أولمرت يُسقط قضايا الوضع النهائي من المفاوضات … وموسكو تستضيف المؤتمر الثانيبوش ملتزم بـ«يهودية» إسرائيل وأمنها: السلام يتحقق بالتطبيع وهزيمة التطرف
واشنطن – ما إن أنهى مؤتمر أنابوليس أعماله الذي تعهد بتسوية النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين خلال 14شهراً، بدأت تتضح معالم جديدة قد تدخل المنطقة في الأسابيع القادمة في مرحلة جديدة إذ ان الافق السياسي الذي يفترض ان يفتحه، كان مجرد تمهيد لانطلاق سلسلة من الاختبارات وربما الحملات العسكرية التي تستهدف تعديل موازين القوى خاصة داخل الساحة الفلسطينية واستئصال «حماس» من غزة قبل التفكير بانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الضفة الغربية، وصولا الى ايران التي تابعت حملتها المضادة والمكثفة على المؤتمر والمشاركين فيه، بالإضافة الى الإعلان عن مؤتمر موسكو الذي يفترض ان يطلق المسارين اللبناني والسوري من المفاوضات. في هذا الوقت كانت وزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس تعلن تعيين القائد السابق لقوات حلف شمالي الاطلسي الجنرال جيمس جونز، مشرفا على سير العملية التفاوضية، في خطوة تتعارض مع توقعات اميركية سابقة بأن يجري اختيار شخصية سياسية بارزة من خارج ادارة بوش للقيام بمثل هذه المهمة، وتوحي بأن الامن هو الاولوية التي فرضت على الجانب الفلسطيني، وهو ما صاغه بطريقة اخرى عدد من المعلقين الاسرائيليين الذين اعتبروا ان مؤتمر انابوليس اعطى الضوء الاخضر لحملة عسكرية اسرائيلية جديدة على قطاع غزة بهدف إطاحة حكومة حركة حماس كشرط للمضي قدما في التفاوض مع سلطة الرئيس محمود عباس. ولعل افضل تلخيص لنتائج انابوليس ما جاء على لسان وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني التي دعت الفلسطينيين وممثلي 16 دولة عربية والامين العام للجامعة العربية عمرو موسى، في الكلمة التي ألقتها امام المؤتمر، الى شطب كلمة «النكبة» من قاموسهم والتوقف عن التحسر على اقامة دولة اسرائيل، كما رفضت دفع ثمن في مقابل التطبيع.
لقاء ثلاثي فـي البيت الأبيضوفي اليوم التالي من المؤتمر عقد الرئيس الاميركي جورج بوش في البيت الابيض لقاء موسعا مع اعضاء الوفدين الاسرائيلي والفلسطيني، هدف الى اعلان انطلاق المفاوضات الرسمية التي سارع الاسرائيليون الى التشكيك بجدواها وجدول اعمالها ومهلتها الزمنية التي تنتهي مع العام 2008 فيما تابع الفلسطينيون الاحتجاج على افراغها من أي مضمون عملي، لا سيما بعدما حذف من وثيقة التفاهم الختامية أي ذكر لقضايا الوضع النهائي. وقال بوش، يحيط به عباس وأولمرت في البيت الابيض، «لم أكن لأقف هنا لو لم أكن أعتقد أن السلام ممكن» مضيفا «ثمة أمر أكدته للسيدين وهو أن الولايات المتحدة ستشارك بفعالية في العملية… إننا سنستخدم قدرتنا لمساعدتكما وأنتما تتوصلان الى القرارات الضرورية لارساء الأساس لدولة فلسطينية تعيش جنبا الى جنب في سلام مع إسرائيل». ماذا حصل فـي أنابوليستلقى الرئيس الاميركي جورج بوش ورئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود اولمرت أوسع دعم رسمي عربي، وأقوى إشارة عربية الى ان أبواب التطبيع فتحت بالفعل مع اسرائيل التي تعهدت باستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، حول قضايا الوضع النهائي التي لم تذكرها وثيقة تفاهم مشتركة افتتح فيها مؤتمر انابوليس الاكبر من نوعه منذ مؤتمر مدريد العام 1991، والاخطر منذ مؤتمر كامب ديفيد في العام 1979. وهي المرة الاولى منذ اتفاق اوسلو في العام 1993 التي يجري فيها إسقاط الاشارة الى قضايا الوضع النهائي، اي القدس والحدود والمستوطنات واللاجئين، من وثيقة فلسطينية اسرائيلية، في ما يبدو انه مقابل تخلي اسرائيل عن طلب تضمين الوثيقة نصا صريحا يؤكد يهودية الدولة الاسرائيلية ويهدد بطرد سكانها الاصليين من فلسطينيي الـ48 علما بان هذه التسوية التي كانت عالقة طوال الاسابيع الماضية عند تلك النقطة بالتحديد، نقضها بوش في خطابه الافتتاحي عندما اكد ان اسرائيل هي دولة لليهود. وما زاد من خطورة هذا التجاهل لقضايا الوضع النهائي، هو تركيز الوثيقة نفسها وبوش في خطابه الافتتاحي للمؤتمر على استعادة أولويات خريطة الطريق الموقعة في العام 2004 واهمها التزام السلطة الفلسطينية المسبق بمكافحة الارهاب، كشرط لمتابعة المفاوضات وتنفيذ اسرائيل لتعهداتها… وهي صيغة تعادل أمر عمليات الى السلطة لتشديد حملتها على حركة حماس وحكومتها، وتنذر بتفجير الوضع الداخلي الفلسطيني الذي شهد الأسبوع الماضي ترديا جديدا تمثل بإقدام الشرطة الفلسطينية على اطلاق النار على متظاهرين فلسطينيين معارضين لانابوليس في عدد من مدن الضفة الغربية وبلداتها، ما ادى الى سقوط قتيل وعشرات الجرحى.. فيما كانت شوارع غزة تسجل المزيد من الاحتجاجات الشعبية على المؤتمر، والتحذيرات الرسمية والسياسية من مخاطره على الوضع الداخلي الفلسطيني. وعلى الرغم من انه لم ترد أنباء عن لقاءات جانبية عربية اسرائيلية تطلق مسار التطبيع، او تدفعه الى الامام، فان بوش واولمرت لم يخفيا الامتنان لذلك الحشد العربي الذي ضم وزراء او ممثلي 16 دولة عربية بعضها ليس عضوا في لجنة المتابعة لمبادرة السلام العربية التي جددت قمة الرياض طرحها في
الربيع الماضي، وانتقلا على الفور الى مطالبة الجانب العربي بترجمة ذلك الحضور الاستثنائي الى خطوات عملية اضافية، تواكب المسار الفلسطيني وتشكل كما يبدو شرطا لتقدمه. وعلى غرار مؤتمر مدريد الذي انعقد في اعقاب حرب الخليج الثانية في العام 1990 فان مؤتمر انابوليس الذي انعقد ايضا في ظل اضطراب خليجي شديد نجم عن الاحتلال الاميركي للعراق وتسليط الاضواء وتوسع الدور الايراني في المنطقة، حدد آليات للتفاوض بينها تشكيل لجنة توجيه ثلاثية اميركية اسرائيلية فلسطينية تعقد اجتماعها الاول في 12 كانون الاول المقبل، وتشرف على عمل المفاوضين الذين سيرفعون تقريرا نصف شهري الى اجتماع دوري بين اولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس، على ان يتولى الجانب الاميركي نفسه دور الحكم! وتلا بوش في خطابه امام المؤتمر «تفاهما مشتركا» توصل اليه الفلسطينيون والاسرائيليون في واشنطن غير ان هذا التفاهم لم يشر الى أي من المسائل الصعبة التي تعيق التوصل الى اتفاق، مثل قضية القدس واللاجئين والحدود وغيرها (تفاصيل الوثيقة صفحة 16).
بوش
وقال بوش في كلمته امام المؤتمر «اولا، الوقت مناسب لان للفلسطينيين والاسرائيليين زعماء مصممون على تحقيق السلام… ثانيا، الوقت مناسب لان المعركة من اجل مستقبل الشرق الاوسط مستمرة». أضاف «وستحافظ الولايات المتحدة على التزامها امن اسرائيل كدولة عبرية ووطن للشعب اليهودي» موضحا ان «هذه التسوية ستؤدي الى قيام فلسطين كوطن للفلسطينيين، تماما كما هي اسرائيل وطن للشعب اليهودي». وتابع «على (الفلسطينيين) ان يظهروا للعالم انهم (سيقيمون) دولة فلسطينية توفر الفرص لجميع مواطنيها وتحكم بطريقة عادلة وتفكك البنية التحتية للارهاب» موضحا «على (الاسرائيليين) ان يظهروا للعالم انهم مستعدون للبدء في انهاء الاحتلال الذي بدأ في العام 1967 من خلال تسوية يتم التوصل اليها عن طريق التفاوض». وشدد بوش على انه «يجب ان تقوم الدول العربية بمد اليد لاسرائيل والعمل باتجاه تطبيع العلاقات، والاثبات بالقول والفعل انها تؤمن بان اسرائيل وشعبها لهم وطن دائم في الشرق الاوسط».
عباس وقال عباس في كلمته «ان منطقتنا تقف اليوم امام منعطف يفصل بين مرحلتين تاريخيتين: مرحلة ما قبل مؤتمر انابوليس ومرحلة ما بعده» مضيفا «ان تحقيق ذلك (السلام) لا يتوقف على الموقف العربي والاسلامي وحده، بل يتطلب مقابلة هذا الموقف باستعداد استراتيجي مماثل يقود اساسا الى انهاء احتلال جميع الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، وكذلك الجولان السوري وما بقي محتلا من الاراضي اللبنانية، وحل جميع قضايا الصراع الاخرى وخاصة قضية اللاجئين الفلسطينيين من كافة جوانبها السياسية والانسانية الفردية والعامة، وفق القرار 491». وتابع «علينا ان نبدأ عملية تفاوض شاملة وعميقة حول جميع قضايا الوضع النهائي، بما فيها قضايا القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات والامن والمياه وغيرها». وشدد على ان «مصير مدينة القدس هو عنصر اساسي في اي اتفاق سلام نتوصل اليه» معتبرا ان الحرب والارهاب «ينتميان الى الماضي».
اولمرت وقال اولمرت، من جهته، «نريد السلام.. نطلب انهاء الإرهاب والتحريض والكراهية. نحن مستعدون لتسوية مؤلمة مليئة بالمخاطر من اجل تحقيق تطلعات (السلام) هذه» موضحا ان «المفاوضات ستتناول مسائل تم تجنبها حتى الان. لن نتجنب أي موضوع». وحرص اولمرت على التذكير بأن احدى مرجعيات المفاوضات مع الفلسطينيين، تتمثل في رسالة الضمانات التي وجهها بوش الى رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ارييل شارون، في نيسان 2004 وتعطي اسرائيل الحق في الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية. وتحدث اولمرت عن قيام دولة فلسطينية «لأبناء الشعب الفلسطيني ودولة إسرائيل يهودية وديموقراطية تعيش بأمن ومعفية من تهديدات الإرهاب وهي البيت القومي للشعب اليهودي» معربا عن استعداده «لمساعدة الفلسطينيين لإيجاد إطار صحيح لمستقبلهم في الدولة الفلسطينية التي ستقوم في المناطق التي سنتفق عليها… إسرائيل ستكون جزءا من جهاز دولي سيساعد على حل هذه القضية». وقال اولمرت «يسرني ان ارى في هذه القاعة ممثلين عن دول عربية. غالبيتها لا تقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل… لقد حان الوقت لتفعلوا ذلك ايضا. فلا يمكننا الاستمرار من دون توقف ورؤية كيف تقفون في المقــابل وتشــاهدون قطار السلام وهو يمر». اضاف «حان الوقت لانهاء المقاطعة والتنكر والتجاهل تجاه دولة اسرائيل» موضحا «لم يعد لدينا الامتياز، لا نحن ولا انتم، في التشبث باحلام غير متصلة بمعاناة شعوبنا». وتابع «لا توجد دولة عربية في الشمال والشرق والجنوب، لا نريد صنع سلام معها، ولا توجد دولة إسلامية لا نريد إقامة علاقات دبلوماسية معها. ومن يريد صنع السلام معنا نقول له من اعماق قلوبنا «أهلا وسهلا» معربا عن «تقديره» لمبادرة السلام العربية.
السعودية وقال وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، في كلمته امام المؤتمر، «حان الوقت لكي تضع اسرائيل ثقتها في السلام بعدما راهنت على الحرب لعقود
من دون نجاح» مضيفا «يجب على اسرائيل والعالم ان يدركا ان السلام والاحتفاظ باراض عربية محتلة، امران متعارضان ومن المستحيل التوفيق بينهما ولا يمكن ان يتحققا». وتابع «جئنا لدعم اطلاق محادثات جدية ومتواصلة بين الفلسطينيين والاسرائيليين تتناول المسائل الجوهرية وقضايا الحل النهائي. هذه المحادثات يجب ان يتبعها اطلاق المسارين السوري واللبناني في اقرب وقت ممكن». ونقلت «اسوشييتد برس» عن اعضاء في الوفد الاميركي ان الفيصل صفق لدى انتهاء اولمرت من إلقاء كلمته. وردا على تعهد بوش في خطابه بالحفاظ على امن اسرائيل «كدولة يهودية»، قال السفير السعودي لدى واشنطن عادل الجبير «الفلسطينيون لا يقبلون ذلك وهناك مليون ونصف المليون فلسطيني» يقيمون في اراضي الـ84 و«لا يمكن للفلسطينيين ولا للدول العربية الاخرى ان تقبل بقيام دولة على اساس ديني». وقال الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، في كلمته امام المؤتمر، أن «المطلوب من مؤتمر أنابوليس هو أن يتفادى أخطاء الماضي وعدم الإبطاء في المفاوضات وعدم الإخلال بالمسار الوحيد للتسوية القائم على إقامة الدولة الفلسطينية، وانسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك القدس والجولان وما تبقى من الأراضي اللبنانية تحت الاحتلال، وعندئذ فقط ستكون الدول العربية على استعداد لإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل طبقا لمبادرة السلام العربية».
«خيبة عربية» ونقلت «وكالة فرانس برس» عن مسؤول عربي يشارك في المؤتمر «من الصعب ان تؤتي العملية التفاوضية التي اعلن عنها بنتائج ولا شيء يدعو الى التفاؤل والعرب عموما يشعرون بخيبة امل» مضيفا «اشترط التفاهم المشترك الذي اعلنه الرئيس بوش تطبيق اي اتفاق سلام بتنفيذ المرحلة الاولى من خريطة الطريق اي تفكيك الشبكات الارهابية في الاراضي الفلسطينية وهو ما يعني الدخول في حرب مع حركة حماس». وتابع ان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات «لم يستطع تنفيذ الشق الامني في خريطة الطريق فكيف يتمكن عباس الان من ذلك» موضحا ان هذا التفاهم المشترك «لم يتضمن حتى التزاما واضحا كما كان يريد العرب بإنهاء المفاوضات قبل نهاية ولاية بوش وانما تحدث عن «بذل اقصى جهد ممكن» لتحقيق هذا الهدف».
سوريا دعت سوريا في مؤتمر أنابوليس إلى استئناف «مفاوضات السلام» التي بدأت في مدريد، وأكدت أن لا علاقات مع إسرائيل قبل انسحابها الكامل من كل الأراضي العربية المحتلة.وقال فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري إن «إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل يجب أن تكون ثمرة سلام شامل لا أن تسبقه».واعتبر المسؤول السوري أن مشاركة سوريا في أنابوليس «خطوة إضافية من جانبها للمساهمة في صنع سلام عادل وشامل في منطقتنا المضطربة»، مشيرا إلى أنه «ليس جديدا أن نقول إن سوريا قامت بدور حاسم في إطلاق عملية السلام التي بدأت في مدريد عام 1991».وأكد أن بلاده دعت دوما لاستئناف عملية السلام وشاركت مشاركة فعالة في إطلاق مبادرة السلام العربية لكن إسرائيل لم تتجاوب مع دعواتها، مذكرا بأنها أجرت مفاوضات مع خمس حكومات إسرائيلية متعاقبة دون جدوى، وأنها توقفت بقرار إسرائيلي عام 2000.وجدد دعم سوريا لمبادرة السلام العربية التي قررت الجامعة العربية تفعيلها في آذار (مارس) الماضي، مذكرا بأنها تنص على تطبيع كامل للعلاقات بين الدول العربية وإسرائيل مقابل انسحاب كامل من الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها الجولان.وكانت دمشق أعلنت مشاركتها في المؤتمر قبل يوم واحد من انعقاده وبعدما حصلت من الولايات المتحدة على إدراج هضبة الجولان التي احتلتها إسرائيل عام 1967 وضمتها عام 1981 على جدول مناقشاته.
Leave a Reply