لا أخفي أبداً أنني كنتُ أرغب في فوز المرشح الديمقراطي جون كيري في الانتخابات الرئاسية التي نافس فيها بوش عام 2004، ولكنني أتذكر أيضاً أنني كنت أتمنى، في مرحلة من المراحل، أن تكون الانتخابات حاسمة، كيفما كانت النتيجة. ذلك أنه بعد هزيمة «بطاقات التصويت العالقة» لعام 2000 والحقد الحزبي الذي سبقها ثم ازداد عقب ذلك السباق، فإنني لم أكن واثقاً أبداً من أننا نستطيع تحمل انتخابات أخرى تكون نتيجتها وشرعيتها موضع شك.
وهذا العام، أخشى أن الوضع قد ازداد سوءاً. ذلك أنه منذ أربع سنوات ونحن نشهد ليس عرقلة وجمود حزبين فحسب، وإنما حملة شعواء متواصلة تهدف إلى نزع الشرعية عن شخص الرئيس -حيث أثيرت أسئلة كثيرة حول مكان ولادته (وبالتالي أهليته لشغل منصب الرئاسة في الولايات المتحدة من الأساس) ودينه (وبالتالي ما إن كان يكذب بشأن ديانته المسيحية أم لا). كما أن الخطاب العنصري والهجمات المسمومة ضد أوباما كانت أحياناً متطرفة بشكل ملفت وتبعث على القلق إلى حد بعيد.
وواقع الأمر أننا أمة في أزمة، أمة منقسمة انقساماً عميقاً جداً إلى درجة أن الوضع يمكن تشبيهه في بعض الأحيان بأنه أشبه ما يكون بحرب أهلية صامتة، ولكن تغلي فوق نار هادئة. ومما لاشك فيه أننا في أميركا سبق أن شهدنا خلافات وتعصب الحزبين من قبل، ولكن الوضع هذه المرة مختلف لأسباب في مقدمتها حقيقة أن المكونات المتحاربة من الهيئة الناخبة باتت أكثر قوة.
ففي الانتخابات السابقة، كان الناخبون البيض الغاضبون المنتمون إلى الطبقة الوسطى يؤخذون في نزهة. لقد كانوا «ديمقراطيي ريغان» الذين يسعى الحزب الجمهوري إلى استمالتهم وإغوائهم من خلال تلميحات حول الاستياء العرقي أو ما يسمى «المشكلات الاجتماعية». وكان يخطب ودهم من أجل أصواتهم، ثم سرعان ما يتخلى عنهم بكل انتهازية سياسية وحزبية. ولكن مع قدوم حركة «حفل الشاي»، لم يعد هؤلاء الأشخاص يؤخذون إلى نزهة، وإنما صاروا اليوم خلف المقود ويقومون باستعراض عضلاتهم.
وبعد مغازلتهم وتنظيمهم، بل وحتى تمويلهم، من قبل الحزب الجمهوري، انقلبت حركة «حفل الشاي»، في حالات عديدة على رعاتها زارعة الخوف والتوجس الواسع في قلوب المؤسسة الجمهورية. وعلى سبيل المثال، ففي الدورتين الانتخابيتين الأخيرتين تمكنت تلك الحركة من هزيمة شخصيات وازنة تعد من رموز الحزب، وساعدت في انتخاب أشخاص تتملكهم مشاعر الغضب والاستياء ويرفضون التوافق مثلهم.
وعلى الجانب الليبرالي من السياسة الأميركية، هناك حدة أيضاً صادرة عن الأميركيين الأفارقة واللاتينيين والحركات النسوية وحركات المثليين إضافة إلى النقابات العمالية. وذلك لأنهم يخشون من ضياع وانتكاس المكاسب التي حققوها بشق الأنفس خلال الفترة الماضية. ونتيجة لذلك، فإنهم يُظهرون استعداداً للقتال لم يشاهد نظير له منذ أيام حركة الحقوق المدنية. وتضاف إلى ذلك كله، بطبيعة الحال، بعض العناصر المحسوبة هي أيضاً على اليسار، من قبيل «حركة احتلوا» وعدد من اللجان التنظيمية التقدمية الناشطة على شبكة الإنترنت، التي أعلنت استقلالها عن مؤسسة الحزب الديمقراطي.
وكلا الجانبين منظمان بشكل مستقل عن قيادتي الحزبين الرئيسيين ويدفعان في اتجاه تطبيق أجندتيهما المختلفتين، وينظران أحدهما إلى الآخر بكراهية. وإضافة إلى ذلك، فإن كل طرف يستطيع متابعة وسائل إعلامه الوطنية الخاصة التي تغذي غضبه وارتيابه من الآخر. وبعد الاستماع إلى كلي الطرفين يتضح أن كل واحد منهما لديه تعريفه وفهمه الخاص لأن يكون المرء أميركياً، وهو فهم ينزع من نواح كثيرة الشرعية عن الآخر. بيد أن إلقاء اللوم على الرئيس وتحميله المسؤولية عن هذه الحالة المؤسفة التي آل إليها وضعنا مثلما يفعل البعض، هو أمر مناف للعقل بكل وضوح. كيف لا وهو نفسه ضحية وهدف لسياسة الانقسام، وليس هو من يقف وراءها!
وبالنظر إلى استطلاعات الرأي، قبل الاقتراع الرئاسي يوم الثلاثاء الماضي، التي لم تُظهر أن السباق الوطني سيكون متقارباً فحسب وإنما أن ما قد يصل إلى خمس ولايات قد تكون نتائجها متقاربة جداً إلى درجة أنها قد تحتاج إلى عمليات فرز للأصوات، فقد كنت قلقاً من إمكانية حدوث أزمة أعمق عند نهاية الانتخابات -أياً تكن نتيجتها. ذلك أنني كنت أخشى أن نزداد بعداً وانفصالًا عن بعضنا بعضاً بدلاً من أن نلتف حول بعضنا بعضاً ونتحد لتحقيق أهدافنا الوطنية المشتركة. كما أخشى أن تشهد السنوات الأربع المقبلة مشاعر حقد وكراهية أكبر من تلك التي شهدتها السنوات الأربع الماضية. وإذا أضحى نموذج ماكونيل-باينر لسياسة العرقلة وفق مبدأ «المنتصر-المهزوم» هو أسلوب العمل الجديد للسياسة في واشنطن، فعندها يمكن التنبؤ بأن مشاعر الغضب وانعدام الثقة الكبير التي باتت تميز المشهد السياسي في بلدنا ستستمر في إعاقة قدرتنا على العمل معاً بعد الانتخابات من أجل مواجهة التحديات التي تنتظر بلدنا.
Leave a Reply