قد يسأل المرء هل من الممكن أن تحل الأزمة الحكومية اللبنانية بمجرد زيارة قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى السعودية واجتمع بملكها وصافح رئيس “حكومتنا” المنتهي الصلاحية منذ ثلاثة أشهر؟ قبل ذلك اجتمع العرب وتلاقوا في قمة الكويت الاقتصادية بعيد انتهاء حرب غزة، ولكن ماذا علق في الأذهان سوى ارتشاف القهوة العربية، وسوى صورة الرئيس الأسد متحدثا إلى الملك السعودي عبدالله وعن جانبيهما أميري قطر والكويت. هل استطاعوا تسوية صراع “فتح”-“حماس” على السلطة الفلسطينية، أو هل استطاعوا الضط على إسرائيل، أو هل استطاعوا تحقيق أي شيء يذكر.. اللهم إلا ارتشاف القهوة؟!
حتى إذا كان لدى العرب النية الصادقة والاستعداد الأكيد لحل المسألة اللبنانية وتسهيل تشكيل الحكومة فهل يقدرون على ذلك؟ ألم تسري الأخبار عن اعتراضات أميركية على الاندفاعة السعودية تجاه سوريا فتم تجميد الاتصالات بين البلدين؟ كل الأسئلة في هذا المضمار تبقى مشروعة ومحقة لأن المواطن اللبناني الفقير هو الوحيد الذي يدفع الثمن، ذاك المواطن الذي لم نره في المهرجانات-الإفطارات الرمضانية في قريطم وفي غيرها من “الصوامع” السياسية الممسكة برقاب العباد. ذاك المواطن الذي لم نره على موائد السياسيين يهز رأسه موافقا على ما لم يسمعه أو يفهمه بعد أن امتلأ خوره بعد يوم طويل من صيام، ربما لم يصمه أصلا..
ذاك المواطن – الفلاح – المزارع – الموظف – سائق التاكسي – المعلم – عامل الأجرة.. ذاك المواطن الذي ينخره التعب منذ ساعات الصباح الأولى وحتى انقضاء يومه في آخر المساء كدحا وسعيا لتحصيل قوت اليوم ولستر عياله وأهله.. ألا يعلم ذاك السياسي الحاكم بأمره، القابع في قصره أينما كان، أفي بعبدا أم في قريطم أم في السراي أم في عين التينة أم في المختارة، ألا يعلم ذاك السياسي (وهو يعلم) بأن هنالك في هذا الوقت من لا يستطيع سد رمق أطفاله من الجوع؟ وإذا مرضوا فلا يستطيع إدخالهم المستوصف في أحسن الحالات، بينما أطفال حضرات الزعماء إذا سعلوا فينقلون إلى الخارج وبطائرات خاصة تشق عباب السماء لتلقي العلاج والوقوف على أعراض المرض العضال!
ذاك المواطن الفقير هو من يدفع كل يوم من دمه ولحمه ثمن الآثام التي ترتكبها بحقه كل يوم الطبقة السياسية المتعفنة المتغلغلة في أحشاء المجتمع السياسي اللبناني.
ذاك المواطن الفقير هو جيش من المواطنين، هو جيش من الفقراء المحرومين من أبسط الحقوق ومن أدنى التقديمات. ذاك المواطن في أقاصي لبنان، في ما يسمى الأطراف، في عكار وفي الهرمل، في البقاع الغربي وفي عمق الجنوب. ذاك المواطن الذي لا يعرف السياح وسياحتهم، ولا يعرف عملتهم أكانت دينارا أم ريالا أم درهما أم دولارا، لا يعرف أشكالهم، ولا باراتهم وملاهيهم. فعندما تتحدث الدولة اللبنانية وتتباهى بالمليوني سائح الذين وطئوا أرضها هذا العام، يقف ذاك المواطن متعجبا ومتسائلا عما تتحدث الدولة، وعمّا يهذي به وزير السياحة إيلي ماروني!
وعندما تجرد الحسابات بعد انقضاء صيف طويل تتبجح وزارة المالية بأن مداخيلها زادت بقدر كبير، وبأن الفنادق حققت أرباحا ملحوظة، وبأن دور السينما زادت من أوقات العرض وبأن المقاهي والمرابع الليلية جنت أرباحا خيالية وبأن القطاع المصرفي حقق نموا وبأن حركة النقل الجوي زادت من إيرادات المالية وبأن وبأن…، ينظر ذاك المواطن إلى حاله متسائلا وماذا يفيدني كل ذلك، فهل أنا سائق طائرة أم سائق أجرة، هل أنا صاحب مصرف أم عامل يتقاضى الحد الأدنى للأجور، هل أنا صاحب ملهى أم مزارع يحرث الأرض كل يوم، هل أنا صاحب السينما أم بائع التذاكر فيها؟
ذاك هو المواطن اللبناني الفقير الذي لا نراه ولا يمكن أن نراه على موائد السلاطين من أهل السياسة في لبنان، ولا يمكن للسياسيين أن يروه لأنه قرر أن يبقى صامتا بانتظار مصافحة بين رئيس وملك من هنا وأمير وشيخ من هناك. إنه الفقر الصامت…
Leave a Reply