بدأت عقود من جهود المنظمات العربية الأميركية تأتي أُكُلها، حيث وافق مكتب الإحصاء الأميركي رسمياً على إضافة خانة خاصة للسكان المنحدرين من أصول شرق أوسطية وشمال إفريقية (MENA) في إحصاء العام 2020، وهو قرار لا يزال بحاجة إلى موافقة الدائرة الحكومية المختصة والكونغرس الأميركي.
وكان «مكتب الإدارة والميزانية» (OMB) في الإدارة الأميركية، قد عقد في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي ندوة نقاش حول إضافة الخانة الجديدة ضمن سؤال العرق والإثنية. وقد أعلن حينها تحالف من أعضاء اللجنة الوطنية الاستشارية لمكتب التعداد الأميركي، وهي اللجنة المعنية بصياغة سؤال العرق والإثنية في استمارة الإحصاء: إن الحملة الرامية إلى تحسين تمثيل العرب الأميركيين في الخريطة الديموغرافية والسياسية والاقتصادية للولايات المتحدة قد اقترب من أن يصبح واقعاً ملموساً.
وتضم اللجنة الاستشارية ممثلين عن جاليات 22 بلداً عربياً، إضافة لممثلين عن تركيا وإيران وإسرائيل، وهي دول مشمولة في الفئة الإثنية الجديدة.
وقد أقر أعضاء اللجنة بالإجماع في 28 نيسان (أبريل) الماضي اعتماد الفئة الجديدة MENA بعد تشكيل فرق عمل متعددة وإجراء مسح شمل 1.2 مليون أميركياً من أصول شرق أوسطية.
وأفاد عضو اللجنة، المدير التنفيذي لمنظمة «أكسس» حسن جابر لـ«صدى الوطن» أن نصف المستطلعين تجاوبوا مع المسح، وقد أعرب 78 بالمئة منهم عن تأييدهم لاعتماد الفئة الجديدة بدلاً من إدراجهم ضمن خانة «البيض» أو «آخرون».
وأشار جابر إلى أن «أكسس»، ومقرها ديربورن، كان خلال السنوات الـ25 الأخيرة في طليعة الجهود الرامية لإضافة خانة خاصة بالعرب الأميركيين، ولكن ذلك التطلع لم يصبح ممكناً إلا خلال السنوات الخمس الأخيرة.
ويتيح الإحصاء بصيغته الجديدة خيارات فرعية لتحديد هوية البلد الذي ينحدر منه السكان، حيث سيدرج تحت فئة «مينا»، ستة جنسيات بينها اللبنانية والمصرية، كما يمكن للفرد تحديد اسم البلد الذي ينتمي إليه في خانة فارغة يمكن ملؤها بالكتابة بخط اليد.
دحر المعارضة
وأضاف جابر أنه في إطار النقاش بين أعضاء اللجنة الاستشارية سيقت بعض الحجج ضد إضافة الخانة الجديدة، باعتبار أنها ستخفض نسبة الأميركيين البيض و«ستسهم في تشظية المجتمعات وتشويه معنى أن يكون الفرد أميركياً»، بحسب منظمة «ذي هيريتدج فاونديشن»، وهي مؤسسة فكرية محافظة كانت في طليعة معارضي اعتماد الفئة الجديدة.
وكانت المديرة التنفيذية لـ«المعهد العربي الأميركي» (أي أي آي) في واشنطن، مايا بري، قد كشفت لـ«صدى الوطن» في تشرين الأول (اكتوبر) الماضي أن بعض العرب الأميركيين أبدوا معارضتهم لمقترح إضافة فئة خاصة بهم في استمارة التعداد السكاني، خشية أن يتم استخدام البيانات للتجسس عليهم من قبل الوكالات الفدرالية، غير أن بري تقول في هذا الصدد إن «أعداد العرب الأميركيين لم تكن مطلوبة يوماً للتجسس على مجتمعاتنا».
ومن ناحيته، أكد جابر أن اللجنة الاستشارية أخذت بالفعل مسألة الخصوصية بعين الاعتبار، مضيفاً أن اللجنة ضغطت على مكتب الإحصاء لإعادة تأكيد التزامه بسرية المعلومات التي يتم جمعها من خلال رفع تقارير نصف سنوية للجنة للتأكد من ذلك، لافتاً إلى أن هذا المقترح أيضاً تم إقراره بالإجماع.
وقال جابر إن المعلومات التي جمعت من خلال المسوح السابقة قد تم تدميرها للتو من قبل مكتب الإحصاء، بعد أن أدخلت البياتات.
مزايا وفوائد
في إحصاء العام 2010 بالكاد تجاوزت أعداد العرب الأميركيين مليون شخص، لكن «المعهد العربي الأميركي» يقدر أعدادهم بحوالي 3.7 مليون استناداً إلى بيانات المعهد ووتيرة الهجرة. وبحسب بيانات المعهد يشكل العرب الأميركيون قرابة 5 بالمئة من الناخبين في ميشيغن، و2 بالمئة من الأصوات الناخبة في ولاية أوهايو.
وبصرف النظر عن غرض التعداد الوطني بإحصاء كل الأفراد المقيمين في الولايات المتحدة، فإن أنصار إضافة خانة «مينا» يرون أن الكشف عن الحجم الحقيقي للمجتمع العربي الأميركي كفيل بتوفير مخصصات عادلة من الخدمات الحكومية، إلى جانب تحسين مستوى التعليم المطلوب بما في ذلك برامج تعليم الإنكليزية كلغة ثانية، وهي برامج لتكييف اللاجئين والمهاجرين الجدد.
وقال جابر إن التقدم المحقق جاء ثمرة جهود المنظمات الداعمة للمشروع، والتي جعلت من المقترح مسألة مقنعة في إطار أهداف الإحصاء الوطني، إلى جانب إظهار «جبل الجليد»، في إشارة إلى أن أعداد العرب الأميركيين المعلنة لا تشكل سوى جزءاً يسيراً (رأس جبل الجليد) من حجمهم الحقيقي.
وقال إن تحقيق ذلك من شأنه أن يعزز التمثيل السياسي للعرب الأميركيين وفرصهم الانتخابية، كما سيكسب العرب الأميركيين مكانة ومشروعية في المجال الاقتصادي.
كما أن التمثيل الدقيق للمجتمعات الإثنية المتنوعة سيمكن –للمرة الأولى– من إيضاح الصورة في مجالات التمييز في العمل والخدمات الصحية، ففي الوقت الراهن تتلقى وزارة العدل الأميركية شكاوى بالتمييز من قبل أبناء الأقليات المحسوبين على البيض (كالعرب مثلاً) مما يصعب إمكانية رصد التجاوزات العنصرية بحقهم.
وكذلك من شأن خانة «مينا» أن تسمح بقياس مستويات الترهيب وانتهاكات الحقوق المدنية لأبناء تلك المجتمعات.
استحقاقان
جابر أكد أن اعتماد مكتب الإحصاء على توصية اللجنة الاستشارية هو إشارة جيدة، ولكن المقترح مايزال يتطلب موافقة «مكتب الإدارة والميزانية» (أو أم بي) والذي من المنتظر أن يتخذ قراره بحلول كانون الأول (ديسمبر) القادم.
وإذا تم اعتماد التوصية فسوف يتم إرسال المقترح إلى الكونغرس الذي سيقوم بمراجعة الصياغة اللغوية ويحدد فيما إذا كانت خانة «مينا» ستدرج في إحصاء العام 2020.
Leave a Reply