وليد مرمر
بعد تحقيق مركّز ودراسة شاملة لكل الدلائل والقرائن بشأن الهجمات التي تعرضت لها أربع ناقلات نفط قبالة السواحل الإماراتية الشهر الماضي، لم تتضمن النتائج المشتركة بين السعودية والإمارات العربية والنروج إلا التلميح بأن تلك الهجمات تحمل بصمات «عملية معقدة ومنسقة تقف وراءها إحدى الدول على الأرجح». وأشارت نتائج التحقيق المقدمة إلى الأمم المتحدة بأن الألغام المستخدمة في الهجوم وضعها على السفن «ضفادع بشرية» كانوا في زوارق سريعة، وذلك دون الإشارة إلى الجهة المنفذة.
و«على الأرجح»، هذا ما ستفضي إليه نتائج التحقيق بحادثة تعرض ناقلتي نفط أخريين (نروجية ويابانية) صباح يوم الخميس ١٣ حزيران (يونيو) الجاري في مياه خليج عمان، لاستهدافات عدة أدت إلى وقوع انفجارات وحرائق تم على أثرها إجلاء طواقمهما، أو بعضها على الأقل، من قبل سفن إيرانية نقلت 44 بحاراً أجنبياً إلى ميناء جاسك الإيراني.
وقد أصدرت الخارجية الإيرانية بياناً أعربت فيه عن «القلق الشديد» جراء حادثة ناقلتي النفط «كونها فعلاً مريباً في توقيت حساس» معتبرة أنها تتعارض مع الجهود الإقليمية والدولية لخفض التوتر بالمنطقة، ومؤكدة ضرورة اعتماد التعاون والحوار بين دول المنطقة لحفظ أمنها واستقرارها، مضيفة أن الشبهة تحوم حول توقيت الحادثة الذي تزامن هذه المرة مع زيارة رئيس وزراء اليابان، شينزو آبي، إلى طهران ولقائه المرشد الأعلى السيد علي خامنئي في إطار جهوده للتوسط بين إيران وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للعودة إلى طاولة المفاوضات.
لكن مع تمسك طهران برفض الحوار مع واشنطن تحت ضغط العقوبات الخانقة، هل سيؤدي هذا الهجوم إلى عودة عقارب الساعة الى الوراء وارتفاع منسوب التوتر مرة أخرى بعدما تم سحب فتيله في الأسابيع السابقة بحيث تجنبت المنطقة مواجهة كارثية بين الولايات المتحدة وإيران؟ هذا ما سيتوضح في الأيام القادمة بلا شك.
وتأتي هذه التطورات في ظل احتدام الصراع في المنطقة بين القطبين الإقليميين اللدودين، السعودية وإيران، حيث نشرت «نيويورك تايمز» تقريراً يشير إلى إعلان ترامب الشهر الماضي خطة طوارئ وطنية بخصوص التوتر مع إيران، متجاوزاً الكونغرس، الذي يتحفظ على بيع ما قيمته أكثر من ٨ مليارات دولار من الأسلحة للسعودية والإمارات والأردن. وكان تيم كين، عضو لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، قد قال «إن استعداد ترامب لمنح السعودية كل ما تريد، متجاوزاً اعتراض الكونغرس، يهدد الأمن القومي الأميركي، ويذكي التوتر في المنطقة». وعبر كين عن قلقه من أن إدارة ترامب وافقت على نقل التكنولوجيا النووية الأميركية إلى السعودية التي تعتزم بناء ١٨ مفاعلاً نووياً، «بعدما قتلت بكل وحشية رجلاً كان يقيم في أميركا» (خاشقجي).
لقد أعلن المسؤولون الإيرانيون في أكثر من مناسبة أن مياه الخليج لن تكون آمنة لناقلات النفط في حال مُنعت إيران من تصدير نفطها. ولقد حُرمت إيران فعلاً نتيجة تشديد العقوبات الأميركية من عشرات المليارات سنوياً نتيجة إذعان معظم الدول للحظر المفروض من قبل إدارة الرئيس ترامب.
فهل هذه الهجمات المتكررة على ناقلات النفط هو من قبيل الصدفة، أم أن لإيران اليد الطولى في استقرار أمن الخليج وهي إن أرادت أن تجعله أقل أمناً، من غير تدخل مباشر منها، فالأمر ليس عليها بعسير؟
في كلتا الحالتين لا جرم أن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي، وهي تُمنع من تصدير نفطها ومشتقاته، فيما ناقلات النفط تمخر عباب الخليج. لقد اتُهمت إيران سابقاً بتنسيق الجهود مع «القاعدة» لمقارعة الاحتلال الأميركي للعراق. وعلى رغم غرابة هذه المعادلة إلا أن الواقعية السياسية «ريلبوليتكس» قد أنتجت سابقاً مقاربات وتحالفات أغرب من هذا بكثير. فما الذي يمنع مثلا أجهزة الاستخبارات الإيرانية من تجنيد قراصنة الصومال وأثيوبيا وغيرهم، وربما عبر فريق ثالث، لأجل «تعكير» مياه الخليج وجعلها «غير سالكة وغير آمنة» حسب تعبير شريف الأخوي، إبان حرب لبنان الأهلية.
لقد قال أبو ذر، الاشتراكي الأول في الإسلام كما يروق لليساريين تسميته، «عجبت لمن لا يجد قوت بيته كيف لا يخرج إلى الناس شاهراً سيفه». فما القول في دولة لا تجد قوت شعبها؟ وهي تُحرَم من المعاملات التجارية التي تتمتع بها جميع دول العالم؟ فهل تُلام حقاً إن هي «عبثت» قليلاً في مياه الخليج لتمرير رسالة «لمن يهمه الأمر»، بأن أذرعها طويلة وخياراتها عديدة، وليس أحدها «الموت صبراً»؟
وفي المقلب الآخر، ما الذي يمنع إسرائيل والسعودية والدول والتنظيمات الدائرة في فلكهما، وهي ليس قليلة، من افتعال هذه الهجمات لإذكاء فتيل الأزمة والتعجيل بالحرب الموعودة التي يعدّ لها «الفريق ب» بلا كلل أو ملل؟
لقد تمخض القرن الماضي عن نظربات في علم الحروب ربما لمن تكن معتمدة بشكل منهجي في التاريخ. فإن الحرب الناعمة تمثل خياراً يأتي بمحاذاة، أو يحل مكان، الحرب العسكرية التقليدية، حيث يستهدف هذا النوع من الحروب المقومات الثقافية والقيم السياسية، وتستخدم فيه عناصر الجذب والاستقطاب والتأثير غير المباشر بما يؤدي إلى الاقتناع والاندماج الكامل بمقولات وقيم المعتدي.
ولكن هناك حرباً من نوع آخر أسرع تأثيراً وأنجع وسيلة وأشد فتكاً، ألا وهي الحرب الإقتصادية. فهل يحفظ القانون الدولي لأية دولة الحق بالرد على أي اعتداء عسكري عليها ويحرمها من الرد عند «الاعتداء» عليها اقتصادياً؟
إن المضائق والممرات المائية هي شرايين الأرض الحيوية ولا يحق لأية دولة تعريضها للخطر. كذلك فإن الحق بالعيش الكريم والاستيراد والتصدير والتجارة هي من الحقوق الأساسية التي لا مكان فيها للمهادنة ولا للمساومة، وإلا تعرضت العدالة الدولية للخطر، وفق تعبير مارتن لوثر كينغ جونيور: «الظلم في أي مكان، هو تهديد للعدالة في كل مكان»!
Leave a Reply