حينما تبدأ عائلات ضحايا الهجمات الإرهابية في ملاحقة أمراء آل سعود، بوصفهم «رعاة الإرهاب».
قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب» تدحرج ككرة الثلج في وجه نظام آل سعود، منذ بدأ النقاش التشريعي حوله في مطلع العام الجاري، وذلك بعد أعوام من اتهام السعودية، وشخصيات من الأسرة الحاكمة، بدعم ومساعدة منفذي هجمات 11 أيلول، فضلاً عن كون معظم منفذي الهجمات سعوديي الجنسية (15 من أصل 19). الإجراءات التشريعية هذه انطلقت بعد سنوات من التعتيم على الدور السعودي في هجمات 11 أيلول. وإذا كانت العلاقات القوية بين الأسرة الحاكمة في المملكة النفطية بالرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش وسلفه أوباما، قد حصّنت أمراء آل سعود من المثول أمام العدالة الأميركية، فإن التحولات التي شهدتها النظرة الأميركية للدور السعودي في دعم الإرهاب، في ظل اشتداد عود التنظيمات الجهادية في الشرق الأوسط، والتي امتد نشاطها إلى أوروبا والولايات المتحدة نفسها، قد سرّعت عملية سقوط الحصانة السياسية عن النظام السعودي، وعززت موقف رافعي الدعاوى القضائية من ذوي ضحايا هجمات 11 ايلول لإثبات مسؤولية السعودية، والحصول منها على تعويضات، يرجح أن تكون هائلة.
دعم الإرهاب
كل ذلك يضع السعودية في موقف صعب للغاية أمام حليفها الأميركي، فإذا كان الرئيس باراك أوباما قد عجز عن حماية الحليف السعودي، في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، فإن الموقف السعودي سيزداد تعقيداً، بعد هذه الخطوة، سواء انتهى السباق الرئاسي بوصول هيلاري كلينتون المدعومة من السعوديين الى البيت الأبيض، أو غريمها الأكثر تشدداً إزاء الخليجيين دونالد ترامب.
ولا يقتصر الأمر هنا على الدعاوى القضائية أو التعويضات المالية التي ستضطر السعودية، عاجلاً أم آجلاً، إلى دفعها، ولا حتى على الآثار المحتملة لخطوات كهذه على العلاقات الأميركية–السعودية، فأهمية الحراك التشريعي–القضائي ضد نظام آل سعود سيفقده الكثير من الأوراق التي كان يمتلكها خلال السنوات الماضية، في مختلف الحروب التي يخوضها سياسياً وديبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً، بالمباشر أو بالوكالة، في سوريا واليمن، ناهيك عن الحرب المفتوحة التي أعلنها الثلاثي سلمان والمحمّدان ضد إيران.
ولم يعد يخفى على أحد أن السعودية كانت من أوائل الدول الداعمة للتنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط في مرحلة «الربيع العربي» -وقبلها بسنوات في افغانستان– وبتثبيت قانون «محاسبة رعاة الارهاب»، سيكون من الصعب عليها الاستمرار في هذا الدعم، الذي لا يستطيع نظام آل سعود أن يغسلوا ايديهم منه، كما فعلوا حين صدر قرار مجلس الأمن 2170 بشأن سوريا، والذي تضمن اقراراً بالطلب الروسي الخاص بتحديد الجماعات الإرهابية، لا بل أن السعودية استبقت القرار الأممي بقائمة جديدة لتنظيمات تعتبرها إرهابية، في ما بدا إجراء وقائياً كذلك الذي اتخذته ضد تنظيم «القاعدة» بعد انتفاء دوره في افغانستان عقب تفكك الاتحاد السوفياتي في تسعينات القرن الماضي.
تبعات اقتصادية
وطالما أن السياسة هي اقتصاد مكثف، فإن التداعيات الاقتصادية لقرار الكونغرس لا بد أن تترك أثرها الآني والمستقبلي على الاقتصاد السعودي، الذي يستمر نزفه، في ظل المغامرات غير المحسوبة لولي ولي العهد، سواء في اليمن، حيث يتبدّى العجز السعودي أمام إرادة الصمود للشعب اليمني، أو في الحرب النفطية الخاسرة ضد إيران، أو في استمرار الفشل بإسقاط الدولة السورية.
لم تكد تمضي ساعات على زلزال الكونغرس حتى هبط الريال السعودي مقابل الدولار، بشكل ملفت للانتباه، وهو أمر يحمل الكثير من الدلالات، بالنسبة إلى الاثر المحتمل لتدهور العلاقات السعودية–الأميركية في المرحلة المقبل، وبعد سلسلة اجراءات تقشفية اتخذها النظام السعودي قبل أيام، التي شكلت صدمة لكثيرين في الداخل السعودي.
والقرارات الصادرة عن الملك سلمان تنص من بين ما تنص على «تخفيض راتب الوزير ومن في مرتبته بنسبة 20 بالمئة»، و«تخفيض مكافأة عضو مجلس الشورى بنسبة 15 بالمئة»، كما تنص أيضاً على تخفيض الإعانات السنوية التي تصرف لأعضاء مجلس الشورى لأعراض السكن والتأثيث أيضا بنسبة 15 بالمئة، إضافة إلى تخفيضات أخرى تطال المبالغ الممنوحة للأعضاء لشراء السيارات، وتكاليف قيادتها وصيانتها وما تستهلكه من وقود، في حين استثنت القرارات الملكية العسكريين المشاركين في الأعمال العسكرية على الحدود السعودية اليمنية، والمشاركين في العمليات العسكرية والاستخبارية والأمنية خارج السعودية.
ويشير اقتصاديون سعوديون، في معرض تبريرهم الإجراءات الأخيرة أو التهوين من شأنها، إلى أن قرارات العاهل السعودي، تأتي في إطار سياسة التقشف وخفض النفقات الحكومية، أي انها إجراءات «إصلاحية» في إطار «الرؤية المستقبلية» لاقتصاد المملكة.
ولكن ما لا يقوله المحللون السعوديون أن ما يتخذه البلاط الملكي من إجراءات تقشفية يعود بالدرجة الأولى إلى حرب الاسعار التي شنها قبل اكثر من عامين ضد ايران على وجه الخصوص، والتي ادت إلى انخفاض في أسعار الخام إلى ما دون الخمسين دولارا للبرميل وبالتالي تراجع إيرادات المملكة، في ما جعل كثيرين يصفون السلوك السعودي، بالرجل الذي يطلق النار على قدميه.
وبالفعل، فإنه نتيجة لحرب الأسعار النفطية تلك، فقد سجل الاقتصاد السعودي عجزاً كبيراً العام الماضي، وصل إلى 98 مليار دولار، وهو العجز الذي دفع السعودي، إلى الإقدام على خفض في الدعم الحكومي المقدم على الوقود والكهرباء والمياه في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
ويضاف إلى ذلك، أن ثمة من يعتقد بأن الدوافع وراء إجراءات التقشف المتتالية، من قبل الحكومة السعودية لا تعود إلى انخفاض الإيرادات، بفعل التراجع الواضح في أسعار النفط فحسب، وإنما تعود في جانب كبير منها أيضا إلى تورط السعودية في جبهات قتال إقليمية، فتكاليف العملية العسكرية التي تقودها السعودية ضد اليمن منذ أكثر من عام، وتورطها في الصراع الدائر في سوريا، يرهق الميزانية السعودية كثيراً، ناهيك عن صفقات السلاح الجنونية التي تبرمها المملكة!
أمام المجهول
في خضم الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، تأتي خطوة الكونغرس الأميركي لتضع السعودية أمام المجهول. كاتب سعودي مقرّب من نظام آل سعود علّق على ما جرى قائلاً: «تسألني عن التوتر في العلاقات السعودية-الأميركية، الصورة قبيحة، وقد تكون أقبح في المستقبل عندما تضطر السعودية مثلاً الى أن تدافع عن اموالها في الولايات المتحدة، بعدما يصدر أي قاض في محكمة نيويورك مثلاً حكماً أولياً بإدانة السعودية، ثم يأتي حكم آخر بتجميد حسابات، وندخل في نزاعات قضائية، وهذا بالتأكيد -وإن لن يدمر العلاقات الثنائية- فإنه سيؤثر فيها تأثيراً سلبياً للغاية».
ربما نجحت السعودية في السابق في احتواء الكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية، ومن المرجح أنها لا تزال تملك القدرة على ذلك، ولكن ما لا تملكه هو العقل السياسي القادر على السير في حقل الألغام، وهو ما يؤكده الثلاثي سلمان والمحمّدان يوماً بعد يوم… وآخر فصوله الإعلان، تزامناً مع تطوري الكونغرس والتقشف، عن استعدادات تقوم بها لبدء تدريبات «درع الخليج-1» في مياه الخليج ومضيق هرمز وبحر عُمان… وهي خطوة لا تعني سوى أن نظام آل سعود ما زال يعاني من «إيرانوفوبيا» مزمنة ستدفع صاحبها، عاجلاً أم آجلاً، إما الى الانطواء العلاجي، أو إلى الانتحار!
Leave a Reply