«إتحاد الحريات المدنية الأميركية» ومنظمات عربية ومسلمة حذرت من شمولية مخاطره
قبل نحو 40 عاماً تعرض مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) لموجة واسعة من الإنتقادات على خلفية قيامه بتحريات عن مواطنين أميركيين في غياب دلائل حول مخالفتهم لأية قوانين. وحاليا يخشى مدافعون عن الحقوق والحريات المدنية من أن يكون مكتب التحقيقات على طريق إعادة إحياء تلك الممارسات مرة جديدة.وتشيرالخطوط العامة الأولية لخطة قيد الدرس لدى وزارة العدل الأميركية، يتوقع الإعلان عنها أواخر هذا الصيف إلى السماح لعملاء المكتب بإجراء تحريات عن أفراد تتطابق خلفياتهم العرقية أو الإثنية مع «مواصفات الإرهابيين».
ويُعيد هذا النوع من الفرز العرقي والإثني التذكير بما كان يعرف بـ«برنامج مكافحة التجسس» الذي أطلقه المكتب في عهد رئيسه الأسبق جاي إدغار هوفر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي لمراقبة وكبح أنشطة مجموعات كان يشتبه بروابط لها مع الشيوعية والإشتراكية.
وقبل إغلاق هذا البرنامج في العام 1971 الذي عُرف بإسم «برنامج مكافحة التجسس» كانت أنشطته قد توسعت لتطال المجموعات المدافعة عن الحقوق المدنية ونشطاء مناهضة الحروب، وجماعات «كوكلوكس كلان» للأميركيين البيض المتعصبين ومشرّعي الولايات والصحافيين.
وكان من بين أبرز أهداف مكتب التحقيقات الفدرالي في تلك الآونة داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ وزميله مالكوم إكس وجون لينون، إلى جانب أعضاء من مجموعات من الأفارقة المتطرفين، وآخرين تعاطفوا مع الزعيم الثوري الكوبي فيديل كاسترو والطلبة النشطاء في التظاهرات.
ويعترف «مكتب التحقيقات الفدرالي» على موقعه على شبكة الإنترنت أن هذا النوع من البرامج أدى به أحيانا إلى الخروج الملموس عن دوره الأساسي كمؤسسة من مؤسسات تنفيذ القوانين.
وصرح باري ستاينهاردت من «إتحاد الحريات المدنية الأميركية» إن الخطة الجديدة المقترحة للسماح بإجراء تحريات عن مواطنين أميركيين بدون وجود أدلة على إرتكابهم مخالفات يمكن تسميتها بـ«برنامج مكافحة التجسس للقرن الواحد والعشرين».
وأضاف: غير أن هذه الخطة تتميز بإنتهاكاتها الأعمق لأن من شأنها شمول المزيد من الناس. ففي حقبة «برنامج مكافحة التجسس» كانوا يراقبون فقط مجموعات صغيرة من الناس أما الآن ووفق الخطة المحتملة بإمكانهم مراقبة كل فرد.
من جهته عبر مسؤول في وزارة العدل على إطلاع على الخطة المقترحة عن مخالفته لرأي «إتحاد الحريات المدنية الأميركية» بالقول «إن سلطة مكتب التحقيقات الفدرالي سوف تكون أضيق؟ مما كانت عليه في ظل برنامج مكافحة التجسس».
وكان اللثام قد أميط عن برنامج مكافحة التجسس في العام 1971 عندما تسللّت مجموعة تطلق على نفسها إسم «لجنة المواطنين للتحري عن مكتب التحقيقات الفدرالي» إلى أحد فروع المكتب في مدينة «ميديا» بولاية بنسلفانيا وأقدموا على سرقة وثائق تشتمل على تفاصيل عن عمل البرنامج، مما دفع بمدير الـ«أف بي آي» في حينه جاي أدغار هوفر إلى إلغائه بعد شهر من الحادثة.
وقد أدت تلك الوثائق السرية إلى قيام لجنة تشرش التشريعية في العام 1976 نسبة إلى رئيسها السناتور الديمقراطي عن ولاية آيداهو فرانك تشرش التي أجرت تحقيقات حول أنشطة مكتبي الـ«أف بي آي» والـ«سي آي أي».
ردود فعل عربية وإسلامية
وعبرت منظمات عربية وإسلامية كبرى في الولايات المتحدة عن قلقها من الإعلان عن المعايير الجديدة التي تسمح لعملاء الـ«أف بي آي» بالتحقيق والتنصت على الأميركيين دون ارتكابهم أية مخالفات، اعتمادا على خلفياتهم العرقية والدينية، وهو ما اعتبرته المنظمات العربية والإسلامية يستهدف الأقليات العرقية والدينية، وخصوصا المسلمين، في المقام الأول.
وفي بيان له عبر المعهد العربي الأميركي واللجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز (أي دي سي) ومجلس الشؤون العامة الإسلامية (أمباك)، عن قلقهم من أن المعايير الجديدة تعطي الحق لمكتب التحقيقات الفيدرالية «أف بي آي» سلطة «إجراء تحقيق عن الأميركيين من دون وجود أدلة على ارتكابهم لمخالفات، اعتمادا فقط على تنميط يمكن أن يؤدي إلى عزل المسلمين والعرب والمجموعات العرقية والإثنية الأخرى».
وقالت تقارير إعلامية أميركية إن العرق والإثنية و«السفر إلى مناطق من العالم معروفة بنشاط إرهابي» سوف تكون من بين العوامل التي سيأخذها الـ«أف بي آي» في الاعتبار عند قيامه بإجراء تحقيق يتعلق بالأمن القومي.
وبمجرد فتح تحقيق فإن هذه المعايير، التي سيجري البدء في تنفيذها أواخر هذا الصيف، سوف تسمح لعملاء الـ«أف بي آي» «بالتنصت على المكالمات الهاتفية أو البحث بشكل موسع في البيانات الشخصية، مثل محتوى سجلات المكالمات أو البريد الإلكتروني أو كشوف الحسابات المصرفية».
وتعليقا على المعايير الجديدة قال الدكتور جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأميركي «هناك الملايين من الأميركيين، الذين يمكن أن يخضعوا، بحسب المعايير الجديدة المشار إليها، لتنميط ديني وإثني متعسف وغير موضوعي».
واعتبر زغبي أن هذه المعايير سوف «تعرض الحريات المدنية الأساسية والحماية التي يضمنها الدستور للخطر، وهو ما سيكون له تأثير سلبي ليس فقط على الجاليات المتضررة، ولكن أيضا على مجمل الجهود الأميركية لمكافحة الإرهاب».
وأضاف زغبي «نحن قلقون من تطمينات هذه الإدارة، في ظل سلوكها السابق، وبهذا فإننا نبحث عن طرق لضمان عدم حدوث هذا التنميط».
ومن جانبه قال كريم شورى، المدير التنفيذي للجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز (أي دي سي) «لقد تأسس بلدنا على مبادئ دستورية ثابتة تحمينا من هذه الإساءات المزعومة لاستخدام السلطة».
وأضاف شورى، في بيان حصلت «صدى الوطن» على نسخة منه «في الوقت الذي تعمل فيه وزارة العدل الأميركية وخصوصا «أف بي آي» على الرد على بواعث القلق لدينا، فإن الأميركيين ينبغي عليهم عدم التساهل مع أي تنميط مبني على الجنس أو الدين أو الإثنية أو الأصل القومي».
وقال سلام المرياطي، المدير التنفيذي لمجلس الشؤون العامة الإسلامية (أمباك) «هذه المعايير تبدو منطلقة من الإدارة الجنائية لوزارة العدل، التي لم تلتقِ بمنظماتنا».
واعتبر المرياطي أن تنفيذ هذه المعايير الجديدة، كما وصفتها التقارير الإعلامية «سوف يجعل من أفراد جالياتنا مشتبها بهم، كما سيوجه ضربة لأكثر من سبع سنوات من الحوار البناء مع مسئولي تنفيذ القانون».
ونتيجة للإعلان عن المعايير الجديدة قام المعهد العربي الأميركي و«أي دي سي» و«أمباك»، ومنظمات عربية وإسلامية أخرى، قامت بالاتصال بجون ميلر، المدير المساعد للـ«أف بي آي» للشؤون العامة، للتعبير عن معارضتها لأي شكل من أشكال التنميط الديني والعرقي الذي ينتهك المبادئ الدستورية الخاصة بالحماية المتساوية في ظل القانون.
لكن ميلر قال إن وزارة العدل مازالت قيد القيام بعملية صياغة المعايير الجديدة، داعيا إلى الانتظار حتى يتم رؤية المعايير في صورتها النهائية قبل مناقشتها.
Leave a Reply