في جنازة مهيبة امتدت من ديربورن إلى واشنطن
واشنطن، ديربورن – «صدى الوطن»
ودعت ديربورن وعموم الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، عميد الكونغرس الأميركي الراحل جون دينغل في مراسم تأبين وجنازة مهيبة امتدت من ديربورن إلى العاصمة واشنطن حيث أقيم حفل تأبين حاشد حضره عدد كبير من المسؤولين والمشرعين الأميركيين الحاليين والسابقين تقدمهم الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون ونائب الرئيس السابق جو بايدن، قبل أن يوارى الراحل الثرى في مقبرة آرلينغتون الوطنية.
وأمّ حفلات التأبين والعزاء آلاف الأميركيين الذين قدِموا لمواساة عائلة الفقيد الذي رحل عن ٩٢ عاماً في منزله بديربورن يوم ٧ شباط (فبراير) الحالي. وألقت وفود المواطنين النظرة الأخيرة على نعش النائب الذي مثلهم قرابة ستة عقود تحت قبة الكابيتول (1955–2015)، وعاصر ١١ رئيساً أميركياً بداية من دوايت أيزنهاور (الرئيس الـ34) إلى باراك أوباما (الرئيس الـ44).
وكان حضور العرب الأميركيين بارزاً خلال حفل العزاء الذي أقيم في «مركز فورد للفنون» بمدينة ديربورن، الاثنين الماضي، حيث عُرف الفقيد بصداقته الوطيدة مع الجالية العربية في منطقة مترو ديترويت.
جثمان الفقيد كان قد وصل إلى مبنى الكابيتول في العاصمة واشنطن، يوم الثلاثاء الماضي، حيث ألقى أعضاء الكونغرس نظرة الوداع الأخيرة على نعش النائب الأكثر خدمة في تاريخ الولايات المتحدة.
مستر ميشيغن
وخلال حفل التأبين الذي أقيم في «كنيسة الثالوث المقدس الكاثوليكية» بالعاصمة واشنطن، الخميس الماضي، وصف الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، النائب الراحل بأنه «صانع قرار أكبر من الحياة.. ناضل بعناد من أجل مواقفه» مستدركاً «مع ذلك، فقد نال احترام زملائه من كلا الحزبين».
وخاطب الحفل الحاشد الذي حضره مشرعون من كلا الحزبين: «لقد كان دينغل شخصاً قوياً. كان رجلاً من الطراز العتيد، وفعل أشياء بموضة قديمة، يجب أن نتبناها في الأزمنة الحديثة».
كما تحدث عن تأثيره العميق في شخصية زوجته، النائب الديمقراطية ديبي دينغل التي خلفته في تمثيل الدائرة الـ12 في الكونغرس الأميركي، منذ العام 2015. وقال: «لقد كان شخصية من الطراز العالمي».
من جانبه، النائب الديمقراطي عن ميشيغن فريد أبتون وصفه بـ«مستر ميشيغن»، مشيداً بجهوده الجبارة في «لجنة الطاقة والتجارة» بالكونغرس، وبعمله مع المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين، مشدداً على أنه «كان مثالاً رائعاً للعمل مع الأعضاء من كلا الحزبين».
أما أيقونة الحقوق المدنية، النائب جون لويس (ديمقراطي – جورجيا)، فقد أعاد التذكير بدعم دينغل لقانون الحقوق المدنية لعام 1964، وهو الدعم «الذي هدد بعدم إعادة انتخابه»، بعدما خلف والده تحت قبة الكابيتول منذ 1955.
وقال: «لقد صوّت دينغل (حينها) على مشروع القانون باعتباره عملاً من أعمال الضمير»، مضيفاً أنه «لم يتهرب من قراره»، وأنه على العكس من ذلك «دافع بصلابة عن محاولات إدانته»، بسبب تصويته لصالح القرار.
ووصف رئيس مجلس النواب السابق جون باينر (جمهوري –أوهايو) دينغل بأنه «كان مرشداً ومراقباً للكثيرين ممن خدموا تحت قبة الكابيتول»، وأضاف: «لقد حظي بتبجيل الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء».
أكبر من الحياة
وعلى غرار الآخرين، أشار باينر إلى شخصية الفقيد «الفاقعة»، وقال: «لم يكن عسلاً ولا خلّاً، ولكنه كان حباً قاسياً»، لافتاً إلى نزاهته ووضوحه، قائلاً: «أنت تعرف دائماً المكان الذي تقف فيه.. مع السيد دينغل».
زعيم الأغلبية بمجلس النواب ستيني هوير (ديمقراطي–ماريلاند)، استعرض فصولاً من علاقته مع دينغل خلال السنوات التي جمعتهما تحت قبة الكابيتول، مشيراً إلى أنه كان يرى فيه «شخصاً أكبر من الحياة». وأضاف «لم أتوقف مطلقاً عن التطلع إليه، والإعجاب به».
وأجمع المتحدثون، على مناقب دينغل المهنية وشمائله الشخصية، وكذلك على تفانيه الشديد في خدمة دائرته الانتخابية، كما أجمعوا على أنه ترك بصمة على مجموعة واسعة من التشريعات خلال خدمته التي قاربت الستين عاماً.
نموذج للكرامة
وكانت طائرة عسكرية تحمل مجموعة من أعضاء الكونغرس، قد عادت أدراجها إلى واشنطن بسبب سوء الأحوال الجوية، الثلاثاء الماضي، كان على متنها النائبان جون لويس وفريد أبتون.
وكان من المقرر أن يشارك لويس وأبتون، إضافة إلى رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، في تأبين دينغل بكنيسة «ديفاين تشايلد» في ديربورن، الثلاثاء الماضي، إلا أن رداءة الطقس حالت دون قدومهم.
وأمام ما يقرب من ألف شخص احتشدوا في الكنيسة الديربورنية، نعى بايدن، الفقيد الكبير ووصفه بأنه نموذج للكرامة والكياسة. وقال: «لقد آمن جون بأن الجميع بلا استثناء يستحقون معاملتهم باحترام. الكرامة كانت في الطريقة التي يمشي ويتحدث بها، وفي الطريقة التي قدم بها نفسه، وأكثر من ذلك، كانت في طريقة تعامله مع الجميع».
أضاف: «لقد عرف جون دينغل أن الوظائف تعني أكثر من الرواتب، وأن الضمان الصحي يعني أكثر من مجرد كون الناس بصحة جيدة، كلا الأمرين بالنسبة له كانا حول الكرامة»، مؤكداً على أن دينغل «عامل الجميع باحترام خلال حياته، وإبان خدمته في الكونغرس».
ونعته بالشخص الذي فهم المعنى الحقيقي للخدمة العامة، وقال: «إن دينغل عرف أن الخدمة العامة ليست لقباً يُحمل، وإنما عمل يُنجز».
أضاف: «في جميع أرجاء أميركا، يحتفل الأميركيون اليوم بحياة جون دينغل، ليس لأن جون عرفهم وحسب، بل لأنهم عرفوه أيضاً».
العرب الأميركيون يودعون دينغل
ويوم الاثنين الماضي، تلقت أرملة الفقيد، النائب الديمقراطية ديبي دينغل، التعازي من وفود المعزين الذين تقاطروا بالآلاف، في مقدمتهم مسؤولون حكوميون ومنتخبون رسميون، إضافة إلى العديد من الفعاليات الدينية والمجتمعية، من كافة الأعراق والإثنيات والعقائد.
وبين الساعتين الـ11 صباحاً والـ8 مساء، انتظر المعزون ساعات طويلة ضمن الطوابير، كي يتنسى لهم تقديم المواساة لعائلة دينغل، في إشارة واضحة الدلالة على الشعبية الكاسحة التي تمتع بها الراحل حتى بعد تقاعده من الخدمة العامة في 2015.
وكان الحضور العربي الأميركي لافتاً في حفل تأبين النائب الراحل الذي عُرف بصداقته الوطيدة مع الجالية في منطقة ديترويت الكبرى ومواظبته على المشاركة في فعالياتها والدفاع المخلص عن حقوقها المدنية والسياسية.
وقد أعربت القاضي في محكمة مقاطعة وين مريم بزي عن أسفها لرحيل الفقيد الكبير، وقالت: «من خلال حرصي على تقديم واجب العزاء لأسرة الراحل، أردت التأكيد على إظهار عميق احترامي لأيقونة أميركية ولعائلته»، مضيفة لـ«صدى الوطن» أن «جون دينغل جسّد كل الخصائص والمواصفات التي يجب أن يحوزها جميع مسؤولي الخدمة العامة». وأكدت: «لقد كان شرفاً عظيماً لي أنني عرفته».
من جانبه، قال رئيس هيئة مطارات مقاطعة وين، المحامي نبيه عياد: «لقد كان جون دينغل يمثل كل ما هو جيد في النظام الديمقراطي الأميركي، لقد شكّل علامة فارقة للمعنى الحقيقي للخدمة العامة في بلادنا، باعتبارها أمة ديمقراطية».
وأضاف مؤسس «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية»: «لقد كانت نعمة.. أنني عرفت السيد جون دينغل لسنوات عديدة، وكان لي شرف أن يمثلني في مجلس النواب الأميركي».
وفي إشارة إلى جهوده في تشريع «قانون المساواة بالحقوق المدنية»، عام 1964، أكد عياد أن دينغل «عبّد الطريق بقيادة حقيقية» في معركة «قانون الحريات المدنية».
رجل الأعمال العربي الأميركي علي جواد، أكد: «عندما تفكر بمقاطعة وين، فأنت دائماً تفكر بجون دينغل الذي خدمنا لقرابة ستة عقود»، لافتاً إلى أن انتظار ساعتين ضمن طوابير المعزين «لا تساوي شيئاً».
وشدد مؤسس «النادي اللبناني الأميركي»: «لقد رحل جسده، ولكن تراثه سيبقى بيننا إلى الأبد.. الله يرحمه».
وقال الشيخ أحمد حمود، من «المركز الإسلامي في أميركا» بديربورن: «نحن جزء من هذا المجتمع، وأقل ما يمكننا فعله هو الامتنان لتراث دينغل وإبداء الاحترام لقائد خدم مجتمعنا وبلادنا لـ59 عاماً». وكان حفل التأبين قد تضمن عرض عشرات الصور الفوتوغراقية للراحل وهو يصافح العديد من القادة الوطنيين، في مقدمتهم الرؤساء الأميركيون السابقون: باراك أوباما جورج بوش الابن، بيل كلينتون، جورج بوش الأب، جيمي كارتر ورونالد ريغان.
وقال الناشط اليمني المخضرم علي بلعيد: «لقد خسرت ديربورن بوفاته، وكذلك ميشيغن وأميركا، هامة شامخة وقيادياً محنكاً ومناضلاً جسوراً أفنى حياته في خدمة ناخبيه وخدمة جميع الأميركيين». أضاف: «ربطتني به علاقة تزيد عن 45 عاماً، وقد شاركنا خلالها في العديد من الفعاليات والأنشطة ودعمنا حملاته الانتخابية مادياً ومعنوياً، وواصلنا الدعم لزوجته ديبي دينغل».
Leave a Reply