يوم الأحد القادم، سيشترك عدد من كبار القادة والمسؤولين المنتخبين في ولاية ميشيغن ضمن فعالية افتراضية بعنوان «أمسية وحدة»، تنظمها وترعاها مؤسسة «يشفيا بيث يهودا»، التي تعرّف نفسها بأنها «أقدم وأكبر مؤسسة تعليمية يهودية في ميشيغن».
وسوف يتقدم المشاركين في الأمسية، حاكمة الولاية غريتشن ويتمر، والسناتوران الديمقراطيان في مجلس الشيوخ الأميركي ديبي ستابينو وغاري بيترز، إلى جانب رئيس بلدية ديترويت مايك داغن، ورئيس منظمة «الجمعية الوطنية لتقدم الملونين»–فرع ديترويت، القس ويندل أنتوني، فضلاً عن مسؤولين مصرفيين رفيعي المستوى.
للوهلة الأولى، قد تبدو هذه الجَمعة الافتراضية، طبيعية، لكن بمجرد التعرف على اسم «ضيف الشرف» في هذه الأمسية، تعلو علامات الدهشة والصدمة، والشعور بالإهانة، خاصة لدى أبناء الجالية العربية المتحدرين من بلدان ذاقت كل أنواع الظلم والويلات على يد دولة الاحتلال الإسرائيلي.
المفارقة المثيرة للألم والسخرية في آن، أن هؤلاء المسؤولين سيلتمون تحت عنوان «الوحدة»، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو، الذي سينضم إليه سفير الإمارات العربية المتحدة لدى واشنطن يوسف العتيبة، الذي وقعت حكومته مؤخراً، اتفاقاً تطبيعياً مع الدولة العبرية، الشهر الماضي.
من الطبيعي أن تشعر جاليتنا العربية الأميركية في ولاية ميشيغن، وفي عموم الولايات المتحدة، بالألم الممض والأسف الشديد، من احتفاء هؤلاء المسؤولين الذين يعولون على أصواتنا الانتخابية، بمجرم سفاح لا يتورع عن التصريح بمواقفه العنصرية ضد العرب والفلسطينيين، ولا يتوانى عن شن الاعتداءات المستمرة عليهم، تحت ذرائع واهية، من أجل تلميع صورته أمام الجمهور الإسرائيلي.
لقد أظهر العرب الأميركيون دعماً قوياً ومتواصلاً لويتمر وستابينو وبيترز وداغن، كما ساندوا إخوتهم الأفارقة الأميركيين في معركة العدالة ومناوءة العنصرية في الولايات المتحدة. لكن هؤلاء يهرعون للترحيب بهذا المجرم الفاشي، من دون مشاورتنا أو حتى إخبارنا بأمر تلك الفعالية.
هؤلاء المسؤولون، يتجاهلون سجل نتنياهو الحافل بالتمييز والفصل العنصري، كما يتناسون رفضه لمشاركة الفلسطينيين في الانتخابات الإسرائيلية، وتأييده لـ«قانون الدولة القومية» الذي يعرّف إسرائيل بأنها «الدولة القومية للشعب اليهودي فقط، وليس لجميع المواطنين»، كما يغضون الطرف عن تصريحاته المتكررة لجمهور ناخبيه، بأن الدولة الفلسطينية لن تبصر النور خلال عهده.
لقد واصل نتنياهو الحصار الإسرائيلي المضروب من 15 عاماً على قطاع غزة، ليحرم أكثر من مليوني فلسطيني من الحصول على الإمدادات والمساعدات الضرورية لاستمرار الحياة، ضارباً عرض الحائط بقرارات الأمم المتحدة التي وصفت الحصار بأنه «إنكار لحقوق الإنسان الأساسية»، وأنه «يتعارض مع القانون الدولي، و«يصل إلى حد العقاب الجماعي»، بحق سكان القطاع الذين يعانون من مرارات البطالة والفقر وانعدام الأمن الغذائي.
إذا كان مسؤولونا (الديمقراطيون) الذين نالوا دعمنا وأصواتنا مراراً وتكراراً قد تناسوا تلك الحقائق، فكيف يتجاهلون العلاقة الوثيقة التي تجمع نتنياهو بالرئيس دونالد ترامب الذي يكنون له العداء الشديد؟
لقد أسفرت علاقة «الحب السياسي» بين ترامب ونتنياهو عن تدهور الآمال المعقودة على تحقيق سلام عادل مع الفلسطينيين، عندما كافأ الرئيس الأميركي نظيره الإسرائيلي بقرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السوري المحتل، إضافة إلى مضامين «صفقة القرن» التي تمهد الطريق أمام الدولة العبرية لضم الضفة الغربية.
حقاً، ما الذي يجبر هؤلاء المسؤولين على الترحيب برئيس وزراء أجنبي معروف بعنصريته الكريهة وبغضه المقيت للعرب والمسلمين؟ وما الأمر الذي يستدعي الثناء على رجل يتصف بالفاشية البغيضة، في الولايات المتحدة التي تتغنى بالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها؟
ألا يعرف هؤلاء المسؤولون أن اجتماعهم بنتنياهو سوف يثير استياء العرب الأميركيين في ميشيغن عشية الانتخابات التي يحتاجون فيها إلى كل صوت؟
فهذه ليست المرة الأولى التي يتجاهلون فيها مشاعر العرب الأميركيين ويهرولون لكسب رضا إسرائيل.
في العام الماضي، سارعت الحاكمة الديمقراطية ويتمر إلى زيارة تل أبيب بطريقة مفاجئة، دون أن تستمزج آراء العرب الأميركيين، وبدون أن تخبرهم بذلك حتى.
كذلك، قامت سكرتيرة الولاية جوسلين بنسون، بزيارة مماثلة لدولة الاحتلال، من دون أن تُعلم –هي الأخرى– ناخبيها بأية خبرات إدارية أو تنظيمية حققتها تلك الزيارة.
إن التضامن مع الحقوق الفلسطينية لا يقتصر على العرب والمسلمين وحدهم، بل هو نزوع إنساني وحقوقي ينبغي أن لا يتجاهله مسؤولو ولايتنا الذين يشغلون مناصبهم الحكومية والتشريعية بأصواتنا، وعليهم أن يتذكروا أن العديد من الأميركيين الشرفاء لم يترددوا لحظة واحدة في دعم نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي المستبد.
وداعمو القضية الفلسطينية، على أساس الحق والعدالة، ينتشرون في مختلف أرجاء المعمورة. ألم يعلن الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا بأن حرية السود في جنوب إفريقيا لن تكتمل بدون تحقيق الحرية للفلسطينيين؟
إن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين مستمر منذ أكثر من سبعة عقود، وقد تكرس عبر القتل والسلب والحرمان والقمع والتزوير، وما نتنياهو إلا حلقة في سلسلة طويلة من رؤساء الوزراء الإسرائيليين الذين لم يوفروا أية فرصة لإبادة الشعب الفلسطيني أو تهجير أبنائه، وما إضفاء الشرعية على هذا الفاشي المتغطرس إلا إهانة لكل صاحب ضمير حي في هذا العالم.
وإذا لم يقتنع قادتنا في ميشيغن، بالمبادئ الأخلاقية والقانونية التي تستوجب إدانة نتنياهو بدلاً من الترحيب به، فعليهم أن ينظروا –على الأقل– إلى الإسرائيليين أنفسهم الذين يحاكمون الرجل بتهم الفساد والاحتيال وخيانة الأمانة، وتلقي الرشى؟ ألا يتظاهر الإسرائيليون في شوارع تل أبيب ضد هذا السياسي الفاسد وحكومته اليمينية المتطرفة؟
لماذا إذن يصر قادتنا في ميشيغن على تبجيله وتجاهلنا؟
نعلم أنهم يريدون أصواتنا في المواسم الانتخابية، ولكن عليهم أن يعلموا أيضاً أنهم مدينون لنا، وللمناصب التي يشغلونها وما تتطلبه من نزاهة وعدالة، أم أن الارتماء في أحضان الإسرائيليين والتسابق على نيل رضاهم.. خصلةٌ سياسية لا تحول ولا تزول!
«صدى الوطن»
Leave a Reply