د. عبد الإله الصائغ
أيهذا الشاكي ومابك داء
كيف تغدو إذا غدوت عليلا
إن شرَّ الجناة في الأرض نفساً
تتوخى قبل الرحيل الرحيلا
والذي نفسه بغير جمال
لا يرى في الحياة شيئاً جميلا
هذا القول الفلسفي الجمالي قاله رجل عربي أميركي هو إيليا أبو ماضي (1889–1957) الذي اتخذ أميركا الخير مكاناً لمهجره. أبو ماضي سبقنا إلى الهجرة منذ سنة 1912 حيث استقر أولاً في سنسيناتي بولاية أوهايو مقيماً فيها أربع سنوات ثم اختار نيويورك حيث شارك في تأسيس الرابطة القلمية. وفي 1929 أصدر مجلة «السمير».. وهل عندنا اليوم مجلة فذة مثل سمير؟
كان أبو ماضي إنساناً قبل أن يكون ذا دين وذا وطن وذا هوى مع أنه ممتاز في دينه ووطنه وهواه، وليت شعري هل يوجد اليوم في الجاليات الشرق أوسطية بأميركا مهاجر بوزن وتأثير أبو ماضي وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة؟ مالذي حصل ويحصل؟ أين الشاعر اليوم الذي يقول كما قال أبو ماضي:
جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت
ولقد أبصرت قدّامي طريقاً فمشيت
وسأبقى ماشياً إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
ولو حصل (ولن يحصل) وقال شاعر اليوم مثل «الطلاسم» لانبرى له ألفٌ ممن يشتمه وألفٌ ممن يكفٌره وألف ممن يخوّنه. فهل نحن في حلم أم علم؟ وهل نحن نمشي إلى الوراء؟
بحق السماء، أنا إنسان أولاً وإنسان ثانياً، أما علاقتي بربي فهي علاقة العاشق بالمعشوق ومن يتظاهر بهذه العلاقة فهو أما مختل أخلاقياً أو دينياً أو عقلياً. وأريد أن أتحدث عن أعياد الميلاد بدم بارد بعيداً عن تورم الذات أو جلدها.
الغرب المسيحي يحتفل بميلاد يشوع عليه السلام متناسياً عذاب المسيح وصلبه التراجيدي! الغرب يحب الابتسامة والفرح والأعياد. انظروا كيف يستقبلون عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية؟ أما نحن الشرقيين فرأس السنة الهجرية عندنا تبدأ كما يوقت مؤرخونا باستشهاد الحسين بن علي عليهما السلام، فكيف نحتفل ولماذا وبماذا نحتفل؟
تبدأ مناسبة الميلاد الإسلامي بالبكاء والحداد والسواد ومن شذّ –كما يقال– شذّ إلى نار جهنم؟ نحن اقتبسنا من الغرب الكهرباء والسيارة والطيارة والبرلمان والديمقراطية والدواء ولم نستشعر اننا خرجنا عن الدين، فلماذا لا نقتبس منهم عشق الفرح والأعياد ونحن ندري أن الحسين الشهيد سعيد في الجنة وهو القائل «لستُ شهيدَ العَبْرة بل انا شهيد العِبْرة»، فمن ذا الذي يجرؤ فيحتفل برأس السنة الهجرية ويعلن الفرح ويسمي العشرة الأوائل من السنة الهجرية عيداً؟ يقيناً سوف يجلدونه ليس حباً بالحسين بل خوفاً على المؤسسات التي تضخ آلاف الدولارات بل الملايين!
درَّستُ في شمال أفريقيا (ليبيا، المغرب تونس) ثماني سنوات وهم يحتفظون بلا وعي جمعي بتقاليد الدولة الفاطمية التي حكمتهم، ففي الاول من عاشوراء تستيقظ الشعوب المغاربية مبكرة ويطبخون ويوزعون الطبخ على الجيران والفقراء ويرتدون أفخر ملابسهم ويتعانقون ويقبل بعضهم بعضاً وكنتُ أسمع المغاربي أو المغاربية يقول لصاحبه أو صاحبته «مبروك عويشيرتك». والأجيال هناك تجهل استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ولكنني حين ناقشت حكماءهم ومؤرخيهم أدركت أنهم سعداء لأنهم موقنون بأن الحسين سعيد ولأن الحسين وصحبه في الجنة ولأن الحسين أسقط عروش الظلم.
قلت في معلقة الحسين:
إن تكن أيها الشهيد سعيداً
فلماذا ننوءُ بالأحزان
ولماذا السواد في كل بيت
ولماذا الحداد لَحْنُ الأغاني
ليس سوى سوء الحظ أن الميلاد في الغرب بسمة جذلى بينما الميلاد في الشرق دمعة حرّى!
هذه المرة، لن أقترح شيئاً في زمن التشدد والتمذهب والتخلف والخرافة، ولكن أتمنى ألا يُكفِّر أحد منا أي مسلم يحتفل بعيد الميلاد المجيد: فيا مهاجري الشعوب العربسلامية شاركوا الغرب الذي آواكم وأمنكم حين ضاقت بكم بلدانكم. شاركوهم بأعياد الميلاد المجيد، ورحم الله من قال:
فدارِهِمْ مادمت في دارِهمْ
وأرضِهِمْ مادمتَ في أرْضِهِمْ
وينبري لك مخرّف متشدد ويقول لك هل تطلب منا أن ننافق الغرب فنداريهم، وأخلاقنا تمنعنا عن النفاق؟ وتقول له أنتَ تحمل الجنسية الفرنسية مثلاً وتتلقى المساعدات الطبية والمعيشية من فرنسا ولا تعتد ذلك نفاقاً ولا حراماً؟ أنت مواطن فرنسي وفرنسا تعاملك واحداً من أبنائها فأين النفاق ومتى ولماذا وكيف؟ فيا أصدقائي، ويا مَنْ يعجبه كلامي ويا من لا يعجبه، تعالوا لنحتفل معاً بأعياد الميلاد المجيد وليشعر العالم بأننا شعوب تحب الحياة وتحبذ الفرح ولنردد مع بعضنا ولبعضنا: عيد ميلاد مجيد وسنة سعيدة، للجميع دون استثناء… لنشعل الشموع ولتصدح الموسيقى: مري كريسماس وهابي نيو يير!
وفي الخلاصة الأولى أقول متفائلاً سيكون عام 2019 عامَ خيرٍ يعمّ البشرية، كلَّ البشرية، سيكون عاماً تتوقف فيه الحرب المجرمة ضد أهلنا في اليمن والحرب الظالمة ضد شعبنا في ليبيا وسوريا والعراق وفلسطين، وعام الصفاء بين السعودية وإيران، وبين الإمارات وقطر…!
تفاءلوا بالعام القادم فهو آت مثل بابانويل مثقلاً بالهدايا للمسلمين والمسيحيين والصابئة واليهود والبوذيين… ولجميع البشر دون استثناء، دون النظر إلى أي حدود مصطنعة بين البشر والقارات.
والخلاصة الثانية، فليكن العام الجديد فرصة سانحة للمصالحة والمسامحة والتراحم، فنتذكر آباءنا وأمهاتنا وكل كبار السن ونحتضن الأطفال وننحني للنساء ونساعد المحتاجين.
وليعش الفرح ولتزْدَد الأعياد وليحفظ الله البلاد التي آوتنا وتعاملت معنا بوصفنا أبناءها، وليحفظ الله بلداننا الأم التي ولدنا فيها ونشأنا، اللهم آمين.
Leave a Reply