في جريمة أثارت موجة ردود أفعال واسعة ضد التعصب والتحرش العنصري، مثل أمام المحكمة، الثلاثاء الماضي، المدعو جيريمي جوزيف كريستن الذي بات يعرف في وسائل الإعلام بمهاجم قطار بورتلاند، الذي قام بقتل اثنين من الركاب طعناً بالسكين وأصاب ثالثاً بسبب دفاعهم عن امرأتين مسلمتين على متن القطار.
وكان كريستن (35 عاماً) قد أقدم –الجمعة الماضي– على طعن ثلاثة أشخاص هم ريكي جون (53 عاماً) وتاليسين نامكاي ميشي (23 عاماً) وميكا فلتشر (21 عاماً). وكان الثلاثة قد تدخلوا للدفاع عن امرأتين مسلمتين هاجمهما كريستن بعبارات مسيئة للإسلام، على متن قطار في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون.
وتوفي جون في موقع الجريمة، فيما لفظ ميشي أنفاسه في المستشفى، ونجا فلتشر من إصابة خطيرة.
وبحسب شرطة بورتلاند، فإن المهاجم وهو صاحب سوابق جنائية حيث أمضى عقوبة بالسجن لمدة ثماني سنوات، قام بتوجيه إهانات عرقية ودينية لامرأتين مسلمتين على متن قطار في محطة هوليوود ترانزيت، وحاول ثلاثة أشخاص منعه من مضايقة الإمرأتين، فبادر إلى مهاجمتهم وطعنهم.
ووصف قائد شرطة بورتلاند تيد ويلر الضحيتين بـ«البطلين»، وقال في مؤتمر صحافي –السبت الماضي– إنهما قتلا لأنهما قررا أن يفعلا الصواب.
ووجهت الشرطة لكريستن تهمتي القتل العمد والشروع بالقتل، والتهديد من الدرجة الثانية، وحيازة سلاح. وما زالت السلطات تبحث في إمكانية توجيه تهمة الكراهية للمتهم.
ونشر موقع صحيفة «ذي بورتلاند ميركوري» المحلية في المدينة عدة صور للقاتل التي بدا فيها خلال مشاركته بمظاهرة ضد المهاجرين في 29 نيسان (ابريل) الماضي. كما نشر الموقع معلومات عمن دافعوا عن المسلمتين، مشيراً إلى أن الناجي من القتل سيكون الشاهد الأهم في محاكمة القاتل، إضافة إلى شهود عيان آخرين.
استنكار
وأصدر «مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية» (كير) بياناً على الفور، أدان فيه ما أسماه «الجريمة البشعة» وقال إن الحوادث المناهضة للمسلمين «زادت من 2015 إلى 2016 أكثر من 50 بالمئة في الولايات المتحدة».
وفي وقت لاحق، وصف الرئيس دونالد ترامب هجوم بورتلاند بـ«غير المقبول»، مضيفا في تغريدة –الاثنين الماضي– أن الضحايا وقفوا في وجه الكراهية وعدم التسامح.
وأشار إمام «المنتدى الإسلامي في أميركا» السيد حسن القزويني إلى أن وصف «إرهابي» يبدو أنه مصمم فقط لأولئك الذين يسمون أنفسهم مسلمين، مشدداً في حديث مع «صدى الوطن» على ضرورة أن نسمي الأشياء بأسمائها، ومعبراً عن خيبة أمله بالرئيس ترامب لعدم خروجه وإدانته هجوم بورتلاند بوصفه هجوماً إرهابياً، وقال «لقد اختار الصمت وعدم قول أي شيء حول طبيعة هذه الجريمة البشعة».
وحيى القزويني «الأبطال الثلاثة» الذين انبروا للدفاع عن الإمرأتين المسلمتين، إذ أظهرت «شجاعتهم أن أميركا ماتزال واحدة من أعظم الدول على وجه الأرض»، وقال «إن هذه الحادثة المأساوية ستشجع المزيد من الناس على الحب»، مضيفاً «إنهم يشكلون مثالاً يحتذي به الآخرون في بلادنا لدرجة أنك حتى لو فقدت حياتك فالأمر يستحق.. من أجل مناصرة العدالة على المدى الطويل»،
وتابع بالقول «لأنك بذلك سوف تمنع مأساة أكبر.. أعتقد أن ما حدث (إيثار الأبطال الثلاثة) سيشجع الناس على فعل الشيء نفسه». والإرهاب يعني استخدام العنف وتخويف المدنيين بصورة غير مشروعة لتحقيق مكاسب سياسية، وفقاً لفعاليات إسلامية محلية ترى أن هذا التوصيف ينطبق على ما قام به مهاجم قطار بورتلاند.
وفي هذا السياق، قال المدير التنفيذي لـ«كير–ميشيغن»، داود وليد: إن المهاجم يندرج تحت تعريف «إرهابي محلي» بسبب تصرفاته، مضيفاً «أن لون بشرته الأبيض هو فقط ما يحميه من وصفه بالإرهابي».
وأضاف «إن وكالات إنفاذ القانون –وكذلك وسائل الإعلام– خجولة للغاية من وصف البيض بالإرهاب»، مشدداً على أن هذا السلوك «ينتهج منذ وقت طويل في المجتمع الأميركي الذي يسارع فيه المسؤولون الحكوميون ووسائل الإعلام إلى إطلاق التسمية على المسلمين من دون تحري المعلومات اللازمة عنهم».
وشدد على أن مثل هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، وقال «بشكل مشابه، وفي خضم حركة الحقوق المدنية بالولايات المتحدة قُتل أميركيون بيض لوقوفهم ودفاعهم عن حقوق مواطنيهم الأفارقة الأميركيين».
من جانبها، قالت المديرة السابقة لـ«الجمعية الوطنية للطلاب المسلمين» فاطمة سلمان «إن عدم توصيف هجوم بورتلاند بالإرهابي يجعله يبدو مقبولاً»، مضيفة «إنني أصلي لكي لا يكون المآل الذي آلت إليه أميركا على هذه الشاكلة، لأنه إذا كان الأمر كذلك، فهذا منعطف مظلم جداً». وشددت «في مواجهة الكراهية.. لا تترددوا في التصرف بحب».
وعبرت سلمان عن شعورها بالقلق تجاه الذين يعانون من آثار الكراهية وعلى من يناصرونهم، وقالت «إنه أمر مرعب أن تفكر به… هذه الكراهية سامة جداً بحيث تستهدف الجميع.. هذا ما تفعله الكراهية، إنها لا تسمح للناس بالتفكير بالشكل الصحيح».
المأساة عززت إيمان سلمان «بوجود أشخاص طيبيين في العالم»، مضيفة «إن الأشخاص المؤمنين والأشخاص الطيبين يؤمنون بأن عليهم القيام بما يتوجب عليهم القيام به.. هذا هو هدف العالم: الوقوف إلى جانب الحقيقة والعدالة والدفاع عنهما».
تبرعات
وكان المسلمون الأميركيون قد أخذوا على عاتقهم واجب جمع التبرعات لأسر الضحايا وعائلاتهم، إذ أطلقوا حملة في 27 أيار (مايو) الماضي بعنوان «المسلمون يتحدون من أجل أبطال بورتلاند».
وبادرت إلى إطلاق الحملة منظمتان إسلاميتان غير ربحيتين، الأولى هي مؤسسة «الصندوق التربوي الإسلامي» (أم إي تي)، وهي مؤسسة مقرها بورتلاند تسعى لمجتمع أفضل من خلال تقديم برامج تعليمية تعود بالفائدة على المسلمين وغيرهم، إضافة إلى منظمة «الاحتفال بالرحمة»، وهي منظمة تنشر الوعي حول سيرة وتعاليم النبي محمد (ص) من خلال الدروس والحملات الاجتماعية.
وفي هذا الإطار، قالت مديرة العلاقات العامة في منظمة «أم إي تي» رانيا أيوب لـ«صدى الوطن»: إن المنظمة شعرت بالحاجة إلى الإسراع في إظهار دعم المجتمع الإسلامي وامتنانه لشجاعة الرجال الثلاثة، مضيفة «أن الهدف الأولي من الحملة كان جمع مبلغ 60 ألف دولار لمساعدة أسر الضحايا».
وقالت إن المبلغ المطلوب قد تم جمعه بعد خمس ساعات من إطلاق الحملة التي ماتزال مستمرة بجمع التبرعات والتي تجاوزت حتى الآن أكثر من نصف مليون دولار.
وبحسب موقع جمع التبرعات فإن الأموال المجموعة سوف تغطي مبدئياً الاحتياجات الضرورية لأسر الضحايا، وفي حال لزم الأمر سيرصد جزء منها من أجل العناية الطبية بالناجي، فليتشر.
وأشارت أيوب إلى أن قيادات «أم إي تي» قد التقوا بوالدة فليتشر، وسوف يقومون بزيارة العائلتين الأخريين في القريب العاجل. وقالت «إننا نخطط لإقامة حفل تأبين الأحد القادم، وعبرت عن أملها في أن يتمكن «البطل الثالث من حضور الحفل».
Leave a Reply