شهدت السنوات الماضية تنافسا مثيرا بين الأحزاب، خاصة المؤتمر والإصلاح، في إقامة الأعراس الجماعية،التي حاول كل حزب من خلالها أن يسجل رقما قياسيا في عدد “المتزوجين” ليعكس بذلك شعبيته بين الجماهير.
فتحول الأمر من عمل خيري إلى مزايدة بين الأطراف الساعية لتحقيق مكاسب سياسية من وراء ذلك التزويج، والواضح أن تلك السنوات لم تشهد عرسا مشتركا، أقامته الأحزاب وأطرته في إطاره الصحيح، كعمل خيري بحت، يعين المعسرين في إكمال شطر دينهم، لكننا وفي عسر “الأزمة السياسية” فوجئنا بعرس جماعي مختلف تماما عن الأعراس المعهودة، أحيته الأحزاب مجتمعة بمشاركة المستقلين أيضا، لتكون تلك الحالة الأولى من نوعها بسبب داعي “المصلحة الوطنية العليا” التي اقتضت إقامة ذلك العرس، وكم يتمنى المواطن اليمني أن تتفق الأطراف السياسية، بحق وصدق، بعيدا عن المصالح والشعارات الزائفة ومخالفة الدستور، في كل الملفات العالقة من أجل قيادة الوطن نحو بر الأمن والأمان غير الشرعي أو الدستوري.
بين الأمنيات التي تراكمت في ذاكرة الشعب المطحون، ومتطلبات الوطن المقهور، وبين الواقع الممارس على الأرض فارق شاسع يؤكد أن الأحزاب تأخرت كثيرا في تبني وتحقيق تلك الأماني والمتطلبات، لذلك يعيش الوطن اليمني بانسانه وأرضه في أزمات أقل ما يمكن القول أنها كارثية، والفضل في صناعتها للأحزاب السياسية مجتمعة، مع الفارق طبعا في نسبة المساهمة، فالحزب الحاكم بقائده (الفذ) يمتلك النسبة العظمى، فيما تملك أحزاب المعارضة ما بقي منها، لأنها شرعت للحاكم أفعاله وصمتت دهرا طويلاً ثم بدأت بالحركة، لكن بعد تأخر كبير، لتكتشف أن صمتها كلفها الكثير لإقناع الحاكم بضرورة إيقاف تدهور البلاد نحو الهاوية. والواضح أن تلك الفترة شهدت رفع شعار المصلحة الوطنية من الجميع، وهو شعار لم يعمل أحد على تحقيقه، إذ طغت طويلا المطامع والمصالح الحزبية والشخصية على الكل، وتلك مسألة أدركها الشعب تماما، مما جعله يتفاعل ويندفع نحو خيارات أخرى فرضت عليه فرضا، لتطفو إلى السطح الجماهيري قوى ودعوات وأسماء جديدة، كان الفضل لها في إرغام الأحزاب على رفع شعار المصلحة الوطنية مرة أخرى، معلنة إتفاقها وتفاهمها على حل أولى المشاكل المعقدة (الإنتخابات) متوجة فرحتها بعرسها الجماعي الكبير، الذي سيكون النواة حسب قولها، لأعراس أخرى وأفراح دائمة في ربوع الوطن الكبير.
أقيم العرس في قاعة مجلس النواب (مجلس الأحزاب)، حيث تم زفاف ٣٠١ عريس بالتمام والكمال، من مختلف القوى السياسية والمستقلة، وبدت فرحة الأعراس على وجوه العرسان جميعا، والذين تلقوا التهاني والتبريكات من قياداتهم التي تمنت لهم قضاء سنتين من العسل في هدوء وسعادة، مؤكدة أن تلك الفرحة “العسلية” ستنعكس على المواطن بعد أن يلحسها النواب (العرسان)، الذين عاشوا عند تلقيهم نبأ التمديد، لحظات الأفراح والهنا، فقد جاءت لهم سنتين (ما هي من العمر؟) مجانا وبدون أي مقابل أو مجهود، ولا حتى بدعاء الوالدين و”قومة الصبح”، حسب القول اليمني المأثور، ويمكن للمواطن أن يشاهد بعينه تلك المشاعر السعيدة، لحظة تصويت العرسان على قرار التأجيل والتمديد، حيث بدت أسنان الجميع نتيجة الإبتسامات الممتدة طولا وعرضا، وارتفعت أيادي الموافقة المصبوغة بالحنا، لترفع معها القمصان، وتحتك الجنابي بالدقون، ومن فرط فرحة العرس وقف البعض على الكراسي، ليتعانقوا بحرارة ومباركة ودعاء بسنتين زاخرتين بالجاه والمال والمصالح، ولحظة مغادرة العرسان للقاعة، طافت سيارات الزفاف بالشوارع وسمع المارة الأناشيد والأغاني الخاصة بالمناسبة.
في الوطن، اليوم، فرحة يعيشها ٣٠١ عريس، أقيم زفافهم البرلماني قبل أيام، بينما شعب بأكمله يعيش ويعاني من المصاعب والأزمات، وينتظر بفارغ الصبر توزيع نسبة يسيرة من فرحة العرسان عليه، تلك الفرحة التي تمت بصورة مخالفة للدستور والقانون، لتكون غير شرعية. فالشعب لم يشهد ويصادق عليها من خلال الإستفتاء حسب دستور بلاده، الذي أصبح “مسخرة” لدى القوى المفروض عليها حمايته “سلطة ومعارضة”، والأعضاء الذين تقع عليهم مسؤولية مراقبة تلك الحماية. وهنا لا يمكن قبول قول البعض أن الشعب وافق على التمديد والتأجيل، لأن أعضاء المجلس يمثلونه، فهم في الحقيقة يمثلون أحزابهم ويستمعون لأوامرها ويطبقون رغبات قادتها، ولم يعرف لهم موقفا انتصروا من خلاله للوطن والشعب والدستور، ولذلك لا غرابة أن يحولوا مجلس النواب إلى مجلس الأحزاب.
نتحدى أي عضو من أعضاء مجلس الأحزاب، أن يثبت لنا أن المجلس مثل شعبنا وحقق ولو مطلبا واحدا من مطالبه، ولعل أبسطها سحب الثقة من الحكومات الفاسدة، فالمجلس كان مجلسا لا يهتم أو يتفاعل مع آلام المواطن الذي منحه صوته ليدافع عن حقوقه ويراقب ويحاسب من يسرق أمواله وثرواته. ويشعر الإنسان بالأسف الشديد على مليارات الريالات التي صرفت على مجلس الأحزاب دون أن تعود بفائدة على شعبنا المحتاج لكل ريال في بناء بنيته التحتية،الصحية والتعليمية والزراعية والصناعية… الخ.
مجلس الأحزاب، يمثل الوجه التعيس للحكومة، من خلال نقل جلساته تلفزيونيا، تلك الجلسات الشبيهة بمسرحيات مضحكة، أبطالها ممثلون رائعون بالفاظهم وحركاتهم ومداخلاتهم ومماحكاتهم التي تصل أحيانا حد التهديد والوعيد والتنابز بالألقاب والتفاخر بدعم القادة الأحباب.
مجلس الأحزاب، فيه الكثير من الأعضاء البعيدين عن القانون وفهمه وتوضيحه، ولذلك ينزلون إلى القاعة بغش من البداية، فكل عضو (مداوم) يحضر وتوجيهات حزبه معه في جيبه وملفه، مع أن الأصل في العضو أنه من يشرع ويناقش ويراقب، والحزب لا شأن له، فالمجلس وعمله شيء مستقل تماما، لا يجب أن تتدخل في تسيير أعماله الرغبات والتنظيمات الحزبية، لكن الأصل شيء وممارسة الأحزاب المقلوبة شيء آخر. لذلك لا غرابة وجل الأعضاء من التجار والضباط والمشايخ الذين لا يفقهون من عمل المجلس سوى “الغياب” و ، وعند حضورهم مع “البقية” تراهم “ملببين” من القات، يدفعهم أثر الكيف الباقي من البارحة إلى “الطنّانة” ونتف الشوارب، بينما يعدل الآخرون شيلان الرؤوس والأكتاف، وآخرون يتحدثون فيما بينهم، والبعض يلاحق الكاميرا، التي تمتنع عن إلتقاط من أصابهم النعاس، لكنها تتفنن في تصوير ربطات العنق التي أصبحت ببدلاتها الغالية تقليعة يتنافس في اقتنائها الجميع.
مجلس الأحزاب له رئيس “سمخ” يستمد قوته وسماخته من دعم “الفندم” الكبير الذي يقول لكل شخص في المجلس ولكل أبناء الشعب، أنني أحكمكم بهذه الصورة حيث لا مكان لكفاءة أو مميزات حسن إدارة، ولهذا يلعب الرئيس بالمجلس كيفما يشاء، فما عليه سوى التمديد والتقصير، وشهادة الزور المخالفة للدستور، الذي آثر هذه الأيام أن يستمع لتراث “مسكين يا ناس من قالوا حبيبه عروس”.
تمر على مجلس الأحزاب ساعات الهنا،بدون أن تظهر روح الغيرة على الوطن ودستوره في عريس واحد من مجمل ٣٠١ عريس، ودليل ذلك مشاركتهم جميعا في العرس دون أن يرفض ولو واحدا منهم ذلك ويقدم استقالته انتصارا لوطنه وشعبه.
مجلس الأحزاب ومعه السلطة والمعارضة ككل،لا يدركون قيمة الوقت والتاريخ، فمع أننا متأخرون منذ العام ١٩٧٨، ومنذ ١٩٩٤، إلا أنهم آثروا أن نتأخر عامين إضافيين من الزمن، مع أن تلك فترة تتحقق فيها عند الشعوب الحية منجزات وخطوات تدفع بالأوطان إلى الأمام.
على العموم لا ننسى في الختام أن نبارك للعرسان ودام الله السرور، كما لا ننسى أن نعزي شعبنا، فعظم الله أجره ولا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون.
Leave a Reply