عماد مرمل – «صدى الوطن»
بعد محاولات عديدة لاخفاء الخلاف بين رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري والوزير السابق اللواء أشرف ريفي، خرج هذا الخلاف إلى العلن بشكل صارخ مؤخراً، ليتحول الى مواجهة مباشرة استخدمت فيها كل أنواع الاسلحة السياسية الإعلامية.. والآتي أعظم!
ووصل تبادل الرسائل إلى حد تخفيض عديد عناصر قوى الأمن المكلفين بحماية ريفي، في سياق قرار اتخذه وزير الداخلية نهاد المشنوق بتقليص الحراسات الامنية لبعض الشخصيات التي كانت تحظى بعدد من المرافقين يتخطى ما هو مسموح به قانوناً.
لكن ريفي اعتبر أن الغاية الأساسية من هذا القرار هو التضييق عليه شخصياً، في إطار السعي إلى محاصرته، عقابا له على مواقفه من سياسات الحريري وخياراته، محملا المشنوق المسؤولية عن أي تهديد قد يواجهه.
وسبق ذلك، توقيف أحد العناصر المرافقة لريفي من قبل قيادة قوى الأمن بتهمة مخالفته للاصول التي ترعى عمله. كما تخلى ريفي عن إحدى السيارات المصفحة التي كان قد قدمها له الحريري لتعزيز موكب الحماية العائد له، بعدما تبلغ بضرورة إعادتها إلى صاحبها، كما يؤكد المقربون من ريفي، فيما ينفي المحيطون بالحريري هذه الرواية.
وليس خافيا أن فوز اللائحة المدعومة من ريفي في الانتخابات البلدية في مدينة طرابلس قبل أشهر في مواجهة تحالف سعد الحريري- نجيب ميقاتي- محمد الصفدي- فيصل كرامي، إنما شكّل مفاجاة مدوية وأعطى اشارة إلى ولادة حيثية سياسية جديدة في عاصمة الشمال تتمثل في ريفي الذي استطاع أن ينتقل من مرتبة الموظف كمدير عام سابق لقوى الامن الداخلي، إلى موقع الرجل السياسي القادر على منافسة من كان يأتمر بأوامرهم!
وشجع هذا الفوز ريفي على الذهاب بعيدا في طموحاته السياسية، وها هو يستعد لخوض الانتخابات النيابية المقبلة، متسلحاً برصيد نجاحه البلدي ومراهناً على أن تصنع منه صناديق الاقتراع زعيماً سنياً، يتجاوز نفوذه حدود طرابلس إلى مناطق الثقل الأخرى للطائفة السنية في بيروت والبقاعين الغربي والأوسط وإقليم الخروب، في مغامرة لا تخلو من المجازفة بـ«المحصول» الذي جمعه حتى الآن، خصوصاً أن خصومه استفادوا من دروس خسارتهم البلدية في عاصمة الشمال، لتحسين جهوزيتهم.
ويستند ريفي في معركته إلى خطاب تعبوي يرتكز على شعارات تدغدغ مشاعر المتحمسين من أبناء طائفته، من قبيل مواجهة نفوذ «حزب الله» والمحور الإيراني- السوري ورفض بقاء سلاح المقاومة والتمسك بالسيادة والاستقلال وثوابت الرئيس رفيق الحريري.
ويقدم ريفي نفسه باعتباره لا يزال من اشد الملتزمين بمبادئ «14 آذار»، في مقابل أصحاب مدرسة الواقعية المزيفة، كما يقول المقربون منه.
والمفارقة، في هذا المجال أن ريفي يتهم الرئيس سعد الحريري بالتخلي عن ثوابت والده، وبالإفراط في تقديم التنازلات للطرف الآخر إلى درجة التفريط، آخذا عليه الموافقة على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وإعطاء حلفاء النظام السوري حجماً كبيراً في الحكومة التي يترأسها.
وعلى الضفة الأخرى، يعتبر الحريري أن ريفي يلجأ إلى المزايدات السياسية للوصول إلى أهدافه، ويتعمد استغلال دم والده لتحقيق مكاسب ضيقة والتلاعب بعواطف الناس.
وبينما يؤكد الحريري أنه ليس بوارد المساومة على الثوابت الاستراتيجية المتعلقه بعدائه لنظام بشار الأسد وتمسكه بالمحكمة الدولية وإصراره على مرجعية الدولة اللبنانية ورفضه للسلاح غير الشرعي ولتورط «حزب الله» في سوريا، يشير في الوقت ذاته إلى أن الرئيس رفيق الحريري كان رجل التسويات والمبادرات وأنه شخصياً مستمر في سلوك هذا النهج، على خطى أبيه، لحماية الاستقرار الداخلي على كل المستويات.
ويراهن كل من الحريري وريفي على أن الناخبين سينحازون إليه في الانتخابات النيابية، ويعكس كلاهما ثقة عميقة في صوابية خياراته وقدرته على استقطاب الناس إليه، الامر الذي يحوّل الاستحقاق الانتخابي المقبل إلى اختبار مفصلي للرجلين.
ويوحي ريفي أن لديه كل القدرة على خوض الانتخابات في مواجهة «تيار المستقبل»، مروجاً منذ الآن بأنه سيتمكن من الفوز بعدد كبير من المقاعد في طرابلس، حتى لو تحالف ضده جميع خصومه في المدينة. كما يفترض ان بمقدوره تحقيق اختراقات في مناطق أخرى خارج الشمال، من باب إثبات الوجود الوازن، والتأكيد على أن قاعدته الشعبية أصبحت عابرة للمناطق.
ويؤكد ريفي للمقربين منه بأنه سيصنع مفاجآت كبرى وسيحقق نتائج نوعية في المبارزات الانتخابية التي سيخوضها، موضحاً أنه يتعاطى مع الانتخابات النيابية انطلاقاً من كونها ستشكل استفتاء على خياراته السياسية.
ويفترض ريفي أن الحليف الأكبر له في هذا الاستحقاق، سيكون التململ الواسع الذي يسود، برأيه، صفوف الجمهور السني من السلوك السياسي للرئيس الحريري «نتيجة خياراته غير الشعبية».
وعُلم أن رموزاً في العديد من المناطق السنية تتواصل مع ريفي، في سياق التنسيق للمرحلة المقبلة، ومن المتوقع أن تشكل هذه الرموز قاعدة اللوائح الانتخابية التي سيتولى ريفي دعمها ضد لوائح «المستقبل».
ويبدو أن ريفي سيترك لمناصريه ومؤيديه في كل منطقة أن يفرزوا مرشحيهم الذين ستتألف منهم اللوائح، بعد التشاور معه، على أن يكون راعياً لتلك اللوائح وداعماً لها، تماماً كما فعل خلال الانتخابات البلدية في طرابلس.
ويعتبر المتحمسون لريفي أن أهم ما يميزه هو أنه ابن الأرض ويتواصل معها بشكل مباشر، ويفهم لغتها ويعرف كيف يخاطبها، لافتين الانتباه إلى أنه يتفاعل مع الشارع وهمومه بوتيرة يومية تقريباً، بينما يفتقر معظم منافسيه الى هذه «الكيمياء» في العلاقة بالناس.
Leave a Reply