خليل إسماعيل رمَّال
الثورة فـي فلسطين يسميها الإعلام العربي (ومن بينه الوطني) «الهبَّة» الفلسطينية ولا ندري لماذا؟ ربَّما لتصغيرها حتى لا تزعج أنظمة الردَّة الرجعيَّة! هذه الثورة مستمرة فـي الاراضي العربية المحتلَّة وهي أكبر من إنتفاضة شعبية يتولى القيام بها جيلٌ جديد يافع من أبناء فلسطين لم يعد يثق بالمفاوضات المذِلّة والخيانات والفساد خصوصاً داخل السلطة الفلسطينية ورئاستها المنتهية الصلاحية والفعالية منذ زمن، بحيث أصبحت تتناغم مع أعتى الأنظمة الظلامية الجاهلية التي باعت قضية فلسطين وتتزلف لها خصوصاً فـي موقفها المشين المعيب عندما أيد سفـير فلسطين تصنيف اَل سعود للمقاومة بأنها إرهابية. لكن البديل للسلطة الفلسطينية ومحمود عبَّاس المتخاذل، ليس أفضل حيث تبيَّن أنَّ حركة «حماس» هي أكبر ناكرة للجميل وانها عضَّت اليد التي أحسنت اليها وفضَّلَتْ إرتباطها العضوي بالإخوان المسلمين على القيم والمباديء الدينية التي تدَّعي اعتناقها. فهل كُتِب على الشعب الفلسطيني المفاضلة بين عبَّاس ودحلان ومشعل؟! هذا ما أفرزته الثورة المستمرة فـي فلسطين، «ثورة السكاكين» التي تتماشى مع المقاومة الحقيقية للاحتلال الاسرائيلي الحليف اليوم لآل سعود وحكام الخليج ضد محور المقاومة فـي لبنان وسوريا والعراق واليمن.
والمؤسف بعد قرار مجلس التعاون الخليجي ووزراء الداخلية العرب ثم وزراء الخارجية العرب الذين لم يأخذوا فـي حياتهم قرارات ضد اسرائيل ومجازرها وتدنيسها للمسجد الأقصى بهذه السرعة ولم يروا اعداد شهداء الانتفاضة، أنَّ قلة قليلة فـيها بعض المروءة والعروبة والوفاء ثارت ضد مملكة الوهابيين لوصمها المقاومة بالإرهاب، وأولها هؤلاء القلائل .. تونس الأبية حكومةً وشعباً وطبعاً سوريا والعراق والجزائر وفلسطينيو ١٩٤٨ أما الباقون فكأنهم «صُم بُكمٌ عميٌ فهم لا يفقهون»! هل هو الاٍرهاب الفكري الوهَّابي أم القحط الأخلاقي أم التبعية المادية التي تمنع العالم العربي، الذي تشرَّف بعصر المقاومة بعد طول مرارة وخيبة نتيجة الهزائم، من أنْ يهب ويضع آل سعود فـي قمقمهم ويقول كلمة حق ضد سلطان جائر؟! الحقيقة لا نستغرب شيئاً هذه الأيام بعد اعتراف صحيفة «معاريف» الإسرائيلية بأن الموساد خلق «داعش» ودرَّبها لتكون سرطاناً مثلها فـي قلب العالم العربي.
والمؤسف أكثر أنَّ آل سعود يكمُّون الأفواه وهم ليسوا بكامل قوتهم هذه الأيام بعد سلسلة الهزائم التي مُنيوا بها نتيجة مغامرات سلمان ووليي عهده، حتى الغرب، وبالأخص الولايات المتحدة، ليس متحمساً لنجدة مملكة الوهابيين عسكرياً وأمنياً كالسابق للأسباب الآتية:
١- أوروبا واقعة فـي ورطة كبيرة قد تطيح حتى بنظامها الأمني المبني على حرية التنقل بين بلدانها من دون باسبورات بسبب أزمة اللاجئين السوريين، وأوروبا التي طبخت السم لسوريا هي التي تأكله ولا تدري كيف تتصرف، وتتخبط بين إغلاق الحدود وإلغاء المخيمات الانسانية إلى مكافأة تركيا أردوغان التي هي بوابة الاٍرهاب إلى سوريا والعراق. لذلك لا وقت لأوروبا عندها تعطيه للوهابيين إلى درجة ان فرنسا الحليفة لهم تتعرض لثورة داخلية بعد منح ولي عهد عائلته وسام الشرف الفرنسي!
٢- فقدت السعودية سلاح النفط بعد توفر المخزون الاستراتيجي فـي أميركا وعودة إيران إلى سوق التصدير ودخول روسيا وفنزويلا على الخط، وحسب قول لمسؤول غربي نسبته «الأخبار» اليه «كنَّا نتساهل مع السعودية بقليلٍ من الوهابية وكثير من النفط، فكيف الآن بوجود قليل من النفط وكثير من الوهَّابية». كما أنَّ الاتفاق النووي مع إيران لم يساعد قضية آل سعود الذين شعروا بتخلي الغرب عنهم.
٣- فقد آل سعود نصف قوتهم بعد مغامرتهم فـي اليمن والضجة التي أعقبت العدوان بتسبَّبه باستشهاد مدنيين وتدمير أسباب الحياة فـي اليمن. إذ متى كان المجلس الاوروبي المتعطش لبيع السلاح يقرر عدم بيع السلاح للسعودية لو لم يلقِ آل سعود أسلحة محرَّمة دولياً ويقوموا بالتدمير الممنهج للمؤسسات اليمنية والحضارة والآثار اليمنية ويمكنوا «القاعدة» و«داعش» من تأسيس موطئ قدم لهما فـي عدن؟!
٣- فقدت السعودية قدرتها كعملاق مالي، بسبب العجز المتراكم فـي ميزانيتها الناجم عن العاملَيْن السالفَيْن. إذ متى كانت السعودية تستجدي لتغطية عجزها المالي؟ فقد ذكرت الأنباء الإقتصادية أنَّ الرياض تستدرج عروضاً من بنوك غربية لاستدانة ٦-٨ مليارات دولار وذلك لأول مرة منذ عقود، على أنْ تكون مدة تسديد القرض ٥ سنوات مع خيار زيادة الكمية لتغطية العجز فـي موازنتها التي بلغت ١٠٠ مليار دولار العام الماضي (وول ستريت جورنال).
٤- حرب آل سعود على لبنان لم تحصد إلا الخيبة بدليل انها اضطرت حتى لتهديد حليفها الأول سعد الحريري فقام بمجاراتها وتطاول على المقاومة مفرقاً بين مقاومتها ضد إسرائيل وتدخلها لدى الدول العربية معتبراً أنه «إرهاب» متناسياً «عقابه» الذي كان أول من تدخُّل ضد سوريا. فما هو محلَّل لأسياده محرمٌ على غيرهم! لكن إذا أراد الحريري المس بالسلم الأهلي من أجل معلميه فالخسارة لن تقع إلا عليهم.
٥- من علائم ضعف الوهابيين خضوعهم للتفاوض المباشر مع «الحوثيين»، لا عبر أصنامهم، وذلك على الحدود اليمنية (وليس فـي الرياض كما قيل)، رغم مكابرتهم و«عنفصتهم» ونفـيهم، وهم بنهاية المطاف سيخرون صاغرين لشروط الشعب اليمني بالحرية والاستقلال هذا إذا أرادوا حفظ ماء وجههم والانسحاب بأضرار أقل وإلا ستستمر وتؤدي إلى زوالهم. وفـي الحالتين فإنَّ خسارة آل سعود محقَّقة فـي كل الحالات وانتصار الشعب اليمني ومحور المقاومة حتميان.
Leave a Reply