علي حرب – «صدى الوطن»
على خلفـية انعدام الود والتعاون بين أصحاب محطات الوقود وبلدية مدينة ديترويت، اجتمع ما يقارب الخمسين شخصا من رجال الأعمال العرب والكلدان الأميركيين فـي قاعة «بيبلوس» بمدينة ديربورن، الثلاثاء الماضي، لمناقشة أفضل السبل لحل المشكلات العالقة والمستمرة مع البلدية التي تدير ظهرها لمطالبهم وشكاويهم فـي ظل التحولات السريعة التي تشهدها المدينة.
وعقد المجتمعون – الذين يملكون حوالي مئة محطة وقود فـي المدينة – عزمهم العمل على تعزيز الجهود المشتركة والتحرك تحت مظلة واحدة لمواجهة التحديات الناتجة عن سياسات البلدية ودوائر الخدمات المختلفة على المستويين القانوني والسياسي، حيث يعاني أصحاب المحطات من تحرير تعسفـي للمخالفات الباهظة بحقهم إضافة الى زيادة الرسوم والضرائب رغم تدني الخدمات والأمن، ويضاف الى كلّ ذلك، المعاملة غير اللائقة من قبل رجال الشرطة والبلدية تجاه أصحاب المحطات والعاملين فـيها.
شاكر عون يتحدث خلال اجتماع أصحاب المحطات في قاعة بيبلوس بديربورن.(صدى الوطن) |
ونتيجة لهذا الوضع، يشعر مالكو المحطات العرب والكلدان الأميركيون بالمظلومية والغبن، لاسيما وأن محطاتهم التي يزيد عددها عن 300 فـي ديترويت، تمد خزينة البلدية بحوالي 50 مليون دولار سنوياً، من عائدات الرسوم والضرائب، كما أنها لطالما شكلت العمود الفقري للحركة التجارية فـي المدينة خلال عقود الانحدار.
الوضع لا يطاق
وبحسب رأي سائد لدى المجتمعين، فإن إدارة رئيس البلدية مايك داغن تستهدف بشكل متعسف وغير مبرر المتاجر الصغيرة ومحطات الوقود وتقوم باستقصائهم وتشديد المراقبة عليهم، بدل تركيز دورها على معالجة الأوضاع الأمنية المتدهورة، الناتجة عن تفاقم الجريمة فـي المدينة لسنوات طويلة.
ووافق المجتمعون على أن تتولى لجنة «تراي كاونتي للأعمال» مهمة العمل والتنسيق على عدة مستويات من أجل تسوية المشاكل المستعصية بين أصحاب المحطات وبلدية ديترويت، وسوف تعمل على تشكيل جماعة ضغط «لوبي» من السياسيين المحليين، لدعم مهمتها فـي تسهيل المعاملات والعمل على الحد أو إيقاف سياسة تحرير المخالفات المتبعة التي تثقل كاهل أصحاب المحطات.
وشدد رئيس اللجنة رجل الأعمال شاكر عون على ضرورة التحرك السريع والعمل المنظم للتعامل مع تلك المشكلات وحلها، بالقول: «البلدية تضغط علينا بشتى الوسائل.. إلى جانب ما نتعرض له من قبل رجال الشرطة والمفتشين وموظفـي الضرائب وحتى الإطفائيين». وأضاف أنه يسمع باستمرار، عن حالات تحرش لفظي ينم عن تمييز عنصري لدى رجال الشرطة ضد مالكي المحطات من العرب والكلدان، ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام.
وقال عون إن مالكي المحطات يعانون الأمرين فـي أروقة المحاكم، التي وصفها بـ«العصفورية»، وقال «إن اللجوء إلى المحاكم والاعتراض على المخالفات غير العادلة لا يفضي فـي أغلب الأحيان إلى النتائج المرجوة بل يكلف مالكي المحطات مزيدا من الوقت والجهد الضائعين، ومزيدا من الأموال نتيجة اضطرارهم إلى دفع رسوم إضافـية للاستئناف.
لا تتركوا ديترويت بعد كل هذه السنوات
وأبدى ناشر صحيفة «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني تفهمهه لمشكلات مالكي المحطات ومعاناتهم المستمرة والمكلفة التي جعلت البعض منهم يفكرون جديا بالتوقف عن الاستثمار فـي ديترويت. لكن السبلاني طالب الجميع بالبقاء فـي المدينة ومواصلة جهودهم لحل ما يعترضهم من صعوبات وعقبات. وقال «إنه لمن الخطأ الكبير مغادرة ديترويت فـي هذا الوقت.. لأن فرصة عودة هذه المدينة إلى الازدهار كبيرة جداً ونحن لنا دور فـيها». وأضاف «لقد دفعت الجاليتان العربية والكلدانية أثمانا باهظة للحفاظ على مصالحها فـي ديترويت، فعندما غادر الجميع المدينة نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية بقينا هنا وصمدنا أمام مختلف أنواع الضغوط.. بما فـيها اعتداءات اللصوص والمجرمين وتجاهل الشرطة لاستغاثاتنا، كما تأذى الكثير من أبنائنا، نتيجة ذلك وفقدنا العديد منهم فـي حوادث قتل مما جعلنا وفـي أحيان كثيرة ندفع ثمن بقائنا وثباتنا من دماء وأرواح أبنائنا».
وشدد السبلاني على ضرورة البقاء فـي المدينة، بالقول: «ما دمنا صبرنا كل تلك السنين وقدمنا التضحيات فعلينا الاستمرار.. إذا كنا سنترك ديترويت الآن، فسيلحقنا العار»!
وطلب السبلاني من المجتمعين أن ينظموا أنفسهم وألا يبخلوا بصرف المزيد من الجهد والوقت والمال لحماية مصادر رزقهم، وقال: «الأقوياء فـي عالم الأعمال هم فقط من يمكنهم حماية أرزاقهم ومصالحهم أما الضعفاء والمنقسمون فسوف يخسرون».
وفـي هذا الإطار، أشاد السبلاني بتجربة «جمعية الصيادلة العرب الأميركيين» التي عمل أفرادها صفاً واحداً كالبنيان المرصوص واستطاعوا أن يفرضوا وجودهم وقرارهم واحترامهم فـي مجال أعمال الصيدلة.
استقصاد العرب؟!
بدوره، وصف المحامي هلال فرحات ما تتعرض له محلات الأعمال العربية والكلدانية فـي ديترويت من مضايقات مقصودة «بالسياسة الممنهجة التي تستهدف أعمال العرب والكلدان»، وقال «عندما أذهب إلى المحاكم لأداء بعض المهام، ألاحظ الأعداد الكثيفة من مالكي المحطات،
إما من العرب أو من الكلدان، الذين يلجأون إلى القضاء لإبداء تظلماتهم المتعددة والمتكررة وفـي مقدمتها قرار البلدية بإجبار أصحاب المحطات على دفع «رسوم الترخيص»
عن الأعوام القديمة التي لم يكونوا حينها مالكين لتلك المحطات.
ووصف المحامي فرحات، العديد من الإجراءات والشروط التعجيزية بأنها «غير قانونية» وأضاف: البلدية تجبر أصحاب المحطات أو مستأجريها على دفع رسوم الترخيص لعدة سنوات سابقة، حتى ولو كانت المحطة مملوكة لشخص آخر فـي تلك الفترة، وذلك من أجل إصدار شهادة «رخصة الإشغال» (أوكيوبيشن) أو الرخصة المتعلقة بضمان الحماية من الحرائق (رخصة الإطفاء) التي قد تصل رسومها إلى 1500 دولار سنويا.
وقال مخاطبا المجتعمين «إن موظفـي البلدية لا يحترموننا، وسوف يستمرون فـي سلوكهم على هذا المنوال حتى نوحد أصواتنا ونعمل بمثابرة من أجل فرض احترامنا عليهم وتحقيق مطالبنا، ولكن علينا فـي الوقت ذاته، الالتزام بالمعايير القانونية والشروط الإدارية، لكي نقوّي مواقفنا».
الحقوق لا تعطى.. وإنما تؤخذ
وأنحى رئيس «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية» المحامي نبيه عياد باللوم على رئيس البلدية مايك داغن لمحاصرته الأعمال الصغيرة الصامدة فـي المدينة، وخاطب مالكي المحطات بالقول «يبدو أن البلدية لا تهتم لأمركم إطلاقا، مع أنكم أنتم من حافظ على البقية الباقية من حياة هذه المدينة بعدما غادرها الجميع.. فأنتم من يقوم بدفع الضرائب، وأنتم من يواظب على الذهاب إلى العمل كل صباح متحدين الأخطار على مدى عقود فـي عاصمة الجريمة فـي العالم».
وأضاف «الحقوق لا تعطى، وإنما تؤخذ» و«من أجل نيل الحقوق وتحقيق العدالة يجب علينا العمل على جبهتين مختلفـتين، سياسيا وقانونيا»، حيث يمكن العمل على تشكيل مجموعات ضغط (لوبي) تضم السياسيين المحليين الذين يمكن أن يساهموا عبر الحوار أو الانتخابات بتحسين ظروف العمل فـي ديترويت، أما على المستوى القضائي فـيمكن رفع دعوى
ضد بلدية مدينة ديترويت بسبب سياساتها التمييزية بحيث يمكن لـ«وزارة العدل» الأميركية النظر فـي هذه السياسات والبت فـيها.
ولفت عياد إلى وجود وجهة نظر فـي الدوائر الرسمية ديترويت مفادها «أن أعمال العرب التجارية هي أهداف سهلة للحصول على المال»…
وعلى الرغم من اتفاق الجميع على وضع خطة عمل والمضي بها قدما، إلا أن بعض الحاضرين عبّروا عن إحباطهم من الوضع المزري الذي علقوا فـيه منذ مدة طويلة، ورأوا أن الشكاوى والاجتماعات لا تغير شيئا من الواقع المضني الذي يجثم على صدور الجميع.
Leave a Reply