القاهرة – ودّعت مصر، الأسبوع الماضي، 16 جندياً من القوات المسلحة استشهدوا في الهجوم المشبوه الذي استهدف موقعاً عسكرياً مصرياً في منطقة العريش، وذلك في جنازة عسكرية شعبية شارك فيها الآلاف من المواطنين والشخصيات السياسية والحزبية، وغاب عنها الرئيس محمد مرسي، في وقت بدأ الجيش المصري عملية أمنية واسعة النطاق في سيناء، حيث شرع في هدم أنفاق التهريب بين مصر وقطاع غزة، تزامناً مع تنفيذ حملة مداهمات في المنطقة الحدودية في حين تم الإعلان عن مقتل ٢٥ مسلحاً.
ورغم هذا التطور الميداني غير المسبوق حرصت السلطات المصرية، المدنية والعسكرية، على عدم طرح اتفاقية «كامب ديفيد» للنقاش، لاسيما وأنها تجرد القاهرة من سيادتها على شبه جزيرة سيناء مما أتاح تمركز مجموعات مسلحة مجهولة الانتماء في مناطق البدو.
وفي السياق، أعلن مسؤول اسرائيلي عبر وكالة الصحافة الفرنسية أن الدولة العبرية سمحت لمصر بنشر مروحيات قتالية في شبه جزيرة سيناء المصرية لملاحقة الناشطين الإسلاميين المتشددين الذين نفذوا مؤخرا العديد من الهجمات.
وقتل 16 من أفراد حرس الحدود المصريين الأحد الماضي بالقرب من الحدود مع اسرائيل بأيدي مجموعة مسلحة تسللت بعد ذلك الى الدولة العبرية حيث قتل الجيش الاسرائيلي ستة الى ثمانية من أفرادها.
وأقيمت مراسم الجنازة العسكرية لشهداء الهجوم على رفح من أمام مسجد آل رشدان، وحتى النصب التذكاري للجندي المجهول. وشارك آلاف المصريين في الجنازة التي تقدمها رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي، ورئيس الأركان سامي عنان، وشيخ الأزهر أحمد الطيب، وقائمقام بابا الأقباط الأنبا باخوميوس، ورئيس الحكومة هشام قنديل، ومرشحو الرئاسة السابقون حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى، وعدد من الشخصيات الحزبية والسياسية.
وكان لافتاً غياب الرئيس محمد مرسي عن مراسم التشييع، ما أثار غضب المشيعين الذين حولوا الجنازة إلى ما يشبه تظاهرة ضد «الإخوان المسلمين» والرئيس الغائب. وهتف المشاركون في الجنازة «يسقط يسقط حكم المرشد»، و«يا مشير قول لعنان… مصر مش دولة إخوان»، و«يا شهيد نام وارتاح .. واحنا نكمل الكفاح» و«بلدي يا بلدي.. مرسي قتل ولدي»، و«الشعب يريد إعدام الرئيس»، و«عبد الناصر قالها زمان.. الإخوان ما لهمش أمان»، و«يوم 24.. كل المصريين نازلين»، في إشارة إلى الدعوة لمليونية أمام القصر الرئاسي للمطالبة برحيل مرسي وإعادة المعتقلين الإسلاميين الذين أفرج عنهم من السجون.
وبرر المتحدث باسم الرئاسة المصرية ياسر علي غياب مرسي عن الجنازة بالقول إن «المشهد كان شعبياً والرئيس آثر أن يظل المشهد شعبياً».
من جهته، قال رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء مراد موافي، في مقابلة مع وكالة «الأناضول»، إن «مصر كانت لديها معلومات بوقوع الحادث الإجرامي في رفح والعناصر المشتركة فيه… لكننا لم نتصور أبدا أن يقتل مسلم أخاه المسلم ساعة الإفطار في رمضان».
وتتوافق تصريحات موافي الذي عين في منصبه نتيجة الاعتداء على حرس الحدود مع ما قاله نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» موسى أبو مرزوق لـ«الأناضول» حيث أوضح أن الموساد سلم المخابرات المصرية قائمة بأسماء تسعة إرهابيين يتبعون «جماعة التوحيد والجهاد» قبل وقوع الهجوم.
يأتي ذلك، في وقت كشفت وكالة «أسوشييتد برس»، في تقرير لها، كواليس لقاء الرئيس محمد مرسي، بوفد من قيادات حركة «حماس» قبل هجوم سيناء. واستبعدت حكومة غزة ما أثير بشأن مشاركة مسلحين فلسطينيين في مذبحة سيناء وانتقدوا القاهرة لأنها فرضت «عقابا جماعيا» على القطاع المحاصر بعد إغلاق معبر رفح وهدم الأنفاق المؤدية إليه. وكان الجيش المصري، قد تعهد بالثأر لدماء جنوده، مشيراً إلى أن «عناصر من قطاع غزة» ساندت الهجوم من خلال قصف مدفعي استهدف منطقة كرم أبو سالم، في وقت لم تستبعد جماعة «الإخوان المسلمين» ضلوع إسرائيل في العملية، معتبرة أن الجريمة يمكن أن تنسب إلى الموساد الذي يسعى لإجهاض «ثورة 25 يناير».
ولم تكن العملية التي شنتها مجموعات مسلحة على القاعدة العسكرية في سيناء، الأحد الماضي، الأولى من نوعها، لكنها كانت الأقسى والأكثر دموية وتنظيماً منذ سنوات طويلة. بدا واضحاً أن العملية جاءت في سياق تصعيد العنف في منطقة حساسة وفق اعتبارات عدة، ومع أن هوية المسؤولين عن قتل 16 جندياً مصرياً وسرقة آليات عسكرية ظلّت مجهولة حتى الساعة، إلا أن تداعيات ما ارتكبوه، والتحديات التي تشكلها لكل من مصر وفلسطين وإسرائيل، برزت إلى الواجهة منذ اللحظات الأولى لوقوع الاعتداء.
«أخونة» الإعلام المصري
امتنع عدد من كتاب الصحف المصرية عن الكتابة، يوم الأربعاء الماضي، حيث حلت مساحات بيضاء محل أعمدتهم في ثلاث صحف مستقلة، مؤكدين أن هذا الموقف اتخذ احتجاجا على محاولات «الإخوان المسلمين» السيطرة على الصحافة ومؤسسات الإعلام الحكومية المملوكة للشعب. ويأتي هذا الاحتجاج غداة إعلان مجلس الشورى، الذي تتبعه الصحف القومية، تعيين رؤساء مجالس إدارة ورؤساء تحرير جدد لهذه الصحف، برغم اعتراض نقابة الصحفيين على استمرار العمل بالآليات التي كانت متبعة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك لإدارة الصحف الحكومية. ومجلس الشورى هو الغرفة الثانية للبرلمان ويهيمن عليه «حزب الحرية والعدالة» المنبثق عن جماعة «الإخوان»، و«حزب النور» السلفي.
Leave a Reply