حين يخرج الفنانون اعمالهم على الناس، فإن المرء يجب أن يتوقف قليلا أمامها، سواء اتفق معها او اختلف فقد يكون يكون وجه الاستغراب هو بعينه سر نجاح العمل الفني أو فشله.
هنا، بعيدا عن الوطن، ينتظر المستمع أو المشاهد على حد سواء وبفارغ الصبر نزول بعض الأعمال الفنية المحلية إلى الساحة، ويهيئ نفسه لأخذ إجازة من نكد الحياة وضغوطها، وهذا ما حصل لنا نحن المشاهدين بعد الدعاية والانتظار لمشاهدة مسرحية “شوفو الواوا وين” للفنان ناجي مندلق، حيث أنني شخصيا اعتبر نفسي من المعجبين بفنه التلقائي القريب من مجتمع عربي ننتمي إليه هنا في الغربة أو المهجر. هذا المجتمع بما يضعه في مقدمة رموزه الشعبية المعاصرة، يبقى مجتمعنا وأهلنا، وشخصية “أم حسين”، التي يؤديها مندلق، الذي ألح الحاحا حتى الإصرار –على رأي الفنان عادل إمام في إحدى مسرحياته- في محاولة ساذجة، هذه المرة، لإلباس الجدية على مشوارها الفني (20 عاما) فلم تنجح شخصية “أم حسين” في إقناعنا أنها ترمز إلى فئة من الجالية العربية بكل تناقضاتها.
في القسم الأول من المسرحية كان الحوار الطويل الممل بين “أم حسين” و”أبو الياس” والشرطي يفيض بالهزل الفارغ واللعب على الكلمات بين الإنكليزية والعربية، في أسلوب ركيك ورتيب، عجز أن يقدم جرعة الفكاهة اللذيذة التي كان ينشدها المشاهد علها تخفف عنه الكثير من الكآبة والضغوط التي يعاني منها.
للأسف بعض الكلمات المؤثرة المبكية التي حشرها في الحوار –بدون داعي- مثل الخلاف على العيد، ومعنى الصيام، وتأليف الحكومة في بيروت والإشارة إلى المقاومة في جنوب لبنان .. للأسف تلك الحوارات الطويلة قصُرت عم مجاملة الجمهور المملوء بالميلودراما من جراء ما يعانيه هنا في أميركا ومن عذاب وإدمان مشاهدة نشرات الأخبار والبرامج السياسية والمسلسلات الدرامية. سألت من معي بعد انتهاء الفصل الأول، أن نغادر المسرح، لم يوافقوا، أصروا أن “يشوفو الواوا وين”.
كان من الممكن اختصار المسرحية وعدم تحميلها حوارات مكررة سابقة كتحصيل حاصل حتى أصابها الترهل والتعب الذي بدا واضحا على “أم حسين” خلال متابعتها اليومية للأحداث هنا في الغربة أو هناك في الوطن وقد ضاع منها التاريخ والوقت وفرضت عليها الحاجة ألا تشعر بالملل جراء ذلك، لكن المتبع لتأديتها الدور، شعر بالدوخة والدوار جراء التكرار.
بدون شك، أن الفنان ناجي المندلق وفرقة “أجيال” معه، بذلوا أقصى ما لديهم لتقديم عمل فني جميل. وبدون شك أيضا، أنهم جميعا غير متفرغين للفن ولديهم أعمال أخرى للعيش. والفن كما يقول المثل المصري “كالفريك لا يحب الشريك”، والفن –أيضا- هنا في الغربة لا يطعم “فريكا ولا برغلا”، والجمهور الكبير الذي رأيته في العرض المسرحي، ثقته، ومحبته لناجي المندلق، كانت الدافع والمحرك ليذهب ويحضر العرض، الذي برأيي، وأتمنى أن أكون مخطئة، كان دون العروض السابقة لفرقة “أجيال” ممثلة بشخصية أم حسين. تلك السيدة البسيطة القادمة من جنوب لبنان والتي بجهدها وعرقها استطاعت بناء حاضر ومستقبل لها ولأولادها ومنهم حسين الذي عمل السبعة وذمتها، وخسر كل شيء خلال المضاربات والنصب والاحتيال وسلوك الطريق السهل للإثراء، لكن الأم الطيبة أم حسين لم تيأس من ولدها حسين التي كانت قاسية عليه خلال المسرحية وتصفه “بالغباء والحمرنة” فسامحته وشجعته على البدء في عمل جديد بدون مرارة وبدون واوا.
Leave a Reply