واشنطن – تشهد أروقة صناعة القرار في واشنطن نشاطاً واسعاً مع اقتراب موعد ٢ آب (أغسطس) الذي ستفقد فيه الحكومة الأميركية التمويل اللازم لدفع مستحقاتها في حال لم يوافق الكونغرس الأميركي على إقرار رفع سقف الدين الأميركي ليتسنى للحكومة الأميركية إصدار سندات خزينة لتغطية النفقات. ويحاول الرئيس الأميركي باراك أوباما عقد صفقة مع الجمهوريين الرافضين لرفع سقف الدين بإرضائهم من خلال الحد من النفقات كما يطالبهم بالتخلي عن الإعفاءات الضريبية لذوي الدخل المرتفع التي يدعمونها. ويرى المراقبون أن هناك مضاعفات كارثية محتملة إذا لم يتم رفع سقف الدين، بما في ذلك ارتفاع معدلات الفائدة بصورة كبيرة جداً، وانهيار الدولار.
إلا أن رئيس مجلس النواب الاميركي الجمهوري جون باينر الثلاثاء الماضي إن المحادثات من اجل خفض العجز بالميزانية ستكون “غير مجدية” اذا واصل الرئيس باراك أوباما المطالبة بانهاء اعفاءات ضريبية للأثرياء بقيمة 400 مليار دولار في اطار الاتفاق. ويرفض الجمهوريون عادة فرض ضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء لأنهم يعتبرونهم محرك الاقتصاد وخالق الوظائف. واضاف باينر قائلا “التشريع الذي طلبه الرئيس والذي سيزيد الضرائب على المشاريع الصغيرة ويدمر المزيد من فرص العمل في اميركا لا يمكن ان يمر في مجلس النواب… يسعدني ان اناقش هذه المسائل في البيت الابيض لكن مثل هذه المناقشات ستكون غير مجدية ما لم يعترف الرئيس بالواقع الاقتصادي والتشريعي”.
الوضع الاقتصادي
منذ أربع سنوات ومع بداية أزمة الرهن العقاري في 2007، مروراً بالأزمة المالية العالمية في 2008، وصولاً إلى إفلاس المصارف والشركات، انتهاءً إلى بلوغ الدين العام للحكومة الأميركية حاجز 14,3 تريليون دولار في آذار (مارس) 2011، بدا واضحا أمام المحللين الاقتصاديين أن الولايات المتحدة أمام مفترق طرق. ومع اقتراب موعد ٢ آب (عجز الحكومة عن تسيير عملياتها) لا يمكن تجاهل أن إعلان إفلاس أميركا أصبح أمراً واقعاً، إن لم تتخذ الحكومة الأميركية اجراءات جادة وجذية لمعالجة نظامها المالي وتصحيح أوضاعها الاقتصادية.
وحسب المراقبين فإن الولايات المتحدة تعيش خارج حدود امكانياتها ومواردها حيث أن سكان أميركا يمثلون 4,5 بالمئة من سكان العالم ومع هذا يستهلكون 25 بالمئة من موارد العالم، أي خمسة أضعاف نسبة سكانها، فالولايات المتحدة تستهلك أكثر مما تنتج وتمول الفرق من حساب مدخرات الدول الأخرى، ولا يمكن لدولة أن تعيش خارج حدود امكانياتها لفترة طويلة.
ومع وصول دين الحكومة إلى السقف المصرح به من قبل الكونغرس للاستدانة، وبدلاً من زيادة الضرائب أو خفض الانفاق الحكومي لزيادة معدلات الادخار لسداد الديون فإن الحكومة الأميركية تسعى لرفع هذا السقف الخيالي بمزيد من الديون، ووزير الخزانة الأميركي يحذر الكونغرس من عواقب عدم الموافقة على رفع الحد الأعلى للاستدانة لأن ذلك سيجعل حكومة القوة العظمى عاجزة عن دفع رواتب ومستحقات العسكريين والموظفين والشركات والمستثمرين أنظمة التقاعد والمديكيد والمديكير، كما أنها ستفشل في سد الديون المستحقة في موعدها ما سيؤدي الى تغير صورة أميركا في العالم.
فتجاهل الولايات المتحدة لمطالب الدول الدائنة لها باتخاذ اجراءات تقشفية، دفع هيئات التصنيف الائتماني الدولية وعلى رأسها “موديز” إلى التحذير من تخفيض تصنيف الولايات المتحدة المميز عند AAA إذا فشل الكونغرس في زيادة الحد الأقصى للديون خلال الأسابيع القليلة القادمة .
تحذير “موديز” يتوافق مع تحذيرات أطلقتها وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني في نيسان (أبريل) 2011 حذرت فيها الولايات المتحدة من فقدانها علامتها كأفضل مقترض في العالم بتخفيض تصنيف ديونها من “مستقر” إلى “سلبي”.
تغيير التصنيف الائتماني للولايات المتحدة يعني أن تزداد معدلات الفائدة على القروض التي تحصل عليها من الخارج وتكمن خطورة ذلك في توجيه نسبة أكبر من المدفوعات المستقبلية لسداد فوائد القروض بدلاً من سداد الديون نفسها، وارتفاع اسعار الفائدة يؤثر على الأفراد والشركات والحكومات المحلية ويسبب أضراراً بعيدة المدى على الاقتصاد ويحد من النمو ويزيد البطالة ومن الممكن أن يغرق الاقتصاد في حالة ركود.
كما أن تقارير تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة تجعل المقرضين الأساسيين كالصين التي تمتلك 1,4 تريليون دولار في السندات الأميركية، تليها اليابان 890,3 مليار دولار، وبعدها السعودية 800 مليار دولار، ثم بريطانيا 295,5 مليار دولار، ومن بعدها الهند التي تستثمر حوالي 180 مليار دولار، يزيد لديهم الشك في قدرة الولايات المتحدة على سداد ديونها في المدى الطويل وبالتالي فقدان الثقة في الدولار كعملة احتياط دولية.
Leave a Reply