ساكنة العتبة أمي
التي ودعتني في الصباح
بضفيرة قليلة
ويدين من دعاء
حفرت ظلاً على الحائط
رافقني إلى الباب
عد باكراً، قالت لي
وعلقت في زندي شمساً وأحد عشر كوكباً…
«زاهي وهبي»
في عيد الأم سنة 2007، كتبت أول مقال لي في صحيفة «صدى الوطن». كتبته وقتها كتحية إلى روح أمي التي رحلت قبل سنين، لأعتذر لها، لأني لا أتذكر أني حملت لها يوماً هدية، أو وردة، أو أنني قلت لها كلمة «أحبك يا أمي»، أيام الصبا والشباب وفي أوج الاعتداد بالتحرر من كل ارتباط، وفي هوجات التمرد على العادات والموروثات.
حتى أنني في إحدى سنين الدراسة، طلب أستاذ اللغة العربية منَّا كطلَّاب، كتابة موضوع إنشاء تعبيري عن الأم، كتبت عن أبي. كتبت عن محبته وعطفه منذ أن فتحت عينيَّ على العالم العذب، وأنني لولا إصراره وتشجيعه لي للذهاب إلى المدرسة، رغم معارضة أمِّي الشديدة، لكنت الآن أميَّة لا تعرف القراءة والكتابة، مثل معظم فتيات القرية وقتذاك، يعملن في البيت والحقل.
كانت علاقتي بأمي وأنا صغيرة وفيما بعد عندما أصبحت شابة، علاقة مضطربة. كنت دائماً أميل إلى أبي، لحنانه وطيبته وتغاضيه عن هفواتي وتمردي. في بيت قسمته الحياة إلى أبٍ عطوف ومتفانٍ، يريدني أن أتعلم وأن لا أشقى في الحياة مثله، وبين أم أشبه بقائد العسكر، إن قالت لشيء أن يكون، فيجب أن يكون.
بعد أن كبرت وأصبحتُ أمَّاً، أدركت التعب والسهر والصبر الذي تحملته أمِّي في تربية عائلة كبيرة العدد في قرية بسيطة، وحياة مليئة بالعذاب والفقر والحاجة وأهوال الحروب والنزوح المتكرر. اعتذرت منها كثيراً وطلبت منها أن تغفر لي طيش وعناد الشباب.
يحل عيد الأم هذه السنة 2017 وفي قلبي امتنان لأبي الذي شجَّعني على دخول المدرسة ولأمِّي الحبيبة التي بسببها بدأت الكتابة في جريدة “صدى الوطن” قبل عشر سنوات، ومن خلالها تعرفت وتواصلت مع قرَّاء عديدين وأصدقاء كثيرين.
مضى من عمري أكثره. كانت قامة أبي المرتفعة بكرامة دوماً، وعينا أمي الخضراوان، ويداها الصغيرتان الناعمتان، علامات من علامات حياتي. وإلى كل أم صابرة مثل أمي، تبكي فلا يُسمع لبكائها صوت، إذ تضع يدها على فمها وتكبت مشاعرها وحزنها، وتخزن أسرارها في قلبها.
إلى الأمهات العربيات جميعاً –وعلى رأسهن الأمهات الفلسطينيات اللواتي لا يبرحن مهرجانات التضامن مع الأسرى، منتظرات لحظة تاريخية يحتضن فيها أبناؤهن الذين قد تفرج عنهم سلطات الإحتلال في يوم ما– ألف سلام. لمثل هاتيك الأمهات تليق التحية في العيد!
وإلى ابني البكر الحبيب مازن، أقول، وقد وجدته رمزاً للبر بالوالدين، فكان الابن المسؤول ومصدر الفخز والبهجة: أعتبر نفسي محظوظة حين أحب الله أن يعوضني بوجودك البهي في حياتي ودنياي.
وفي كل عيدٍ للأم، أومن أنك أثمن هدايا الرحمن وعطاياه، وحين أضمك إلى حضني، تجتاح القلب والعين، وأبقيك في روح الروح، وأحملك وزر مسؤولية الابن البار بأمه!
Leave a Reply