عواصم – تبنى مجلس الأمن الدولي بياناً رئاسياً، غير ملزم، الأسبوع الماضي، يطالب الحكومة السورية والمعارضة بأن تطبقا “فوراً” الخطة التي عرضها المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان لحل الأزمة، بجوانبها الامنية والسياسية والانسانية. في حين أعلنت موسكو وبكين أن موقفهما لم يتغير من الازمة، فيما طالبت واشنطن الرئيس السوري بشار الاسد بالالتزام بما جاء في البيان أو “مواجهة المزيد من الضغوط والعزلة”.
ولم يأت البيان الرئاسي لمجلس الامن على ذكر “المبادرة العربية” التي تنص على نقل الرئيس الأسد صلاحياته الى نائبه فاروق الشرع، ويدعو في المقابل إلى “الالتزام بالعمل مع المبعوث (أنان) في إطار عملية سياسية جامعة بقيادة سورية لمعالجة التطلعات المشروعة للشعب السوري وشواغله، والالتزام، لهذه الغاية، بتعيين محاور تخول له كل الصلاحيات عندما يدعوه المبعوث إلى القيام بذلك”.
وكانت نسخة سابقة من البيان تهدد سوريا باتخاذ الأمم المتحدة “إجراءات جديدة” إذا لم تلتزم دمشق بالمطالب خلال سبعة أيام وهو ما قال دبلوماسيون إن روسيا اعتبرته إنذارا، وتم اسقاطه واستعيض عنه بعبارة اتخاذ “تدابير اخرى” التي لم يحددها في حالة عدم التزامها باقتراحات أنان. ويتضمن البيان الرئاسي الذي أقر بعد مفاوضات مكثفة بين القوى الكبرى، وافقت روسيا والصين على النص الذي قدمته فرنسا ويدعو الحكومة السورية إلى العمل في اتجاه وقف العنف وانتقال ديموقراطي. ودعا البيان جميع الأطراف إلى “الالتزام بالعمل مع المبعوث في إطار عملية سياسية جامعة بقيادة سورية لمعالجة التطلعات المشروعة للشعب السوري وشواغله، والالتزام، لهذه الغاية، بتعيين محاورتخوله كل الصلاحيات عندما يدعوه المبعوث إلى القيام بذلك”.
من ناحيته، وصف المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني البيان “بالإيجابي والمهم، إلا أنه خطوة متواضعة”. وقال إنه “يدل على حقيقة أن هناك إجماعا في مجلس الأمن لدعم مهمة كوفي انان، ويدل على بناء تجمع من الأصوات على الساحة الدولية يصر على أن الرئيس بشار الأسد يجب أن يوقف حملته الوحشية ضد شعبه”. وأضاف “من الواضح أن هذا شيء جيد”.
وبدورها، قالت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون إن “الخطوة التي اتخذها مجلس الامن المنقسم حيال الازمة في سوريا إيجابية”. وأضافت “نقول نحن والمجتمع الدولي للرئيس الاسد ونظامه، أسلك هذا الطريق والتزم به، وإلا فإنك ستواجه المزيد من الضغوط والعزلة”.
وأعلنت ان الولايات المتحدة تعمل مع المعارضة السورية على الاعداد لمرحلة انتقال السلطة المحتملة في سوريا، وأضافت “نحن ندعو الجيش السوري الى رفض الاوامر بإطلاق النار على أبناء وطنهم، كما ندعو مجتمع رجال الأعمال الذين ما زالوا يؤيدون النظام الى العمل على تطبيق بيان مجلس الامن ومهمة انان”.
وفي طهران، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمانبرست، تعقيباً على بيان مجلس الأمن حول سوريا، إن “إيران تدعم أي مشروع لا ينتهك السيادة السورية”. وأضاف إن “إيران تتجاوب مع المشروع الذي يتضمن مطالب الشعب السوري وتطبيق الإصلاحات المعلنة من قبل الرئيس السوري (بشار الأسد) ومسؤولي الحكومة السورية وإرساء الأمن والاستقرار في هذا البلد ويمهد للحوار الوطني فيه”. وشدّد على “ضرورة اعتماد الخيار السياسي لمعالجة الوضع الحالي في سوريا وتحاشي أي تسرّع وإجراء ينطوي على تدخل”.
إدانة تفجيري دمشق وحلب
ووافق مجلس الأمن على بيان صحافي اقترحته روسيا يدين التفجيرات في دمشق وحلب. وجاء فيه ان “اعضاء مجلس الامن يدينون بأشد التعابير الهجمات الارهابية التي وقعت في دمشق بسوريا في 17 و19 آذار وفي حلب في 18 آذار ما تسبب بعشرات القتلى والمصابين”. وأضاف “إنهم يعبرون عن تعازيهم الحارة لعائلات ضحايا هذه الاعمال الشنيعة”. وأعلن دبلوماسيون ان دولاً أوروبية لاتزال ترغب في استصدار قرار ملزم في مجلس الأمن حول سوريا، حيث قال المندوب البريطاني مارك ليال غرانت، الذي تترأس بلاده مجلس الامن لهذا الشهر، إن البيان يبعث “برسالة قوية وموحدة إلى الحكومة وكل اللاعبين الآخرين في سوريا بأنهم بحاجة إلى الاستجابة فوراً” لمقترحات أنان لحل الازمة.
من ناحيته، قال المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة جيرار أرو، تعليقا على البيان إنه “خطوة صغيرة من قبل مجلس الأمن في الاتجاه الصحيح”. أما مندوب الصين الدائم في الامم المتحدة لي باودونغ فقد قال “ندعو المجتمع الدولي الى دعم جهود الوساطة التي يقوم بها أنان، وخلق ظروف مواتية لعمله”. وأضاف ان “الصين تأمل في ان تقدم الحكومة السورية والاطراف المعنية الدعم الفعلي لمهمة أنان والتنسيق معها، ووقف العنف فورا، وإبداء الارادة السياسية وإطلاق الحوار السياسي بالسرعة الممكنة من اجل التوصل الى تسوية سياسية مبكرة للأزمة السورية”. وأكد الموقف الصيني المعارض لأي تدخل عسكري أجنبي في سوريا، مشددا على أن الشعب السوري هو الذي يجب ان يقرر إدارة شؤونه.
كما أكد المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين أن موقف موسكو من الملف السوري لم يتغير، وهو يعكس تصور روسيا للوضع السوري وتفهمها “لضرورة وقف جميع أنواع العنف في أقرب وقت ممكن، وإشراك كل الأطراف في الحوار، ودعم العملية السياسية التي يقودها السوريون أنفسهم”. وأعرب عن قلقه حيال تهريب الأسلحة إلى سوريا، مشيرا إلى أن “وقف عملية عسكرة النزاع السوري يعد أحد الشروط الرئيسية لنجاح مهمة أنان”. وقال “يجب وقف العنف والعمليات القتالية، وبطبيعة الحال، لا يسهم تهريب السلاح إلى سوريا في تحقيق ذلك، بل بالعكس، يجعل الأمور تتحرك إلى الوراء”.
وفي السياق ذاته، أعلن وزير الخارجية الروسي لافروف، في مؤتمر صحفي في برلين، الى أن نص مشروع البيان “يكاد ينسخ حرفياً” اقتراحات أنان التي سلمها الى السلطة السورية والمعارضة. وقال “أنا مرتاح جداً لكون شركائنا قد تخلوا في نهاية المطاف عن توجيه انذارات اخيرة وتهديدات والقيام بمحاولات لحل المشكلة عن طريق طرح مطالب أحادية الجانب على الحكومة السورية”. وأضاف “نظرا لأن مجموعة كبيرة من المسلحين تقاتل ضد الحكومة السورية فمن الساذج أن نعول على ان يطلب مجلس الامن سحب القوات الحكومية من المدن الكبيرة من دون أن تتخذ خطوات مماثلة للتأثير على المعارضة”.
وناشد أنان، في بيان، دمشق “الرد إيجاباً” على دعوة مجلس الامن الدولي للسلطات السورية الى تطبيق خطة الست نقاط التي طرحها لحل الازمة.
“أصدقاء سوريا” الى اسطنبول
وفي الأثناء وردت أنباء عن أن تركيا تهدف إلى إعادة ترتيب أوضاع المعارضة السورية، ولا سيما “المجلس الوطني السوري” وإضفاء “شرعية حصرية” عليه، واستباق أي تغييرات قد تطرأ على مواقف الجامعة العربية، بعد حلول العراق مكان قطر في رئاسة الجامعة. وقال مصدر عربي في باريس إن الأتراك يتحركون لإنجاح مؤتمر “أصدقاء سوريا” مزمع إقامته في اسطنبول، ويجرون اتصالات واسعة، تهدف إلى تلافي تكرار الفشل الذي لقيه المؤتمر في تونس.
وقال مصدر عربي لصحيفة “السفير” اللبنانية إن الأتراك يتحركون لإنجاح مؤتمر “أصدقاء سوريا” في اسطنبول، ويجرون اتصالات واسعة، تهدف إلى تلافي تكرار الفشل الذي لقيه المؤتمر في تونس، ويكررون بأن المؤتمر في اسطنبول سيتخذ القرارات الضرورية التي عجز “أصدقاء سوريا” عن تبنيها في تونس. وسيوصي المؤتمر باعتبار قراراته مرجعية سياسية جديدة لحل الأزمة السورية، ونقل الثقل الدبلوماسي إليه من الجامعة العربية، التي تنتقل رئاستها من قطر إلى العراق خلال أيام، واستباقاً لأي تغيير في توجهات الجامعة العربية في ظل رئاسة عراقية أقل صدامية من القطريين في مواجهة النظام السوري.
ويؤشر ذلك إلى رفض القطريين، خلف شدة قرارات اسطنبول المنتظرة، تهميش دورهم في الهجوم على النظام السوري، أو إبعادهم عن صياغة الاستراتيجية الملائمة لإسقاط النظام السوري، بعد عام من قيادة العملية الدبلوماسية العربية ضد النظام.
وفي سياق آخر، ذكرت وكالة الانباء السورية (سانا) أن بعثة تقييم المساعدات الانسانية الدولية في سوريا زارت مدينة ادلب التي سيطر عليها الجيش قبل اسبوع. وقالت ان وفدا مشتركا من الامم المتحدة ومنظمة التعاون الاسلامي قام بزيارة الحي الشمالي والضبيط والناعورة في مدينة ادلب وأبدى ارتياحه لواقع المدينة حيث بدت الحياة طبيعية هادئة والخدمات متوفرة”. ونقلت الوكالة عن رئيس الوفد بن هاربر قوله أن “الجولة تندرج في اطار زيارة سوريا للوقوف على الواقع في المناطق المتوترة التي شهدت ضررا في البنية الاقتصادية، اضافة الى لقاء المواطنين والاستماع لوجهات نظرهم ومقترحاتهم في هذا الجانب”.
Leave a Reply