مع أننا في عز الصيف، إلا أنه من الواضح أن سماء ديربورن باتت ملبدة بغيوم سوداء، شديدة الكثافة، على خلفية المشهد الانتخابي الذي شهد في الأسابيع الأخيرة مزيدا من الاستقطابات والانقسامات المؤسفة بين أبناء الجالية العربية، على خلفية السباق المحتدم على منصب قاض في محكمة ديربورن بين المرشحتين العربيتين آبي بزي وسوزان دباجة والمرشح جين هانت.
ورغم دعواتنا الدائمة، في «صدى الوطن» على مدى العقود الثلاثة الماضية، لأبناء جاليتنا العربية بالمشاركة الإيجابية في الحياة السياسية الأميركية والإقبال الكثيف على الانتخابات لترسيخ دورنا وحضورنا في موطننا الجديد، كمجتمع عربي أميركي متنوع ومتعاضد، يؤسفنا أن نرى جاليتنا اليوم مهددة بنسف الإنجازات التي راكمتها في الاستحقاقات السابقة، بسبب إصرار البعض على تحقيق انتصار شخصي مهما كان الثمن.
يؤلمنا حقاً أن نرى مستوى الخطاب العام في جاليتنا وهو ينحدر الى مستوى الحضيض الذي آثرته حملة سوزان دباجة التي لم ولن توفر وسيلة -مهما كانت دنيئة- لجمع الأصوات الكافية لحجز مقعدها تحت قوس العدالة، اعتقاداً منها بأنه حقها وما من أحد قادر على أن يسلبها إياه، وذلك رغم علامات الاستفهام الكبيرة التي تشوب ماضيها وألاعيبها السياسية التي يفترض أن تكون بعيدة كل البعد عن موقع القاضي، الذي وجد لحماية العدالة لا للاستخدام السياسي وخدمة المصالح الشخصية.
وقد تبين أن سوزان دباجة خبيرة باستغلال نفوذها لخدمة مصالحها الخاصة، من خلال توليها رئاسة مجلس ديربورن البلدي. والدليل على ذلك تخفيض ضريبة الملكية على عقار تجاري تملكه هي وزوجها، على شارع وورن في ديربورن بمقدار النصف بين العام 2014 و2015، في الوقت الذي شهد معظم مالكي المنازل والعقارات التجارية في المدينة ارتفاع فواتيرهم الضريبية في ظل تعافي السوق العقاري.
على أي حال، لسنا بصدد نشر تاريخ دباجة وسجلها المخيّب في بلدية ديربورن، ولا أساليبها السياسية الملتوية لبناء زعامة من ورق، ولا حتى طريقتها في إدارة حملتها الانتخابية التي يبدو جلياً أنها تقوم على مهاجمة الآخرين وعدم الإجابة عن الأسئلة المشروعة الموجهة لها، ظناً منها أن «الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع» عندما تنهمر عليها الفضائح من كل حدب وصوب، واعتقاداً منها بأن استعداء الآخرين أسرع طريق لشحذ حظوظها بالفوز في السباق الذي قررت خوضه بكل عناد، رغم محاولات العقلاء في الجالية ثنيها عنه.
والجدير بالذكر أن سوزان قررت الترشح بعد أكثر من شهر ونصف من إعلان آبي بزي لترشيحها، علماً بأن كلتيهما تنحدران من مدينة بنت جبيل في جنوب لبنان، مع ما يحمله ذلك من انقسام تلقائي لاحت بوادره منذ اليوم الأول من إعلان سوزان ترشيحها، حيث قام العقلاء بتحذيرها من تبعاته السلبية ولكنها أدارت ظهرها للجميع.
وحتى الآن لم تكشف سوزان أسباب قرارها المفاجئ بخوض السباق ضد آبي بزي، التي يقرّ الجميع بأنها «مؤهلة جداً» لهذا لمنصب بشهادة أصحاب الاختصاص، وذلك لخبرتها الواسعة ونزاهتها ورصانتها وابتعادها عن السياسة خلال مسيرتها المهنية، على عكس دباجة التي ابتعدت كل البعد عن اللياقة والأدبيات العامة وصولا إلى اعتمادها على وسائل رديئة من خلف الكواليس تقوم على نشر الخطابات المبتذلة وتحريض أنصارها ضد منتقديها وبث الشقاق بين أبناء المجتمع الواحد وحتى ضمن البيت الواحد.
لو كانت دباجة فعلاً تتمتع ولو بقدر قليل من المسؤولية، لكانت على الأقل لجمت بعض أبواق النشاز الناشطة في حملتها على الإنترنت، والتي تفتقر إلى أدنى حدود الأدب واللياقة ولا تتردد في استخدام أقذع التعابير في التخاطب العام -دون أي اكتراث- وكأنهم يخلعون ورقة التوت كراقصة «الستريبتيز» دون أي خجل ويفرغون شحنات أحقادهم الشخصية على مرأى ومسمع العالم.
قد يكون مطلقو هذا الخطاب المنحدر معذورين، لأنهم ببساطة لا يملكون شيئاً ليخسروه.. غير أن المسؤولية تقع على سوزان شخصياً، لأنها -حتى الآن- لم تطلق حتى ولو تصريحاً واحداً لكبح مسار حملتها المتهور الذي يسير بجاليتنا الى مستوى غير مسبوق من الانقسام والتشرذم، معتمداً على أصوات النشاز ومدّعي العلم والثقافة.
تقول القاعدة الانتهازية: إن الغاية تبرر الوسيلة.
ومع أن هذه القاعدة التي تفتقر إلى أبسط الشروط الأخلاقية تبدو مفهومة وسائدة في سياق الصراعات السياسية، إلا أنها تبقى مرفوضة وشائنة في سياق النشاطات الأخرى، فما بالك حين تستخدم في السباقات القضائية، التي يجب أن تعكس التمثيل الأخلاقي للأشخاص الذين يفترض بهم تمثيل العدالة وتطبيقها بين الناس، ففي هذه الحالة يجب أن تتماشى الوسائل الشريفة مع الغايات النبيلة.
من المؤكد أن العدالة لا يمكنها العيش والازدهار حين يتربع الفاسدون والمتردون أخلاقياً على مقاعد القضاء، كما أنه من المستحيل على شخص لا يتحلى بالنزاهة الأخلاقية أن يتحمس لتحقيق العدل.
لقد فضلت المرشحة سوزان دباجة أن تختبئ وراء إصبعها وأن تقود حملتها الإعلامية من خلف الستار كي تضرب عصفورين بحجر واحد، فهي من جهة تستمر بلعب دور الضحية البريئة لاستدرار عطف الناخبين وأصواتهم، ومن جهة أخرى.. تغض النظر (على الأقل) عن سلوكيات داعميها ومناصريها البذيئة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي وصلت الى حد يجعل المرء «يذوب في ثيابه» من شدة الخجل، بتوقيع «صوتوا لسوزان دباجة»!
الحقيقة الواضحة هي أن دباجة قررت خوض مغامرتها حتى الشوط الأخير، غير مبالية بمشاعر الانقسام التي تسود أجواء الجالية العربية، بل هي تقف موقف المتفرج من «بيانات الردح» والافتراء اليومي التي يطلقها أنصارها والمقربون منها دون أن تحرّك ساكناً.
ولكننا وبالرغم من هذه الأجواء المشحونة بالحسابات والانتقامات الشخصية، فإننا في «صدى الوطن» نرى أن الجالية العربية في ديربورن أمام استحقاق انتخابي هام من شأنه أن يؤثر بشكل حاسم على مستقبل المدينة ومسار العدالة التي هي بأمسّ الحاجة اليوم الى أصواتنا لحمايتها حتى لا تتحول محكمة ديربورن الى ساحة لتصفية الحسابات وحماية المصالح الشخصية. وبالتالي فإننا ندعو الناخبين في ديربورن للتوجه إلى صناديق الاقتراع يوم الثلاثاء القادم، للإدلاء بأصواتهم وإيصال المرشح الأفضل لحماية العدالة في مدينتنا.
لقد عملنا في هذه الصحيفة، بلا كلل أو ملل، من أجل ترسيخ الصوت العربي، انتخابا وترشيحا، حتى غدا ذا حضور مؤثر وقوة انتخابية مرجحة، خاصة في السنوات الأخيرة، ومن المحزن بحق جاليتنا أن نرى بعض الأشخاص وهم يجاهدون من أجل تحطيم ما تحقق، بدوافع شخصية رخيصة لا تخلو من الأحقاد والغيرة وتصفية الحسابات الشخصية.
أصواتكم تحمي العدالة.. وتصون إنجازات جاليتنا.. فلا تهدروها.
Leave a Reply