يقول المثل الأميركي: إذا وضعت أحمر الشفاه على خنزير.. يبقى خنزيراً.
كذلك إذا أضفـيت بعض الكوميديا على الكراهية تبقى كراهية.
إن التقرير الذي بثته قناة «فوكس نيوز» الأميركية ضمن برنامج «أورايلي فاكتور» عن مدينة ديربورن، ليلة الاثنين الماضي، لا تنقصه روح الفكاهة، غير أن هذا لا يعني أن ذلك التقرير المتلفز خالٍ من رسائل الكراهية والعنصرية والتمييز ضد العرب والمسلمين، بل يمكن القول بدون مبالغة إنه يغصّ بها.
كما أن المراسل جيسي ووترز الذي أعد التقرير، وفـي الوقت الذي كان يحاول فـيه أن يبدو ظريفاً ومتمتعاً بروح الفكاهة، كان فـي الحقيقة يسخر ويمتهن القيم الثقافـية والحضارية، العربية والإسلامية، وغير آبه باحترام الأشخاص الذين قابلهم، خاصة وهو يسألهم أسئلة من نوع: هل تحن إلى الصحراء؟ وهل تحتفل بأعياد الميلاد؟ إلى آخر هذه الأسطوانة الممجوجة من الأسئلة النابعة من التصورات العنصرية الشائعة فـي الثقافة الأميركية المعادية للمهاجرين والأقليات.
وبالطبع، علينا ألا نغض النظر عن عرض الحيل التقنية التي تبدو فـي ظاهرها بريئة ولكنها تختزن فـي العمق موقفا سلبيا من «الغرباء»، ففـي اللقطات التي ظهر فـيها العرب وهم يجيبون على أسئلة المراسل، كانت تظهر على الشاشة ترجمة مرافقة فـي أسفل الشاشة (لتوضيح ما يقولونه) فـي سلوك استعلائي يراد منه إقناع الأميركيين أنهم يشاهدون أشخاصا يتحدثون بلكنة إنكليزية ثقيلة، وغير مفهومة، بغية الإيحاء بأنهم لا ينتمون إلى هذه البلاد ولا إلى الثقافة الأميركية.
ومأساتنا نحن العرب والمسلمين الأميركيين إزاء هذا الصنف المتغطرس من المتعصبين لا تتمثل فـي البرهنة على أميركيتنا أسوة بباقي الأميركيين، فهؤلاء الموتورون لا يكتفون بالتشكيك بانتمائنا إلى هذا البلد الذي اخترناه وطنا نهائيا، بل يتعمدون فـي كل شاردة وواردة التشكيك بإنسانيتنا وقيمنا الثقافـية واالدينية التي يرون فـيها خطرا يتهدد أعمالهم وقيمهم ووجودهم. وهذه قمة المأساة!
وقناة «فوكس نيوز» لم ترَ، وبدافع الكراهية المقصود، فـي مدينة ديربورن نموذجا ناجحا وخلاقا للتعايش المشترك بين أتباع الأديان المتعددة، ولم تنتبه إلى وجود كنيسة على بعد خطوات فقط من أكبر مركز إسلامي فـي الولايات المتحدة، ولم تحاول أن تستكشف العلاقات الإنسانية المشتركة بين هذين المعبدين لتقف على حقيقة العلاقات الوطيدة بينهما.
كما أن القناة لم تجهد نفسها فـي البحث عن أسباب نجاح هذه المدينة وازدهار أعمال العرب الصغيرة فـيها، إضافة إلى تمتعها بالأمان والسلام، الذي تفتقده المدن القريبة منها، بالرغم من جميع الخطط المالية والاقتصادية والأمنية التي يضعها مسؤولو تلك المدن، من دون أن يفلحوا فـي ذلك.
كما أن المراسل لم يتورع عن إظهار أحد الأشخاص البيض وهو يصف العرب بكل وقاحة «بالسيئين وغير الودودين»، فضلا عن أنه لم يتقصَّ صحة الأقوال التي أدلى بها شخص أبيض آخر حين أخبر معد التقرير بأنه سمع عن حالة تم فـيها رجم امرأة فـي السنة الماضية (فـي نوع من التأكيد على أن سكان المدينة يطبقون حدود الشريعة الإسلامية)، إضافة إلى حالة أخرى تم فـيها ارتكاب جريمة شرف بحق إحدى الفتيات بسبب شرائها لواق ذكري.
ومن غير المنتظر، أن يتعب المراسل نفسه فـي استقصاء حقيقة تلك الوقائع وتبيان زيفها من مصداقيتها، والأكيد أنه أتعب نفسه واجتهد لتشويه صورة مدينة ديربورن وإثارة المخاوف لدى بعض الأميركيين، عبر ادعاءاته الكاذبة بأن المسلمين والعرب يسيطرون على المجلس البلدي وعلى قسم الشرطة فـي المدينة، والحقيقة يمكن اكتشافها، لو أراد المراسل ذلك، من خلال عدة نقرات على «غوغل» أو عبر التواصل مع المجلس البلدي وقسم الشرطة، ليكتشف أن رئيس شرطة ديربورن رونالد حداد مسيحي الديانة، وأن اثنين فقط من أعضاء المجلس البلدي السبعة هم من المسلمين.
ومع أن رئيس بلدية ديربورن جاك أورايلي قام بمراسلة مقدم برنامج «أورايلي فاكتور» المذيع بيل أورايلي فـي أعقاب بث التقرير، مفنداً له جملة الادعاءات الكاذبة و«الحقائق» المزيفة التي احتواها ذلك التقرير، إلا أن القناة لم تنشر أي توضيح أو تعليق حول ذلك، فـيما يكرس الاعتقاد بأن القناة اليمينية فعلت ما فعلت عن سبق إصرار وتعمد.
وعلى الفور، حقق بث التقرير، النتائج المرجوة منه، والتي ليس أقلها تسعير المشاعر العدائية ضد العرب والمسلمين فـي الولايات المتحدة، لدرجة أن عشرات الأشخاص طالبوا على صفحة «أورايلي فاكتور» على «فـيسبوك»، بقصف المدينة بالقنابل لكي تصبح مكانا آمنا، فأي جنون هذا؟!
نعم.. نحن مختلفون فـي الكثير من العادات والسلوكيات، فلدينا تقاليدنا وأزياؤنا ومطبخنا. نعم.. نحن نلبس بشكل يختلف عن باقي الأميركيين ونأكل الشاورما والحمص والفلافل والكبة النية. نعم.. نحن نحتفل بعيدي الفطر والأضحى ونرتاد المساجد ونعرف تماما جهة القبلة. ولكننا بالرغم من كل ذلك أميركيون ولا نريد شهادة من أحد تثبت انتماءَنا وحبنا لهذا البلد الذي اخترناه وطنا نهائيا!
Leave a Reply