مريم شهاب
من منَّا لا يذكر وهو طفل صغير، حين كانت أمه تخوِّفه وتجبره على النوم باكراً حتى لا تأتي الغولة وتأكله، إذا لم يطع كلامها وتوقف عن النط والنق والمشاجرة مع إخوته.
في حكايا الأمهات، كانت «أمَّنا الغولة» مجرد خيال ليلي، وفزَّاعة للصغار كي يناموا ويرتاح رأس الأم من طلباتهم ومشاكساتهم. لكن أمَّنا الغولة هذا الزمن موجودة جهاراً نهاراً، مرحرحة تشفط أُكُلَها كل حين من جيوبنا وتتسلَّى بقزقزة أموالنا، ممسكة «بزمارة» رقابنا، مثل الحكومة، فالشعب له الحق بالاعتراض والصراخ، وهي لها الحق أن «تصمّ إذنيها».
للقارىء اللبيب، أمَّنا الغولة هي شركات التأمين وأقساطها التي لا تنتهي. التأمين الصحي، التأمين على الحياة وعلى الأملاك والسيَّارات، وما أدراك ما التأمين على السيارات؟.
منذ سنين عديدة ومديدة، زوجي وأنا ندفع آلاف الدولارات سنوياً لشركات التأمين. الأولاد كبروا وكل واحد صار مسؤولاً عن حاله، وزوجي وأنا لدينا سجل نظيف؛ لا مخالفات ولا مضاربات ولا قضايا ضد شركات التأمين. قلنا الحمدلله الآن سوف يخف الحمل عن كاهلنا… ولكن هيهات.
قبل أشهر انقضى عقد إيجار سيارتي الحديثة، المدللة والمتشاوفة لان فيها كمبيوتر وأكسسوارات تكنولوجية أنا في غنى عنها ولا أستعملها. تغيير الزيت من النوع الأكسترا، البنزين العادي لا يناسبها والتأمين عليها شامل (فول كوفر)… ويجب الدفع لأمنا الغولة حتى لا تأكلنا.
اشتريت سيَّارة قديمة كما نصحني موظف التأمين. راح يحسب ويضرب الأرقام ويتخانق معها، وانتهت الجولة بصدمة تلقيتها بذهول حين قال لي الرقم. لم أوفر سوى خمسين دولاراً فقط!
سألته: معقول؟ كيف يكون التأمين على سيارة حديثة وسيارة قديمة نفس القيمة؟ وبأسلوبه المقنع والمحترف في التركيز على التفاصيل، قال إن السيارة القديمة تعاني من تصلّب شرايين وتضخم في حجم الموتور وترسبات الأملاح والكولسترول ولهاث ورعاش في المروحة وسعال حاد في أجهزة التبريد والتدفئة. لذلك شركات التأمين ولضمان حقوقها، تفرض على صاحب السيارة دفعات مرتفعة.
هذا ما حصل معي ومع زوجي الذي يمتلك هو الآخر سيَّارة قديمة.
وكأن الذي فينا لا يكفينا. فالحكومة، بمختلف مستوياتها المحلية والفدرالية، جعلت لنفسها نصيباً محدّداً في كل دولار نتقاضاه. وهناك مثل أميركي يقول: أمران لا مفر منهما، الموت والضرائب –صيفاً شتاءً– والقانون يفرض علينا الطاعة… طاعة أمَّنا الغولة حتى لا تأكلنا!
Leave a Reply